أزمة الجامعات المصرية

بقلم: قاسم عبده قاسم

كثر الحديث عن أزمة التعليم في مصر،‮ ‬وهو حديث له ما‮ ‬يبرره علي أية حال‮ ‬،‭ ‬وتناولت الكتابات التي تراوحت ما بين المقال الصحفي والدراسة الأكاديمية الفاحصة كافة الجوانب المتعلقة بالتعليم‮. ‬ولاتزال الكتابات والدراسات تتوالي علي الرغم من عدم الاستجابة الحكومية في معظم الأحيان،‮ ‬أو الاستجابة المظهرية في بعض الأحيان‮ . ‬وإذا كانت الجامعات تمثل قمة الهرم التعليمي‮ ‬،‭ ‬فإن ما أصاب التعليم الثانوي والابتدائي قد أصابها بالضرورة‮ . ‬بيد أن هناك عوامل إضافية أسهمت في تفاقم أزمة الجامعات المصرية خاصة بها وليست موجودة ضمن العوامل التي تتسبب في تدهور التعليم قبل الجامعي‮ . ‬صحيح أن المستوي المتدني الذي‮ ‬ينتجه التعليم ما قبل الجامعي‮ ‬،‭ ‬والذي‮ ‬يدخل به من‮ ‬يحملون الثانوية العامة إلي الجامعة‮ ‬يؤدي حتما إلي تدهور الناتج الجامعي في نهاية الأمر ؛ ولكن هناك من عوامل التدهور ماهو خاص بالجامعات وحدها‮ .‬ ويمكن أن نجمل العوامل التي تتسبب في تعثر الجامعات المصرية في عدة عوامل رئيسية ؛ مع الأخذ في الاعتبار ما‮ ‬يتعلق بها من عوامل فرعية‮ :

‬ ‮ ‬أولا‮ : ‬أعضاء هيئة التدريس‮ ‬ ‮ " ‬لا جامعات بدون هيئة تدريس‮ " ‬هذه بديهية لا تحتاج إلي إيضاح ؛ ولكن ما مواصفات عضو هيئة التدريس الذي‮ ‬يجب أن‮ ‬ينتمي للجامعة؟‮ ‬ينبغي أن‮ ‬يكون عضو هيئة التدريس في الجامعة مؤهلا من خلال الإعداد الجيد قبل الانضمام للجامعة وفي فترة الدراسات العليا التي‮ ‬يجب تطويرها بشكل جذري لمنع التساهل الذي‮ ‬يحدث الآن لأسباب كثيرة وبالشكل الذي‮ ‬ينتج بعض حملة الدكتوراه الذين‮ ‬يثير مستواهم الأسي والرثاء‮. ‬وبعد ذلك‮ ‬يجب أن‮ ‬يواصل عضو هيئة التدريس البحث ومتابعة الجديد في تخصصه‮ . ‬وهنا‮ ‬يجب أن توفر الجامعة له المال اللازم للقيام بهذه المسئولية من ناحية‮ ‬،‭ ‬وأن توفر له الراتب الذي‮ ‬يغنيه عن البحث عن موارد أخري لتلبية متطلبات حياته‮ .‬ إن الجانب المادي في حياة عضو هيئة التدريس‮ ‬،‭ ‬كما هو في حياة أي إنسان آخر‮ ‬،‭ ‬مهم وجوهري‮ . ‬ومن ثم فإن المرتبات المضحكة‮ ( ‬ولكنه ضحك كالبكاء‮) ‬التي‮ ‬يتناولها عضو هيئة التدريس تمثل سببا جوهريا من أسباب تدني مستوي أعضاء هيئة التدريس في الجامعات المصرية‮ . ‬وأظن أن أساتذة الجامعات‮ ‬يؤدون دورا لا‮ ‬يقل أهمية‮ ‬،‭ ‬إن لم‮ ‬يكن‮ ‬يزيد‮ ‬،‭ ‬علي‮ ‬الدور الذي تقوم به فئات أخري في المجتمع نحترمها ونقدر دورها ونري أنها تستحق ما هو أكثر ؛ ولكننا نطلب حقا لا حسنة مشروطة مثلما فعل وزير التعليم العالي بزملائه‮.‬ ‮ ‬

ثانيا‮ : ‬الإدارة الجامعية‮ ‬ قبل أن‮ ‬يقوم الدكتور حسين كامل بهاء الدين بتعديل أسلوب تعيين العمداء في الكليات الجامعية‮ ‬،‭ ‬كان هناك قدر من الديمقراطية في الجامعة ؛ بل كنا نطالب بانتخاب رئيس الجامعة‮ . ‬ولكن التعيين أفرز نوعية من العمداء‮ ‬يطلبون ود من‮ ‬يعتقدون أن بيدهم التعيين والخلع‮ . ‬ومن الطبيعي أن‮ ‬يكون هذا الود والغرام علي حساب القيم الجامعية وعلي حساب العمل الأكاديمي‮ ‬في‮ ‬غالب الأحوال‮ . ‬هناك عدد من العمداء في الكليات‮ ‬يغازلون الإدارة‮ ‬،‭ ‬ويغازلون الأمن الذي تلعب تقاريره دورا محوريا في تعيينهم بشكل‮ ‬يحمل من التأثيرات السلبية ما‮ ‬ينخر في جسد الجامعة بشكل مستمر‮ . ‬أما علي مستوي رؤساء الجامعة فإن الحكومة تتولي تعيينهم‮ ‬،‭ ‬وغالبا ما‮ ‬يكون ذلك لاعتبارات الولاء وتنفيذ سياسات الحكومة دون مناقشة‮ . ‬وغالبا ما‮ ‬يقوم هؤلاء الرؤساء بإدارة الجامعة وكأنها إحدي‮ ‬المصالح الحكومية التقليدية‮ ‬،‭ ‬وبمنطق‮ ‬يجافي التقاليد الجامعية التي كانت راسخة إلي زمن قريب‮ .‬ ‮ ‬

ثالثا‮ : ‬التجهيزات والمكتبات والمعامل‮ ‬ ‮ ‬هل تصدق أن ميزانية المكتبة في بعض كليات الآداب لاتتجاوز عشرة آلاف جنيه ؟ وهل تعلم أن الطلاب في عدد كبير من الكليات لا‮ ‬يجدون أماكن‮ ‬يجلسون بها ؟ وهل تتصور أن المعامل في بعض الكليات‮ ‬غيرمجهزة‮ ‬بما هو ضروري ؟ إن الميزانيات المخصصة لمتطلبات العملية التعليمية في الجامعة تحتاج إلي إعادة نظر جادة ولابد من الاهتمام الكامل بهذه الأمور بدلا من التركيز علي الشكل الخارجي للجامعة‮ . ‬فالمدرجات تحتاج إلي تجهيزات صوتية وبصرية‮ ‬،‭ ‬والمكتبات تحتاج إلي كتب‮ ‬،‭ ‬والمعامل تحتاج إلي أجهزة‮ ‬،‭ ‬والطلبة‮ ‬يحتاجون إلي أماكن مريحة ومحترمة‮ ‬يتلقون فيها دروسهم‮ …… ‬ومع ذلك تنفق الأموال علي شيء هزلي‮ ‬غامض‮ ‬يطلقون عليه اسم‮ "‬الجودة‮ " ‬جودة ماذا ؟ جودة من ؟ الله أعلم‮ . ‬ هذه هي المشكلات الأساسية التي تواجه الجامعات المصرية ؛ والكلام في تفاصيلها‮ ‬يحتاج كثيرا من الوقت ومن الجهد‮ : ‬ويبدو أن هذه المشكلات‮ ‬غير كافية لأن الجامعات الخاصة من كل لون وبكل لغة أضافت المزيد من الأعباء والمشكلات الي سلة المتاعب التي تثقل كاهل التعليم الجامعي في مصر‮. ‬

لقد وجد بعض المستثمرين الذين أفرزتهم الظروف الحالية في التعليم الجامعي فرصة للربح تنافس الفرص التي توفرها الاستثمارات في الأراضي وغيرها ؛ من خلال توفير فرص التعليم الجامعي لمن‮ ‬يستطيعون الدفع‮ . ‬ولكن هذا التعليم الخاص لم‮ ‬يقدم حلا وإنما أضاف مشكلة بسبب نوعيته ومدي صلاحيته لتخريج مواطن‮ ‬يلبي حاجات سوق العمل المحلية‮ . ‬وإذا كانت آفة التعليم في الجامعات الحكومية تتمثل في إعداد هيئة التدريس‮ ‬،‭ ‬وسوء الإدارة‮ ‬،‭ ‬ونقص الموارد‮ ‬،‭ ‬وفقر الإمكانيات‮ ‬،‭ ‬وتدخل الأجهزة الأمنية ؛ فإن آفة التعليم الخاص‮ ‬يسعي للربح هدفا أولا وجوهريا‮ ‬،‭ ‬كما أن كوادره من أعضاء هيئة التدريس فقيرة لدرجة تقارب العدم‮ . ‬وتعتمد الجامعات الخاصة بشكل كبير علي كوادر الجامعات الحكومية في التدريس وما‮ ‬يتعلق بالعملية التعليمية‮.‬ ‮ ‬ولكن مشكلة الجامعات ليست مسئولية وزارة التعليم العالي‮ ‬،كما أن مشكلة التعليم ما قبل الجامعي ليست مسئولية وزارة التربية والتعليم،‭ ‬وحدها‮. ‬إنها مشكلة المجتمع بأسره‮ ‬،‭ ‬وهي مشكلة سببها أن الحكومة انفردت طوال السنين الماضية بتقرير السياسة التعليمية،‮ ‬وتعيين من‮ ‬يقومون علي تنفيذها‮ ‬،‭ ‬وتحديد ميزانيتها،‭ ‬وما إلي ذلك من أمور‮ . ‬ولما كانت الحكومة قد جاءت إلي الحكم بغير طريق الديمقراطية‮ ‬،‭ ‬ومن ثم لاتخضع للمراقبة والحساب من جانب الناخبين‮ ‬،‭ ‬فإن الوزراء الذين تولوا المسئولية كانوا‮ ‬يتطلعون دائما لإرضاء الذي عينهم في منصبهم ولا‮ ‬يهمهم الشعب لأنه لم‮ ‬ينتخبهم ولا‮ ‬يملك حسابهم‮ .‬ إن التعليم مسألة تهم الناس جميعا ؛ لأنها ببساطة مسألة المستقبل والحاضر‮ ‬،‭ ‬ولأنها مفتاح كل تقدم في هذه البلاد فلا‮ ‬يجب أن نتركها للحكومة وحدها‮ . ‬وأظن أن المسألة تستحق الدعوة إلي مؤتمر قومي لوضع الحلول المناسبة لمشكلات التعليم‮ . ‬

وإذا كانت الحالة السياسية المتردية في البلاد وغموض مستقبلها السياسي قد دفع البعض إلي المطالبة بعقد مثل هذا المؤتمر؛ وهم علي حق تماما في هذه القضية‮ ‬،‭ ‬فإن التعليم لايستحق ما هو أقل من هذا‮.‬ ‮ ‬ العلم نور‮….. ‬هل‮ ‬يعلمون

نقلا عن الوفد

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع