CET 08:25:22 - 10/11/2009

مقالات مختارة

بقلم : د‏.‏ نبيل صموئيل أبادير

تصطدم المواطنة في واقعنا المعاش بمجموعة مركبة من الإشكاليات والتحديات والعقبات‏,‏ تؤثر في مجملها علي مفهوم وتطبيقات المواطنة في حياتنا كمواطنين وكمجتمع وكدولة‏.‏ فهناك فجوة هائلة في امتلاك الثروة في مجتمعنا ما فئة قليلة جدا‏,‏ وما بين الغالبية العظمي التي تسبح تحت نير الفقر والحرمان‏,‏ مع تزايد أعداد المهمشين والمستبعدين والذين بلا مأوي وأصحاب الاحتياجات الخاصة وغيرهم من الفئات المحرومة‏,‏ كما تصطدم المواطنة أيضا بتفشي ظاهرة المغالاة في مظاهر الدين دون التمسك بقيمه الجوهرية‏,‏ فتنتشر أمراض الفهلوة والرشوة والمحسوبية واللامبالاة وغيرها من مظاهر الفساد والإفساد‏,‏ وفي هذا الإطار تتعاظم ظاهرة رفض الآخر المختلف‏,‏ سواء أكان أختلافا دينيا أو عقائديا‏,‏ أو سياسيا‏,‏ أو اجتماعيا ـ رفضا يصل إلي حد عدم قبول كل اجتهاد أو إعمال للعقل والتفكير ومحاولة فرض الرأي والفكر بالقوة‏,‏ التي قد تصل إلي حد التكفير وقتل المختلف جسديا أو معنويا‏.‏

وقد نشأ عن ذلك حالة من المواجهة الحادة بين غالبية تتمسك تمسكا شديدا بالتقاليد والمورثات والمنقول ـ دون نقده أو تحليله ـ وبين أقلية تحاول التحرر من المورثات في ضوء معطيات العصر ومتطلباته‏,‏ وبذلك ينقسم المجتمع انقساما حادا ما بين انتماءات تقليدية‏,‏ أو عرقية‏,‏ أو دينية‏,‏ تنفي وترفض أي محاولة لنقد هذا التقليد‏,‏ وتعتبر من يقوم بذلك خارجا عن إطار المجتمع والدين‏,‏ وبين انتماءات أخري تحاول تفكيك الواقع بحرية كاملة دون قيود فكرية أو دينية أو أجتماعية‏,‏ وتعتبر كل من يرفض ذلك في حالة من التخلف والرجعية‏.‏

أسهم في الوصول إلي هذه الحالة الثقافية غياب دور الثقافة والمثقفين لعقود طويلة تركت الساحة مفتوحة لاصحاب الفكر التقليدي النقلي المغالي‏,‏ والرافضين تماما لأي اجتهاد أو إعمال للعقل في تحليل ونقد التقليد‏.‏ إضافة إلي المناهج التربوية والتعليمية والتي ظلت لفترة طويلة تقوم علي العزل أو النفي والاستبعاد للآخرين‏,‏ وعلي اختزال التاريخ وتسطيح الذاكرة الجمعية‏,‏ مناهج تعزل الأطفال الذكور عن الاناث‏,‏ وأصحاب الأديان المختلفة عن بعضهم بعضا والفقراء عن الاغنياء‏,‏ فتحولت المؤسسة التعليمية‏(‏ المدرسة التي ينصهر فيها كل أبناء المجتمع الواحد مكونين الصداقات والمعرفة الجمعية عن بعضهم البعض‏),‏ إلي مكان يكرس للتمييز ورفض الاختلاف بسبب الدين والعقيدة والجنس‏(‏ النوع الاجتماعي‏)‏ وأيضا المستوي الاجتماعي‏,‏ فأصبحت معملا للجهل والتطرف والمغالاة‏,‏ مما يعوق حركة المواطنة في المجتمع‏.‏

أسهمت أيضا وسائل الإعلام ولفترة طويلة مقروءة ومسموعة ومرئية والكترونية في تقديم صورة نمطية معكوسة وغير حقيقية في أغلبها عن الآخر‏,‏ وعن الاختلاف‏,‏ وقامت بتهميش واستبعاد المختلفين عن الثقافة السائدة في المجتمع مما أدي إلي رفض جماعي للمختلفين أو المتحررين إلي حد كبير‏.‏ وإن كان قد ظهر في الأونة الاخيرة وعي مؤسسي ومجتمعي بهذه الاشكاليات والتحديات والتي أصبحت أحجارا صماء في مواجهة المواطنة‏,‏ وأن جهودا حكومية وأهلية تبذل لمواجهة هذا الواقع المرير إلا أنه نظرا لاستمرار هذا الواقع وهذه الحالة لفترة من الزمن فإن هذه الجهود لن تأتي بثمارها المرجوة في القريب العاجل‏,‏ وأن الأمر يحتاج إلي مثابرة وتجميع للجهود لفترة طويلة حتي نستطيع معا تغيير هذا الواقع علي أرضية المواطنة القاعدة الاساسية للدولة المدنية دولة جميع المواطنين حكاماي ومحكومين‏,‏ وكل أصحاب الديانات المختلفة‏,‏ للفقراء والأغنياء‏,‏ وللنساء والرجال‏,‏ والأطفال والشباب‏,‏ للمعاقين وكبار السن‏,‏ للمواطنين ككل بلا استثناء‏.‏

إن التأسيس للمواطنة ـ قاعدة الدولة المدنية ـ لايتأتي بقانون أو بقرار أو بجهود الحكام فقط ولا يتأتي بالصدفة ولا بتقادم الزمن‏,‏ بل يتأتي بالأحري بقناعة وإرادة وجهود المواطنين المحكومين‏.‏

نقلا عن جريدة الأهرام

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع