بقلم: نسيم مجلي وعند الإحساس بالعجز تكتمل دائرة المأساة التي يعيشها الوطن في ظل نظام قمعي عاجز وإرهاب ديني أسود متحالف مع السلطة، إنه كتاب مثير للأوجاع فلنقرأه ونتألم لعل الألم يطهرنا من اللا مبالاة والسلبية ويشحذ همتنا من أجل عمل مفيد. فالجزء الأكبر من كتابها تشغله مقالات قصيرة ومتوسطة ودون أن تسهب في سرد المعلومات أو التفاصيل، فإنها تقدم ومضات تستوقفك أمام التناقض في ما ترى وما تسمع مثل رسام الكاريكاتير الموهوب الذي يلخص لك أعقد المشاكل وأخطرها في بضعة خطوط بسيطة حادة كمقالها "إذاً فما جدوى الاحتفال بذكراهم"؟! التي تشير فيه إلى ظاهرة يمكن أن نطلق عليها انفصام الشخصية أو ازدواجية العقلية المصرية التي تقول شيئاً وتفعل شيئاً آخر. و المؤسسات التي تتغنى بعظمة بيرم وأم كلثوم والسنباطى تقف متفرجة تشارك الأجيال الصاعدة في التهليل لأصوات نشاز نردد كلمات مسفة على خلفية من ضوضاء مزعجة، والجهات التي تتفاخر بالإعجاز المعماري للمصري القديم وبإبداعات مختار والسجيني تغمض الطرف عن نماذج القبح المسماة بالتماثيل المغروسة في كل ميدان؟ وعما أصاب الأقباط تقول الدكتورة ليلى إن التدهور قد شمل المصريين جميعاً لكن تأثيره على الأقباط كان أشد فداحة بحيث أصبحوا يحتلون مكاناً بارزاً في قائمة أسوأ أمثلة الملق والنفاق الرخيص، لكنها تستدرك أن هناك استثناءات، نفوس منيعة لا يمكن شراؤها عقول موزونة لا تنساق وراء الأفكار السقيمة، قامات شامخة لا تنحني ولا تتذلل وهؤلاء كما تقول الكاتبة هم ملح الأرض والسراج المضيء في الظلمة. ثم تتساءل بسخرية "لماذا أصبح الأقباط" لقطة لكل صحفي مرتزق أو مذيع سمج يرغب في أن يجري حديثاً تافهاً أو يقدم برنامجاً سقيماً. ثم تعيب عليهم وهم يحتلون أرفع المناصب في مجتمعات تحركها نظم الإدارة الحديثة والعمل الجماعي ومبادئ الديمقراطية، إنهم يشتتون طاقاتهم في معارك جانبية وفي خصومات تضعف من قضيتهم العادلة وتسألهم فلماذا لا تطبقون منظومة المبادئ التي تعيشون في ظلها والمهارات التي تمارسونها كل يوم على عملكم المشترك؟ فقد أحست الدكتورة بالصدمة مما كتبه الدكتور خالد منتصر "أشعار درويش وقباني أكثر خلوداً من أشعار البابا شنوده" ومبعث الصدمة أنها كانت تظن أن الدكتور خالد من الشخصيات التي أصبحت نادرة في مجتمعاتنا، فمقاله يتعمد الإساءة إلى قداسة البابا وللأقباط عموماً وهذا واضح من عنوانه العجيب، والسبب الذي دفعه لهذا المقال هو خبر عن ذهاب الفنان عادل إمام للبابا شنوده لاستشارته في دور كاهن يفكر عادل إمام في تمثيله. الكاتب هنا يوجه عتاباً شديداً لـ "إمام" لإقدامه على هذه الرحلة غير المباركة -حسب وصفه- لأن استعمال الكنيسة كمحلل فني هو اللعب بالنار.. لأن الذي يملك أن يمنح يملك أن يمنع لكن الدكتور خالد ورّط نفسه في الهجوم على الكنيسة ورئيسها دون مبرر وهذا واضح من كلامه إذ يقول "البابا لم يطلب من الفنان عادل ولم يسمع بالفيلم بل إن عادل هو الذي ذهب إليه طواعية.. ليضع رقبته ورقبتنا تحت مقصلة الوصاية الدينية. وترد الدكتورة ليلى بأسلوب موضوعي مقنع فتقول: فلو كان المخرج أسامة فوزي قد اعتزل الفن بعد "بحب السيما" فلماذا تكون "السكتة الكنسية" حسب تشخيص الدكتور خالد هي التي قتلت فيلمه؟ لماذا لا يكون فيلمه قد مات لأنه -وبالرغم من حشوه بكل المتبلات الحريفة التي تروق لجمهور السينما الحالي من جوع جنسي وبذاءة لفظية وتجريح ديني– لم يكن يملك المقومات الضرورية لبقاء أي عمل فني؟ وتعليقي الخاص ككاتب هو أن الدكتور خالد منتصر لا يصلح حكماً في قضايا الشعر ولا يملك شهادات الخلود ليوزعها على هذا أو ذاك من الشعراء ونرجو أن يكون كلامه في هذا الموضوع كبوة وليس انحداراً إلى جانب الإسلاميين المتعصبين. والمحور الثالث يرصد عدداً من الظواهر كعودة الشباب الغربي إلى الدين، وثورة المسيحية في بريطانيا على الغبن، وانقضاء شهر العسل الذي نعمت به المنظمات الإرهابية في "لندنستان" بالإضافة إلى شجاعة الاعتذار عن خطأ، وجرائم الشرف والغضب، وكارثة ظهور أطباء إرهابيين، والنبوغ العلمي المقترن بالإنسانية الكريمة، كما يتجسد في شخص الدكتور مجدي يعقوب. والقسم الأخير من الكتاب "مشاهدات وقراءات" يستعرض بعض الكتب والأعمال الفنية المثيرة للجدل، فيتتبع رحلة المسيحية من جبل ألوس في اليونان إلى الواحات الخارجة في مصر من منظور كاتب اسكتلندي قام بهذه الرحلة، ويعرض ديواناً للشاعر الطبيب شريف مليكة من شعر العامية المصرية ويتحدث عن أيقونات الفنان التشكيلي والروائي جورج البهجوري. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت | عدد التعليقات: ٢ تعليق |