هاني لبيب
دائمًا ما أتوقف عند استخدام بعض الكلمات والمفاهيم والمصطلحات المتعلقة بالمواطنة كمنظومة حقوق، والمتعلقة بالجندر فى تناول قضايا النوع الاجتماعى والمساواة بين الرجل والمرأة وتمكين المرأة بشكل خاص. والمتعلقة منها بالإنسانية بشكل عام.
أزعجنى كثيرًا استخدام كلمة «الفقراء» فى العديد من شهر رمضان '> إعلانات شهر رمضان التى قام بها العديد من جمعيات ومؤسسات المجتمع المدنى بهدف فعل الخير، ومع ملاحظة وكأن الأمر فى فعل الخير يقتصر على شهر رمضان فقط، أو كأننا نلخص فعل الخير ونختزله فيه.
لا أجد أى تبرير لكل تلك الجمعيات والمؤسسات التى استخدمت كلمة «الفقراء» على اعتبار أنها من المفترض أن تكون الأكثر وعيًا بمضمون رسالتها ومحتواها الإنسانى. أعلم جيدًا أن استخدام تلك الكلمة مع توظيف الصورة المعبرة من شأنه أن يستقطب الرأى العام ويؤثر فيه مما يزيد من إسهاماتهم فى التبرع بعمل الخير، سواء كان ماديًا أو عينيًا أو من خلال الصكوك.
أرفض كلمة «الفقراء»، لأننا فى الحقيقة جميعنا فقراء دون استثناء. وأميل إلى استخدام كلمة «غير المقتدرين» لحفظ كرامتهم وعدم الإساءة إليهم بعد أن تحولت كلمة «فقير» لكلمة تتجاوز أبعادها الحالة المادية إلى الاجتماعية والإنسانية. جميعنا «فقراء» إذا ما عقدنا أى شكل من أشكال المقارنة بين بعضنا البعض على كافة المستويات الفكرية والثقافية والاجتماعية والصحية والرياضية و...، وأخيرًا الاقتصادية.
من يخطط ويدبر لحجز عدة أيام بسيطة مع عائلته فى الإسكندرية، ولا يستطيع تحمل تكلفة الحجز فى أحد منتجعات الساحل الشمالى وقراه هو فقير. والأخير بالتبعية فقير لأنه لا يستطيع بدوره تحمل تكلفة الذهاب لجزر المالديف أو غيرها من جزر المحيطات الطبيعية المبهرة. وهو ما يمكن تطبيقه على مجالات كثيرة، سواء فى الالتحاق بنوعية محددة من المدارس والجامعات، أو بشراء ماركات محددة للسيارات، أو باقتناء المنازل والدوبلكس والفيلات فى كومباوندات محددة دون غيرها.
قصرنا استخدام كلمة «فقير» على الاحتياج المادى.. وطبقناه على المتسولين وعلى الغارمين وعلى من لا يستطيع الحصول على قوت يومه، ومن لم يستطع دفع مصروفات مدارس أطفاله أو دفع إيجار شقته. بل ويعتبر من ينتمى لتلك الفئة عند البعض «غير لائق اجتماعيًا»، وما يترتب على ذلك الوصف، وكأنه «غير لائق إنسانيًا».. مع أننا نعانى من فقر فكرى وثقافى وقيمى واجتماعى وإنسانى بدرجات تفوق كثيرًا «الفقر المالى» وتتجاوزه.
نقطة ومن أول السطر..
أتمنى دائمًا أن نراجع سياق استخدام كلماتنا.. خاصة من المثقفين والمفكرين ووسائل الإعلام، فيما يخص المفاهيم والمصطلحات التى يمكن أن تكون ضد المواطنة بشكل خاص، وضد الإنسانية بشكل عام.. حتى لا نصف فئة منا بما يهينها ويحط من كرامتها الإنسانية.
جميعنا فقراء دون استثناء.. منا غير المقتدر ماليًا وهو أدنى أنواع الفقر، ولكن أولهم هو الفقير معرفيًا وفكريًا وثقافيًا.
ويظل.. الفقر الحقيقى هو الفقر الإنسانى.
نقلا عن المصرى اليوم