CET 09:18:44 - 18/09/2009

مقالات مختارة

بقلم: مصطفى الطويل

نحن،‮ ‬ما لم نكن قد تخلفنا كثيراً‮ ‬جداً‮ ‬جداً‮ ‬عن ركب الحضارة والتقدم،‮ ‬فعلي أكثر تقدير،‮ ‬فإن تقدمنا في بعض مناحي الحياة،‮ ‬هو تماماً‮ ‬أشبه بتقدم السحلفاة علي طريق الألف ميل،‮ ‬كما قال الزعيم الصيني ماوتسي تونج،‮ ‬الذي بالفعل قطع مشوار التقدم ذات الألف ميل،‮ ‬وأصبحت الصين الآن هي الغازية للعالم كله بإنتاجها بما فيه أمريكا وأوروبا‮.‬
أقول هذا بمناسبة أنني كنت في جولة خليجية،‮ ‬التي‮ ‬غبت عنها ما يقرب من ثلاثين عاماً‮ ‬باستثناء المملكة السعودية التي أزورها دوماً‮ ‬لقضاء الفرائض،‮ ‬فمنذ ثلاثين عاماً‮ ‬لم أزر‮ ‬كلاً‮ ‬من الكويت وقطر ودبي،‮ ‬وقد زرتها جميعاً‮ ‬من فترة وجيزة،‮ ‬فوجدت تقدماً‮ ‬كبيراً‮ ‬جداً‮ ‬تم إحرازه في كل شيء،‮ ‬الطرق الممتدة الواسعة،‮ ‬المباني الشاهقة والمنتسقة والجميلة،‮ ‬النظافة في كل مكان،‮ ‬الأشجار والورود تملأ الشوارع،‮ ‬احترام قوانين المرور،‮ ‬آداب التعامل بين الناس،‮ ‬لا تزاحم ولا تشاجر ولا صياح ولا قذارة،‮ ‬صحيح هناك زحام كثير للسيارات،‮ ‬خاصة وقت الذروة،‮ ‬ولكن هذا لأن جميع الناس هناك مستواهم المادي مرتفع ويسمح بشراء السيارات،‮ ‬خاصة أن السيارات المستعملة قيمتها ضئيلة جداً‮ ‬تسمح لأي عامل بشرائها بسهولة،‮ ‬ومن هنا،‮ ‬كان الزحام شديداً‮ ‬للسيارات لأنه ليس هناك أحد يترجل،‮ ‬إلي حد أن امارة دبي أصدرت قراراً‮ ‬بمنع تجديد ترخيص أي سيارة مضي علي إنتاجها أكثر من عشرين عاماً،‮ ‬أملاً‮ ‬في الحد من عدد السيارات التي تملأ الشوارع،‮ ‬ولكن ليس في هذه البلاد مشكلة لانتظار السيارات،‮ ‬لأن الجراجات وأماكن الانتظار متوفرة في كل مكان‮.‬
ويا ليت التقدم الذي شاهدته كان مقصوراً‮ ‬علي الشوارع والمباني والنظافة والنظام،‮ ‬ولكن الأهم من ذلك،‮ ‬أن هناك تقدماً‮ ‬إنسانياً‮ ‬واجتماعياً‮ ‬قفز قفزة كبيرة،‮ ‬فهناك حقوق للمرأة وهناك ديمقراطية لا بأس بها خاصة نزاهة الانتخابات،‮ ‬الحرية مكفولة لأغلب المقيمين خاصة المواطنين منهم،‮ ‬فالتقدم الذي لاحظته عن فترة الثلاثين عاماً‮ ‬الماضية شاملاً‮ ‬لكل شيء وأصبحت هذه الدولة أشبه بالدول الأوروبية من نواح عديدة،‮ ‬ولولا حرارة الجو،‮ ‬لكانت هذه الدول أفضل بكثير من الدول الأوروبية وبالمقارنة عن تقدمنا نحن في الثلاثين أو الأربعين عاماً‮ ‬الماضية،‮ ‬فنحن نتقدم بالفعل،‮ ‬ولكن تقدمنا هذا أشبه بتقدم السلحفاة،‮ ‬مقارنة بتقدم دول الخليج،‮ ‬صحيح أن الله سبحانه وتعالي أنعم عليهم بثروة طائلة نتيجة عائد البترول المرتفع،‮ ‬ولكن هناك أموراً‮ ‬تم التقدم فيها لا شأن لها بالثراء،‮ ‬وعلي سبيل المثال،‮ ‬فهناك النظافة،‮ ‬والنظام،‮ ‬وآداب التعامل مع الناس،‮ ‬التقدم الديمقراطي المهول،‮ ‬حقوق الإنسان مكفولة،‮ ‬كل هذه الأمور وغيرها لا شأن لها علي الإطلاق بالثراء،‮ ‬فهذا التقدم الشامل الكامل عائد إلي القدوة الحسنة وحب أولي الأمر في هذه البلاد لشعوبهم وأوطانهم‮.‬
أما نحن فلا أحد يهتم بشئون البلاد ومستقبل الشعب،‮ ‬ولكن الاهتمام الأول والأخير لأغلب العاملين في الدولة،‮ ‬هو الحفاظ علي الكرسي وكيف يستمر فيه لأطول مدة ممكنة،‮ ‬لقد تخلفنا كثيراً‮ ‬عن دول كنا نحن الذين نعلم أبناءها ونمد يد المساعدة لها،‮ ‬ولكن مع الأسف الشديد،‮ ‬بلانا الله بعهد الظلام الأسود،‮ ‬الذي أضاعة كل ثرواتنا هباءً،‮ ‬طمعاً‮ ‬في زعامة زائفة وقومية وهمية،‮ ‬ودخلنا في العديد من الحروب والثورات التي ابتلعت أموالنا وثرواتنا،‮ ‬وها نحن،‮ ‬تزايدت ديوننا وأصبحنا مدينين لأغلب دول العالم بعد أن كنا دائنين لهم،‮ ‬ويا ليت البلاء كان مقصوراً‮ ‬علي ضياع ثرواتنا وأموالنا،‮ ‬ولكن الأهم،‮ ‬أن ضاعت أخلاقنا،‮ ‬وفسدت ذمتنا،‮ ‬وأصبح الفساد شاملاً‮ ‬لكل شيء،‮ ‬وانعدم الضمير،‮ ‬وأصبح أغلبنا يعمل بالمقولة السائدة‮: ‬أنا ومن بعدي الطوفان‮.‬
هذه هي الحقيقة أغلب دول العالم سواء أكانت‮ ‬غنية بثرواتها أم فقيرة مادية،‮ ‬إلا أن التقدم أصبح شاملاً‮ ‬كاملاً‮ ‬لا يفرق بين الغني والفقير،‮ ‬فها هي الهند التي كانت من أفقر دول العالم وها هي ماليزيا التي كانت هي الأخري من أشد دول العالم فقراً،‮ ‬وكذا أغلب دول آسيا وجنوب أمريكا،‮ ‬كل هذه الدول كانت فقيرة جداً،‮ ‬ورغم هذا الفقر،‮ ‬استطاعت بسواعد أبنائها وإيمان قاداتها بشعوبهم ووطنهم،أن يقفزوا إلي الصفوف الأولي من بلاد العالم،‮ ‬أما نحن فإن لم نكن نتقهقر،‮ ‬فإننا نتقدم تقدم السحلفاة‮.‬

نقلا عن جريدة الوفد

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع