CET 09:14:23 - 07/11/2009

مقالات مختارة

بقلم : مفيد فوزي

إن جلست تتفرج لأنك بلغت الستين وشدتك شيشة في مقهي أو ثرثرة بلا طائل في ناد أو أدمنت النميمة وفقدت الشهية للمشاركة مع الآخرين وانضممت إلي عجايز الفرح‏,‏ فأنت قد يبست وتكلست‏,‏ وتحفر قبرك‏!‏
إن لم تحزن لأن شجرة طويلة العمر وارفة الظلال‏..‏ ذبحها مسئول محروم من نعمة الجمال‏,‏ ولم تحزن لأن وزيرا تهمه الشعبية قبل خدمة بسطاء الناس‏,‏ فأنت مغلق القلب‏,‏ سقيم الوجدان‏,‏ تكبر قبل الأوان‏!‏
إن تذكرت شهادة ميلادك وكلما مر قطار العمر‏..‏ تراجعت طموحاتك ولم تعش تجربتك وتمتطي خيول الأمل لتهزم كتائب الإحباط‏,‏ فأنت تدنو ـ عفوا ـ من لحظة الرحيل‏!‏
إن لم تحلق بجناحين وتفكر بجسارة وتركب الصعب وتحذف من قاموسك كلمة مستحيل وترنو للأفق البعيد‏,‏ داهمك اليأس‏,‏ واليأس عتبة الرحيل‏!‏
إن لم تسعفك دمعة في لحظة حزن أو نشوة في دمعة حب‏,‏ أو رعشة إحساس غامض سري في بدنك بلا مقدمات‏,‏ فقد آن الأوان أو ساعة الرحيل‏.‏ صحيح أن لكل إنسان فوق الكرة الأرضية سيناريو له بداية وله نهاية تقررها السماء‏!‏
إن لم تستغرقك أحلام غد أفضل أو مشاعر حب أرقي‏,‏ أو عذوبة نهار أحلي‏,‏ فالرحيل قد صار علي بعد خطوات منك‏,‏ وليس بالضرورة أن يكون الرحيل هو الموت‏,‏ ولكنه البصر وفقدان البصيرة في آن واحد‏!‏
إن فقدت الدهشة وهاجرت الطفولة من صدرك‏,‏ فأنت تزف نفسك للغروب ولن يستلفتك جمال زهرة أو أنوثة امرأة أو سحر لحظة الشروق وهي تخفف الندي‏!‏
إن لم تنادك ذكري حلوة أو تراكمات ألم أو أيام طفولة باقية أو خربشة حب لا مستقبل له‏,‏ فأنت محسوب ضمن‏(‏ الأموات‏)‏ برغم أنك في سجلات الحكومة من الأحياء‏!‏
إن المدهش جميل وفتح المسام والشرايين ومؤسسة الارتباط الزوجي في حياتنا تصادر الدهشة‏,‏ فيأتي الملل وشقيقه الضجر يغلقان المسام المفتوحة ويغتالان البراءة والدهشة‏!‏
إن لم تسافر في الخيال وتعانق الهذيان وتتسكع في مدن لم تزرها ودست شواطيء لم تطؤها قدماك من قبل وقابلت امرأة لفحك لهيب جمالها‏,‏ فنبع خيالك قد جف وربما أصابتك الهشاشة وضعفت مناعتك للمغامرة‏!‏
إن محوت ذاكرتك فلم تتبين الفرق بين الأمس واليوم‏,‏ ومحوت ذكرياتك متعمدا عامدا‏,‏ فأنت بلا قلب يختلج إذا هبت رياح ذكري وأنت بلا ذاكرة أو هوية‏,‏ وستذهب لمقبرة النسيان بعد قليل‏!‏
إن أتيت الروض يوما ولم تسله عن نضارة الورد ولماذا إخضرار أوراق الشجر‏,‏ ولماذا زقزقة العصافير فوق الأغصان‏,‏ فأنت تخاصم الجمال والقتامة تسكن صدرك‏,‏ وتشيع نفسك بلا دموع ندم‏!‏
إن ضقت ذرعا بالشباب وبأغاني الشباب وملابس الشباب وسينما الشباب وجنون الشباب وصرعات الشباب‏,‏ تكون قد أخذت مقعدك في مدرجات الشيخوخة والمسنين وأوجاع الظهر وتحجر العقل‏!‏
إن لم تفرح بسقوط مطر يبلل معطفك ولم تفح لموقف عز عاشه وطنك ولحظة كبرياء تصر عليها بلدك‏,‏ فلقد هاجرت من صدرك آه الإعجاب وآه الإحساس وآه الدهشة‏,‏ ولم يبق لك سوي آه الحسرة‏!‏
حين لا تري نور الشمس يسطع فوق الأسطح ولا تري ضوء القمر يلمع فوق أكتاف نساء جميلات‏,‏ وتفقد شهيتك للحياة تحت وطأة هموم ثقيلة وتشعر أن وزنك تضاعف فأنت تؤهل نفسك لتصبح خبرا في صفحة الوفيات‏!‏
إن ضخمت التوافه التي تلتقي بها في شارع الحياة واعترضت علي ناموس الصدام بين الناس لأسباب مختلفة‏,‏ وأقمت طويلا في محطة النكد‏,‏ فأنت تستدعي علي عجل أمراض الضغط والسكر وتنادي الجلطات والموت بالسكتات‏!‏
إن تصورت أن المرأة هي حائط المبكي والصدق الذي ترتمي عنده‏,‏ تكون قد أخطأت التقدير‏..‏ وإن تصورت أنها طوق النجاة من الكآبة‏,‏ تكون قد أخطأت الهدف‏,‏ وإن تصورت أنها تمنحك راحة البال ورغد العيش‏,‏ فالأمر يتوقف علي فهمك لها‏,‏ فهي ـ أي المرأة ـ جزيرة تحكمها الانقلابات‏,‏ ومصنع للشكوك والريبة يدار بسولار الهرمونات الذي يصعد بها إلي جبل الأمنيات ويهبط بها إلي سفح الواقع‏..‏ فـكن‏.....‏ كن حذرا علي حياتك من حوادث محور الفساد‏!‏
إن رفضت رياضة الافتراضات وهي سباحة العقول ضد التيار‏,‏ ورفضت رائحة الأشجار بعد المطر‏,‏ ورفضت دموع الشوق بعد الفراق‏,‏ ورفضت موسيقي الزمن الصاخب ورفضت التجارب الجديدة في الفن‏,‏ ورفضت ثمن التمرد والعصيان‏,‏ ورفضت ضريبة رأيك ورفضت عقوبة انتماءك وولائك‏,‏ فأنت تنتمي لزمان غير زماننا وتهوي الانكفاء علي الذات وتسقط من ذاكرة المجتمع‏!‏
إن أتيت الروض يوما‏,‏ اقفز فوق الأشواك وألثم زهرة التفاؤل وتعلم الدأب من ملكات النحل‏,‏ واستظل بأشجار الجسارة واستنشق عبير الحب‏..‏ الحياة والعمل والمرأة‏,‏ وخضر أرض حياتك بالتجربة وتأمل مخلوقات الله لتسجد امتنانا لمهندس هذا الكون‏.‏

نقلاًً عن : جريدة الأهرام

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع