إن أتيت الروض يوما‏!‏

بقلم : مفيد فوزي

إن جلست تتفرج لأنك بلغت الستين وشدتك شيشة في مقهي أو ثرثرة بلا طائل في ناد أو أدمنت النميمة وفقدت الشهية للمشاركة مع الآخرين وانضممت إلي عجايز الفرح‏,‏ فأنت قد يبست وتكلست‏,‏ وتحفر قبرك‏!‏
إن لم تحزن لأن شجرة طويلة العمر وارفة الظلال‏..‏ ذبحها مسئول محروم من نعمة الجمال‏,‏ ولم تحزن لأن وزيرا تهمه الشعبية قبل خدمة بسطاء الناس‏,‏ فأنت مغلق القلب‏,‏ سقيم الوجدان‏,‏ تكبر قبل الأوان‏!‏
إن تذكرت شهادة ميلادك وكلما مر قطار العمر‏..‏ تراجعت طموحاتك ولم تعش تجربتك وتمتطي خيول الأمل لتهزم كتائب الإحباط‏,‏ فأنت تدنو ـ عفوا ـ من لحظة الرحيل‏!‏
إن لم تحلق بجناحين وتفكر بجسارة وتركب الصعب وتحذف من قاموسك كلمة مستحيل وترنو للأفق البعيد‏,‏ داهمك اليأس‏,‏ واليأس عتبة الرحيل‏!‏
إن لم تسعفك دمعة في لحظة حزن أو نشوة في دمعة حب‏,‏ أو رعشة إحساس غامض سري في بدنك بلا مقدمات‏,‏ فقد آن الأوان أو ساعة الرحيل‏.‏ صحيح أن لكل إنسان فوق الكرة الأرضية سيناريو له بداية وله نهاية تقررها السماء‏!‏
إن لم تستغرقك أحلام غد أفضل أو مشاعر حب أرقي‏,‏ أو عذوبة نهار أحلي‏,‏ فالرحيل قد صار علي بعد خطوات منك‏,‏ وليس بالضرورة أن يكون الرحيل هو الموت‏,‏ ولكنه البصر وفقدان البصيرة في آن واحد‏!‏
إن فقدت الدهشة وهاجرت الطفولة من صدرك‏,‏ فأنت تزف نفسك للغروب ولن يستلفتك جمال زهرة أو أنوثة امرأة أو سحر لحظة الشروق وهي تخفف الندي‏!‏
إن لم تنادك ذكري حلوة أو تراكمات ألم أو أيام طفولة باقية أو خربشة حب لا مستقبل له‏,‏ فأنت محسوب ضمن‏(‏ الأموات‏)‏ برغم أنك في سجلات الحكومة من الأحياء‏!‏
إن المدهش جميل وفتح المسام والشرايين ومؤسسة الارتباط الزوجي في حياتنا تصادر الدهشة‏,‏ فيأتي الملل وشقيقه الضجر يغلقان المسام المفتوحة ويغتالان البراءة والدهشة‏!‏
إن لم تسافر في الخيال وتعانق الهذيان وتتسكع في مدن لم تزرها ودست شواطيء لم تطؤها قدماك من قبل وقابلت امرأة لفحك لهيب جمالها‏,‏ فنبع خيالك قد جف وربما أصابتك الهشاشة وضعفت مناعتك للمغامرة‏!‏
إن محوت ذاكرتك فلم تتبين الفرق بين الأمس واليوم‏,‏ ومحوت ذكرياتك متعمدا عامدا‏,‏ فأنت بلا قلب يختلج إذا هبت رياح ذكري وأنت بلا ذاكرة أو هوية‏,‏ وستذهب لمقبرة النسيان بعد قليل‏!‏
إن أتيت الروض يوما ولم تسله عن نضارة الورد ولماذا إخضرار أوراق الشجر‏,‏ ولماذا زقزقة العصافير فوق الأغصان‏,‏ فأنت تخاصم الجمال والقتامة تسكن صدرك‏,‏ وتشيع نفسك بلا دموع ندم‏!‏
إن ضقت ذرعا بالشباب وبأغاني الشباب وملابس الشباب وسينما الشباب وجنون الشباب وصرعات الشباب‏,‏ تكون قد أخذت مقعدك في مدرجات الشيخوخة والمسنين وأوجاع الظهر وتحجر العقل‏!‏
إن لم تفرح بسقوط مطر يبلل معطفك ولم تفح لموقف عز عاشه وطنك ولحظة كبرياء تصر عليها بلدك‏,‏ فلقد هاجرت من صدرك آه الإعجاب وآه الإحساس وآه الدهشة‏,‏ ولم يبق لك سوي آه الحسرة‏!‏
حين لا تري نور الشمس يسطع فوق الأسطح ولا تري ضوء القمر يلمع فوق أكتاف نساء جميلات‏,‏ وتفقد شهيتك للحياة تحت وطأة هموم ثقيلة وتشعر أن وزنك تضاعف فأنت تؤهل نفسك لتصبح خبرا في صفحة الوفيات‏!‏
إن ضخمت التوافه التي تلتقي بها في شارع الحياة واعترضت علي ناموس الصدام بين الناس لأسباب مختلفة‏,‏ وأقمت طويلا في محطة النكد‏,‏ فأنت تستدعي علي عجل أمراض الضغط والسكر وتنادي الجلطات والموت بالسكتات‏!‏
إن تصورت أن المرأة هي حائط المبكي والصدق الذي ترتمي عنده‏,‏ تكون قد أخطأت التقدير‏..‏ وإن تصورت أنها طوق النجاة من الكآبة‏,‏ تكون قد أخطأت الهدف‏,‏ وإن تصورت أنها تمنحك راحة البال ورغد العيش‏,‏ فالأمر يتوقف علي فهمك لها‏,‏ فهي ـ أي المرأة ـ جزيرة تحكمها الانقلابات‏,‏ ومصنع للشكوك والريبة يدار بسولار الهرمونات الذي يصعد بها إلي جبل الأمنيات ويهبط بها إلي سفح الواقع‏..‏ فـكن‏.....‏ كن حذرا علي حياتك من حوادث محور الفساد‏!‏
إن رفضت رياضة الافتراضات وهي سباحة العقول ضد التيار‏,‏ ورفضت رائحة الأشجار بعد المطر‏,‏ ورفضت دموع الشوق بعد الفراق‏,‏ ورفضت موسيقي الزمن الصاخب ورفضت التجارب الجديدة في الفن‏,‏ ورفضت ثمن التمرد والعصيان‏,‏ ورفضت ضريبة رأيك ورفضت عقوبة انتماءك وولائك‏,‏ فأنت تنتمي لزمان غير زماننا وتهوي الانكفاء علي الذات وتسقط من ذاكرة المجتمع‏!‏
إن أتيت الروض يوما‏,‏ اقفز فوق الأشواك وألثم زهرة التفاؤل وتعلم الدأب من ملكات النحل‏,‏ واستظل بأشجار الجسارة واستنشق عبير الحب‏..‏ الحياة والعمل والمرأة‏,‏ وخضر أرض حياتك بالتجربة وتأمل مخلوقات الله لتسجد امتنانا لمهندس هذا الكون‏.‏

نقلاًً عن : جريدة الأهرام

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع