CET 10:20:51 - 27/10/2009

مقالات مختارة

بقلم: قاسم عبده قاسم

كثر الحديث عن أزمة التعليم في مصر،‮ ‬وهو حديث له ما‮ ‬يبرره علي أية حال‮ ‬،‭ ‬وتناولت الكتابات التي تراوحت ما بين المقال الصحفي والدراسة الأكاديمية الفاحصة كافة الجوانب المتعلقة بالتعليم‮. ‬ولاتزال الكتابات والدراسات تتوالي علي الرغم من عدم الاستجابة الحكومية في معظم الأحيان،‮ ‬أو الاستجابة المظهرية في بعض الأحيان‮ . ‬وإذا كانت الجامعات تمثل قمة الهرم التعليمي‮ ‬،‭ ‬فإن ما أصاب التعليم الثانوي والابتدائي قد أصابها بالضرورة‮ . ‬بيد أن هناك عوامل إضافية أسهمت في تفاقم أزمة الجامعات المصرية خاصة بها وليست موجودة ضمن العوامل التي تتسبب في تدهور التعليم قبل الجامعي‮ . ‬صحيح أن المستوي المتدني الذي‮ ‬ينتجه التعليم ما قبل الجامعي‮ ‬،‭ ‬والذي‮ ‬يدخل به من‮ ‬يحملون الثانوية العامة إلي الجامعة‮ ‬يؤدي حتما إلي تدهور الناتج الجامعي في نهاية الأمر ؛ ولكن هناك من عوامل التدهور ماهو خاص بالجامعات وحدها‮ .‬ ويمكن أن نجمل العوامل التي تتسبب في تعثر الجامعات المصرية في عدة عوامل رئيسية ؛ مع الأخذ في الاعتبار ما‮ ‬يتعلق بها من عوامل فرعية‮ :

‬ ‮ ‬أولا‮ : ‬أعضاء هيئة التدريس‮ ‬ ‮ " ‬لا جامعات بدون هيئة تدريس‮ " ‬هذه بديهية لا تحتاج إلي إيضاح ؛ ولكن ما مواصفات عضو هيئة التدريس الذي‮ ‬يجب أن‮ ‬ينتمي للجامعة؟‮ ‬ينبغي أن‮ ‬يكون عضو هيئة التدريس في الجامعة مؤهلا من خلال الإعداد الجيد قبل الانضمام للجامعة وفي فترة الدراسات العليا التي‮ ‬يجب تطويرها بشكل جذري لمنع التساهل الذي‮ ‬يحدث الآن لأسباب كثيرة وبالشكل الذي‮ ‬ينتج بعض حملة الدكتوراه الذين‮ ‬يثير مستواهم الأسي والرثاء‮. ‬وبعد ذلك‮ ‬يجب أن‮ ‬يواصل عضو هيئة التدريس البحث ومتابعة الجديد في تخصصه‮ . ‬وهنا‮ ‬يجب أن توفر الجامعة له المال اللازم للقيام بهذه المسئولية من ناحية‮ ‬،‭ ‬وأن توفر له الراتب الذي‮ ‬يغنيه عن البحث عن موارد أخري لتلبية متطلبات حياته‮ .‬ إن الجانب المادي في حياة عضو هيئة التدريس‮ ‬،‭ ‬كما هو في حياة أي إنسان آخر‮ ‬،‭ ‬مهم وجوهري‮ . ‬ومن ثم فإن المرتبات المضحكة‮ ( ‬ولكنه ضحك كالبكاء‮) ‬التي‮ ‬يتناولها عضو هيئة التدريس تمثل سببا جوهريا من أسباب تدني مستوي أعضاء هيئة التدريس في الجامعات المصرية‮ . ‬وأظن أن أساتذة الجامعات‮ ‬يؤدون دورا لا‮ ‬يقل أهمية‮ ‬،‭ ‬إن لم‮ ‬يكن‮ ‬يزيد‮ ‬،‭ ‬علي‮ ‬الدور الذي تقوم به فئات أخري في المجتمع نحترمها ونقدر دورها ونري أنها تستحق ما هو أكثر ؛ ولكننا نطلب حقا لا حسنة مشروطة مثلما فعل وزير التعليم العالي بزملائه‮.‬ ‮ ‬

ثانيا‮ : ‬الإدارة الجامعية‮ ‬ قبل أن‮ ‬يقوم الدكتور حسين كامل بهاء الدين بتعديل أسلوب تعيين العمداء في الكليات الجامعية‮ ‬،‭ ‬كان هناك قدر من الديمقراطية في الجامعة ؛ بل كنا نطالب بانتخاب رئيس الجامعة‮ . ‬ولكن التعيين أفرز نوعية من العمداء‮ ‬يطلبون ود من‮ ‬يعتقدون أن بيدهم التعيين والخلع‮ . ‬ومن الطبيعي أن‮ ‬يكون هذا الود والغرام علي حساب القيم الجامعية وعلي حساب العمل الأكاديمي‮ ‬في‮ ‬غالب الأحوال‮ . ‬هناك عدد من العمداء في الكليات‮ ‬يغازلون الإدارة‮ ‬،‭ ‬ويغازلون الأمن الذي تلعب تقاريره دورا محوريا في تعيينهم بشكل‮ ‬يحمل من التأثيرات السلبية ما‮ ‬ينخر في جسد الجامعة بشكل مستمر‮ . ‬أما علي مستوي رؤساء الجامعة فإن الحكومة تتولي تعيينهم‮ ‬،‭ ‬وغالبا ما‮ ‬يكون ذلك لاعتبارات الولاء وتنفيذ سياسات الحكومة دون مناقشة‮ . ‬وغالبا ما‮ ‬يقوم هؤلاء الرؤساء بإدارة الجامعة وكأنها إحدي‮ ‬المصالح الحكومية التقليدية‮ ‬،‭ ‬وبمنطق‮ ‬يجافي التقاليد الجامعية التي كانت راسخة إلي زمن قريب‮ .‬ ‮ ‬

