بقلم : عبد الخالق حسين مقدمة ومن الجدير بالذكر أن الديمقراطية لا تولد متكاملة، ولن تكتمل (1)، بل هي عملية تراكمية، تبدأ بالحد الأدنى من حقوق الشعب في المشاركة في اختيار حكامه وصنع القرار السياسي، مثلاً تبدأ بـ 10% ثم 20% وهكذا تنمو هذه الحقوق مع تقدم الشعب حضارياً واستيعابه لهذه القواعد. فولادة الديمقراطية في كل مكان وزمان كانت عسيرة، ومصحوبة بألم، ولاقت مقاومة عنيفة وأحياناً دموية. أما في العراق الذي لم يعرف الديمقراطية في جميع مراحل تاريخه، فكانت ولادتها عن طريق العملية القيصرية على يد الجراح الأمريكي عام 2003، لذا فلحد الآن هناك مقاومة ضدها من قبل أعداء الديمقراطية في الداخل والخارج بغية وأدها وهي في المهد. ظاهرة تشاؤم العراقيين من الوضع ولكن مع كل هذه المعوقات والسلبيات والنقص في الخبرة، واصلت العملية السياسية مسيرتها إلى الأمام، دون توقف. فقد حققت الديمقراطية الوليدة خطوات جيدة رغم الصعاب، حيث أجريت بنجاح أربع عمليات تصويت، اثنتان برلمانية، واستفتاء على الدستور، وأخرى لانتخاب مجالس المحافظات. ويتحضر الشعب الآن لخوض انتخابات برلمانية قادمة في 18 كانون الثاني/يناير القادم. وهكذا، خطوة خطوة أثبت الشعب العراقي وقياداته السياسية تعلمهم لقواعد اللعبة الديمقراطية وإصرارهم على إنجاحها. وكما ذكرنا آنفاً، أن السجالات المحتدمة الآن والصراعات الحادة بين القوى السياسية هي أمور طبيعية ملازمة للعملية الديمقراطية، يجب أن لا نتطير منها. ففي الأنظمة الديكتاتورية وحدها لا توجد صراعات علنية، ولا نسمع عن تعدد الآراء والكيانات والتحالفات والانشقاقات، ولكن لا يعني هذا أن الشعب متوحد وراء "القائد الضرورة" في النظام المستبد، بل لأن الصراعات، وتعددية المواقف السياسية مقموعة، والشروخ في المجتمع مغطاة بأغطية سميكة من القمع، وممنوع التصريح بها. أسباب التذمر من الوضع الحالي ثانياً، ظاهرة هيمنة الأحزاب الإسلامية: يتذمر العلمانيون الديمقراطيون من الوضع العراقي لأن الأحزاب السياسية القوية المهيمنة على الساحة السياسية والسلطة هي دينية وطائفية، ويلقي البعض اللوم لهذه الظاهرة على أمريكا وحاكمها المدني السابق بول بريمر... إلى آخره. أنا لا اعتقد بهذا التفسير، وإنما أعتقد جازماً أن هيمنة الأحزاب الدينية كانت نتاج ظروف موضوعية أوجدها النظام البعثي الصدامي الطائفي الساقط، قبل سقوطه بسنوات عديدة. فنتيجة للحروب والمظالم، والحصار، وعجز القوى السياسية المعارضة وضع حد لهذه المحنة، وإنقاذ الشعب من النظام البعثي الجائر، لم يبق أمام الشعب سوى اللجوء إلى الدين والقوى الغيبية طلباً لخلاصه من أضاعه المزرية. لذا تفشت النزعة الدينية في العقدين الأخيرين من حكم البعث. ولما رأى صدام حسين تفشي النزعة الدينية، عمد هو الآخر إلى ركوب الموجة فأعلن ما أسماه بالحملة الإيمانية... الخ، فأغلق الملاهي ومحلات بيع الخمور، وإقامة مستبقات لحفظ القرآن الكريم، وتقديم الجوائز للفائزين، وإطلاق سراح السجناء ممن ينجحون في هذه المسابقات ...الخ. والجدير بالذكر، أن هيمنة الأحزاب الدينية في الربع الأخير من القرن العشرين ليست خاصة بالعراق، بل هي ظاهرة شملت جميع البلدان العربية والإسلامية تقريباً لأسباب معروفة لا مجال لذكرها، ولكن في العراق اصطبغت الأحزاب الدينية بالصبغة المذهبية أو الطائفية لأن في العراق سنة وشيعة، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها. وعليه، شئنا أم أبينا، يتكون شعبنا من مكونات أثنية ودينية وطائفية عديدة، وكرد فعل للاضطهاد والتمييز العرقي والطائفي، حصلت ردة حضارية من نتائجها، تفتت نسيج المجتمع، وأعيد بأبناء الشعب القهقرى إلى التخندق بالعشيرة والقبيلة والطائفة، فانتعشت الأحزاب الدينية في هذه الظروف وحصل انحسار للأحزاب العلمانية، لذلك أظهرت نتائج الانتخابات استقطاباً طائفياً وعرقياً. التحالفات وإعادة اصطفاف القوى * الإئتلاف العراقي الموحد، بقيادة المرحوم السيد عبدالعزيز الحكيم، الذي ضم الأحزاب والكيانات الشيعية المختلفة، مثل أحزاب الدعوة، والمجلس الإسلامي الأعلى، والتيار الصدري، وحزب الفضيلة... الخ وكيانات وشخصيات أخرى، وحصل في انتخابات عام 2005 على 128 ناباً، * جبهة التوافق السنية، وكانت تضم كلاً من الحزب الإسلامي، بقيادة السيد طارق الهاشمي، والتجمع العراقي، بقيادة السيد عدنان الدليمي، وحصلت على 44 نائباً. * القائمة العراقية الوطنية، وهي علمانية، بقيادة أياد علاوي، وضم الوفاق الوطني، والحزب الشيوعي العراقي، وكتلة السيد عدنان الباجه جي، وعدد من الشخصيات الوطنية المستقلة، وحصلت على 25 مقعداً. * جبهة الحوار الوطني العراقي ، وضم السنة العرب ولكنه علماني، بزعامة السيد صالح المطلق، وحصل على 11 مقعد. * التحالف الكردستاني، وكان يضم الحزبين الكرديين الكبيرين، حدك و أوك، والحزب الشيوعي الكردستاني، إضافة إلى تنظيمات وشخصيات أخرى، وحصل على 53 مقعد. * الإتحاد الكردستاني الإسلامي، و نال 5 التحالفات الجديدة: * الإئتلاف الوطني العراق- الشيعي- بقيادة السيد عمار الحكيم، وهو وريث (الإئتلاف العراقي الموحد) الذي كان يقوده المرحوم السيد عبدالعزيز الحكيم، وقد خرجت منه بعض القوى التي شكلت كتلة جديدة بقيادة السيد نوري المالكي، رئيس الوزراء. * ائتلاف دولة القانون" بزعامة السيد نوري المالكي، زعيم حزب الدعوة الإسلامية، ورئيس الوزراء، وحسب ما أعلنت مصادر الإئتلاف، يضم نحو 40 حزبا وحركة سياسية منها : حزب الدعوة الإسلامية (جناح المالكي)، وحزب الدعوة الاسلامية تنظيم العراق (جناح هاشم الموسوي)، كتلة مستقلون، الحركة الاشتراكية العربية، الائتلاف الوطني الديمقراطي، تجمع أحفاد ثورة العشرين، الاتحاد الإسلامي لتركمان العراق، كتلة الانتفاضة الشعبانية، التيار العربي المستقل، الحركة الدستورية، الحزب الوطني الديمقراطي الأول وشخصيات مستقلة. إضافة إلى مسميات لحركات وأحزاب وتجمعات تمثل مكونات مثل القائمة الوطنية كتلة الشبك و كتلة الكرد الفيليين، و تكتلات عشائرية مثل الائتلاف الوطني لديوان بني تميم، وتجمعات مثلت محافظات معينة أمثال حركة الوفاء للنجف، التجمع من اجل المثنى، تجمع الفرات الأوسط وغيرها. * حركة الوطنية العراقية: وتضم حركة الوفاق الوطني التي يترأسها رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي مع جبهة الحوار الوطني العراقي التي يترأسها صالح المطلك، وتضم تنظيم «تجديد» برئاسة طارق الهاشمي، نائب رئيس الجمهورية، ورافع العيساوي، نائب رئيس الوزراء ورئيس تجمع «المستقبل»، وأسامة النجيفي. ونحو أربعين كيانا سياسيا لم يتم الكشف عنها. * جبهة التوافق –السنية: وتضم الحزب الإسلامي العراقي، بعد أن غادره السيد طارق الهاشمي، والتجمع العراقي الذي يتزعمه الدكتور عدنان الدليمي، وحزب العدالة التركماني، إضافة إلى تجمع عشائر العراق، وشخصيات بارزة بينها إياد السامرائي رئيس مجلس النواب، ونصير العاني رئيس ديوان الرئاسة العراقية وآخرون. * التحالف الكردستاني: ويضم 12 حزباً وكياناً سياسياً هي: الإتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني والحركة الإسلامية في كردستان وحزب كادحي كردستان المستقل، والحزب الإشتراكي الديمقراطي الكردستاني والحزب الشيوعي الكردستاني وجمعية الليبراليين التركمان والحزب القومي الديمقراطي الكردستاني.. إضافة الى حزب عمال وكادحي كردستان وحزب كادحي كردستان وقائمة أربيل التركمانية والحركة الديمقراطية لشعب كردستان. * قائمة "التغيير" وهي التي انشقت من الإتحاد الوطني الكردستاني، ويتزعمها نوشيروان مصطفى وقد نالت 23.75% من الأصوات في كردستان، وحصلت على 25 مقعدا من مقاعد برلمان كردستان البالغة111 اثر انتخابات إقليم كردستان التي جرت في الخامس والعشرين من تموز (يوليو) الماضي. وستدخل الانتخابات بمفردها. الخلاصة والاستنتاج، ومستقبل الديمقراطية ويبدو أن رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي، ومن خلال ائتلافه الجديد، يريد تعزيز الإستراتيجية ذاتها التي اعتمدها في الانتخابات المحلية السابقة، بالابتعاد عن الأساس الطائفي الذي قام عليه حزبه، فربط شعاره الانتخابي بموقعه كرئيس للوزراء وممثلا لدولة القانون والمواطنة، التي تمثل مطلبا للأغلبية من العراقيين بعد أن عاشوا مرارة الفوضى وتردي الأوضاع الأمنية والعنف الطائفي. ولهذا فقد وصف السيد المالكي ائتلافه الجديد في بيان إعلانه انه يشكل "منعطفا تاريخيا وتطورا نوعيا في عملية بناء الدولة العراقية الحديثة على أسس وطنية سليمة قائمة على المشاركة الفاعلة في اتخاذ القرار بعيدا عن سياسات التهميش والتمييز والإقصاء والاستبداد التي عانى منها العراق في ظل الحقبة الدكتاتورية، واعتماد الكفاءة والنزاهة والمهنية بدلا عن المحاصصة الطائفية والعرقية". (تقرير بي بي سي العربية، 2/10/2009). هذه التغييرات في التحالفات وتبني أسماء علمانية وطنية، " واعتماد الكفاءة والنزاهة والمهنية بدلا عن المحاصصة الطائفية والعرقية" هي مؤشرات إيجابية نحو التخلص من الإسلاموية وتوجه الأحزاب نحو التكتلات الوطنية العلمانية عابرة الشعارات والكيانات الطائفية. وهذه علامة خير، ودليل على تقدم مسيرة الديمقراطية إلى أمام، ولو بخطوات بطيئة نسبياً، إلا إنه وكما بينا أعلاه أن الديمقراطية لا تولد متكاملة، بل هي عملية تراكمية تبدأ مثلاً بـ 10% ثم 20% ثم 30% وهكذا فهي صيرورة مستمرة ومتنامية لن تتوقف عند حد ولن تكتمل. وهذا ما يجري الآن في العراق. ولذلك فأنا متفائل بمستقبل العملية السياسية الديمقراطية في العراق، وشكراً. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت | عدد التعليقات: ٠ تعليق |