د. أمير فهمى زخارى المنيا
بوظـة درب المهابيل
خطوات معدودات داخل درب المهابيل القريب من ميدان العتبة فى قلب القاهرة، كانت هنا آخر بوظة فى بر مصر، لكن لم يعد لها أثر، حتى مكانها اندثر بعد أن أقيمت عدة مبان مكانها وحولها غيرت من ملامح الدرب القديم وكادت تطمسها أمام طوفان التمدد التجارى لأسواق العتبة....

غير انه عند العودة الى درب المهابيل علمت ان هناك من يبيع البوظة فى مكان شبه سرى فى نهاية الدرب من اتجاه باب , ويملأ البائع كوزا صغيرا منها ليغرفه من الزير ويصبه فى الكوب، متعمدا أن يرتفع مسافة فوقه لتسمع خريرها وترى الفقاقيع وهى تريم فوق الكوب فتثير شهيتك للثغتها اللذيذة وكانت مشروبا رخيصا يشربه الكبار الرجال والنساء والصغار أيضا، لا يجدون حرجا من شربها ولا يرونه حراما ولا عيبا،

والقرعة التي كانوا يشربون فيها هي وعاء على شكل نصف كرة وسمى بالقرعة غالبا لأنه ربما يكون نصف قرعة من نبات القرع الذى يمكن استخدامه بعد شقه نصفين ليصير كل نصف وعاءً للشرب.

البوظة... يا ترى مين فيكو يعرفها طيب مين داقها ...
البوظة حاجة كدة قديييييمة اووى من ايام اجدادنا القدماء وكان المصرى القديم بيسميها حنقت يعنى جعة وكان مشروب أساسي عند المصريين القدماء وحاجة كدة مقدسة زى الشاى دلوقتى كدة, وكان متعارف عليها فى تقديمات القرابين والحفلات والاعياد وضمن ملحقات المتوفى اللى بتوضع معاه فى المقبرة خلال رحلته فى العالم الآخر عشان المتوفى يتكيف بصحيح...

ودة لقيناه كتيييير فى مقابر الافراد بسقارة وطيبة سواء طريقة صنعها اللى اتنقشت بكثرة على جدران المقابر دى او ذكرها فى النصوص والبرديات بشكل كبير ودة كان بسبب قدسية المشروب دة واهميته عند المصرى القديم...

نرجع للبوظة بقى اللى كانت منتشرة اكتر فى بلاد النوبة يعنى جاتلنا من الجنوب ودة عرفناه من كتاب استاذ لوكاس (المواد والصناعات عند قدماء المصريين) ..

واللى حكلنا فيه ان العالم بوركهارت كتب سنة 1822 ان بوظة بلاد النوبة كانت بتتعمل من خبز الدخن المخمر تخميرا شديدا وكان اهل النوبة بيقوموا بتكسير الخبز دة لفتافيت ويمزجوه بالمية عشان يلين ويسيبوه يختمر مع بعض الاضافات اللى بتوصل بالمشروب لشكله النهائي وفى بعض الاحيان كانوا بيبدلوا خبز الدخن بالشعير اللى كان بيدى نتيجة افضل بكتير وبيعلى القيمة الغذائية اكتر...

اما بقى عن الاثار المادية اللى لقيناها فكتيير جدا زى الجرار اللى لقيناها فى مقابر الافراد عبر الفترات التاريخية المختلفة واللى كانت بتحتوى على بقايا بوظة الشعير جواها ...

وكلمة بوظة أصليًا من الكلمة التركية "boza» دخلت مصر مع حكم الاتراك وكانوا بيقصدوا بيها شراب ثقيل مختمر مصنوع من الذرة وهنلاقيها فى المعجم الوسيط معناها شراب مسكر مصنوع من الذرة..

فضل معانا المشروب الشعبى دة لآلاف السنين ومر بمراحل كتيير اوى فى طريقة صناعته وتخميره ودرجة الاسكار فيه والجميل انه مكمل معانا لحد دلوقتى زى ماشوفنا فى النص التانى من القرن العشرين بياع البوظة فى المناطق الشعبية والريفية بيتجول فى الشوارع وهو شايل جره من الفخار وكوز من الصفيح وبيبيعها فى اكتر الاحياء شعبية فى القاهرة..

اتعرفت كمان فى بلاد السودان بإعتبار ان جذورها من النوبة فى الجنوب زى ما قولنا وعندهم بقى اسمها المريسة وعندنا فى مصر البوظة او الثوبيا - وهى ليست السوبيا المعروفة الآن ولا تسكر- مع اختلاف طريقة الصنع اللى طبعا مش مختمرة خالص ولا بتسبب السكر لحسن تفهمونى غلط
هاه عرفتوا البوظه مين هنا يعرفها ومين داقها ومين بيحبها...تحياتى.
د. أمير فهمى زخارى المنيا