ثالثا‮ : ‬التجهيزات والمكتبات والمعامل‮ ‬ ‮ ‬هل تصدق أن ميزانية المكتبة في بعض كليات الآداب لاتتجاوز عشرة آلاف جنيه ؟ وهل تعلم أن الطلاب في عدد كبير من الكليات لا‮ ‬يجدون أماكن‮ ‬يجلسون بها ؟ وهل تتصور أن المعامل في بعض الكليات‮ ‬غيرمجهزة‮ ‬بما هو ضروري ؟ إن الميزانيات المخصصة لمتطلبات العملية التعليمية في الجامعة تحتاج إلي إعادة نظر جادة ولابد من الاهتمام الكامل بهذه الأمور بدلا من التركيز علي الشكل الخارجي للجامعة‮ . ‬فالمدرجات تحتاج إلي تجهيزات صوتية وبصرية‮ ‬،‭ ‬والمكتبات تحتاج إلي كتب‮ ‬،‭ ‬والمعامل تحتاج إلي أجهزة‮ ‬،‭ ‬والطلبة‮ ‬يحتاجون إلي أماكن مريحة ومحترمة‮ ‬يتلقون فيها دروسهم‮ …… ‬ومع ذلك تنفق الأموال علي شيء هزلي‮ ‬غامض‮ ‬يطلقون عليه اسم‮ "‬الجودة‮ " ‬جودة ماذا ؟ جودة من ؟ الله أعلم‮ . ‬ هذه هي المشكلات الأساسية التي تواجه الجامعات المصرية ؛ والكلام في تفاصيلها‮ ‬يحتاج كثيرا من الوقت ومن الجهد‮ : ‬ويبدو أن هذه المشكلات‮ ‬غير كافية لأن الجامعات الخاصة من كل لون وبكل لغة أضافت المزيد من الأعباء والمشكلات الي سلة المتاعب التي تثقل كاهل التعليم الجامعي في مصر‮. ‬

لقد وجد بعض المستثمرين الذين أفرزتهم الظروف الحالية في التعليم الجامعي فرصة للربح تنافس الفرص التي توفرها الاستثمارات في الأراضي وغيرها ؛ من خلال توفير فرص التعليم الجامعي لمن‮ ‬يستطيعون الدفع‮ . ‬ولكن هذا التعليم الخاص لم‮ ‬يقدم حلا وإنما أضاف مشكلة بسبب نوعيته ومدي صلاحيته لتخريج مواطن‮ ‬يلبي حاجات سوق العمل المحلية‮ . ‬وإذا كانت آفة التعليم في الجامعات الحكومية تتمثل في إعداد هيئة التدريس‮ ‬،‭ ‬وسوء الإدارة‮ ‬،‭ ‬ونقص الموارد‮ ‬،‭ ‬وفقر الإمكانيات‮ ‬،‭ ‬وتدخل الأجهزة الأمنية ؛ فإن آفة التعليم الخاص‮ ‬يسعي للربح هدفا أولا وجوهريا‮ ‬،‭ ‬كما أن كوادره من أعضاء هيئة التدريس فقيرة لدرجة تقارب العدم‮ . ‬وتعتمد الجامعات الخاصة بشكل كبير علي كوادر الجامعات الحكومية في التدريس وما‮ ‬يتعلق بالعملية التعليمية‮.‬ ‮ ‬ولكن مشكلة الجامعات ليست مسئولية وزارة التعليم العالي‮ ‬،كما أن مشكلة التعليم ما قبل الجامعي ليست مسئولية وزارة التربية والتعليم،‭ ‬وحدها‮. ‬إنها مشكلة المجتمع بأسره‮ ‬،‭ ‬وهي مشكلة سببها أن الحكومة انفردت طوال السنين الماضية بتقرير السياسة التعليمية،‮ ‬وتعيين من‮ ‬يقومون علي تنفيذها‮ ‬،‭ ‬وتحديد ميزانيتها،‭ ‬وما إلي ذلك من أمور‮ . ‬ولما كانت الحكومة قد جاءت إلي الحكم بغير طريق الديمقراطية‮ ‬،‭ ‬ومن ثم لاتخضع للمراقبة والحساب من جانب الناخبين‮ ‬،‭ ‬فإن الوزراء الذين تولوا المسئولية كانوا‮ ‬يتطلعون دائما لإرضاء الذي عينهم في منصبهم ولا‮ ‬يهمهم الشعب لأنه لم‮ ‬ينتخبهم ولا‮ ‬يملك حسابهم‮ .‬ إن التعليم مسألة تهم الناس جميعا ؛ لأنها ببساطة مسألة المستقبل والحاضر‮ ‬،‭ ‬ولأنها مفتاح كل تقدم في هذه البلاد فلا‮ ‬يجب أن نتركها للحكومة وحدها‮ . ‬وأظن أن المسألة تستحق الدعوة إلي مؤتمر قومي لوضع الحلول المناسبة لمشكلات التعليم‮ . ‬

وإذا كانت الحالة السياسية المتردية في البلاد وغموض مستقبلها السياسي قد دفع البعض إلي المطالبة بعقد مثل هذا المؤتمر؛ وهم علي حق تماما في هذه القضية‮ ‬،‭ ‬فإن التعليم لايستحق ما هو أقل من هذا‮.‬ ‮ ‬ العلم نور‮….. ‬هل‮ ‬يعلمون

نقلا عن الوفد

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع