محرر الأقباط متحدون
أجرى موقع فاتيكان نيوز الإلكتروني مقابلة مع أسقف حلب للكلدان المطران أنطوان أودو الذي سلط الضوء على الأوضاع المأساوية في مدينته وفي سورية كلها، بعد ثلاث عشر سنة من الحرب الدامية وجائحة كوفيد ١٩ والزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة مطلع العام. وقال إن ما يشكل مصدر حزن كبير هو رحيل الشبان والعائلات المسيحية، مشيرا إلى أن الكنيسة تقدم المساعدات الإنسانية والأدوية، كما تتحمل نفقات الاستشفاء وبدلات الإيجار وكلفة ترميم المنازل المتضررة بالنسبة للعائلات المحتاجة.
 
مما لا شك فيه أن مدينة حلب، كما باقي المدن والمناطق السورية، تعيش أوضاعاً صعبة يبدو أنها لا تعرف نهاية، فبالإضافة إلى الحرب التي اندلعت في البلاد عام ٢٠١١، أتت جائحة كورونا في العام ٢٠٢٠ وتلتها الهزة الأرضية المدمرة التي ضربت شمال سورية وجنوب تركيا في شباط فبراير الفائت، ناهيك عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يرزح تحت وطأتها جزء كبير من المواطنين السوريين، حيث بات سعر كيلو اللحم يساوي راتب شهر كامل، وحيث يستمر نزيف هجرة الشبان والعائلات المسيحية. على الرغم من هذا السيناريو القاتم عبر أسقف حلب عن قناعته بأن الحضور المسيحي سيبقى في البلد العربي، معتبرا أن هذا البقاء يحتاج إلى مواقف من التضامن حيال مسيحيين ينطقون باللغة العربية وسط عالم مسلم. ولفت إلى أن هؤلاء المسيحيين يمكن أن يُظهروا للعالم كله كيف يمكن للإنسان أن يكون مؤمناً بالله بعيداً عن التعصب والعنف.
 
في حديثه لموقعنا الإلكتروني شاء المطران أودو أن يستعرض الأوضاع التي مرت بها سورية على مدى السنوات الماضية، مشيرا إلى أنه بعد الحرب أتت جائحة كوفيد ١٩ والتي حصدت العديد من الضحايا وسط الشبان أيضا نظرا لارتفاع كلفة الطبابة، ولعدم توفر الأدوية والعقاقير المناسبة في المستشفيات. وفي شهر شباط فبراير الماضي – تابع سيادته يقول – وقعت الهزة الأرضية التي دمرت مدينة حلب، موضحا أن الزلزال ألحق أضرارا بكاتدرائية المدينة وبمقر إقامة الأسقف، وسبب ذعراً كبيرا. واليوم يعاني قسم كبير من المواطنين السوريين من الفقر المدقع، موضحا أن سعر كيلو اللحم وصل إلى مائة وخمسين ألف ليرة سورية وهو معدل المرتب الشهري للمواطن.
 
ولفت أودو إلى أنه على الرغم من الأوضاع المظلمة ما يزال حس التضامن قائماً، وهذا التضامن هو وليد التاريخ والثقافة، مضيفا أن الكنيسة لعبت وتلعب دوراً هاماً في هذا السياق. وأكد أن الكل يعترف بمواقف التضامن والمحبة والضيافة التي تميز المسيحيين، بما في ذلك الحكومة السورية، مع ذلك شدد على ضرورة أن يتحقق تبدل سياسي، يوفر فرص عمل للناس، ويسمح للقطاع الصناعي بالإنتاج، ويرفع الحظر المفروض على السفر. ولم يُخف سيادته الحزن الشديد الناجم عن رحيل العائلات، لاسيما تلك المسيحية، مشيرا إلى أن الشبان يغادرون هرباً من الخدمة العسكرية، ومن البطالة. والآلاف من هؤلاء يتوجهون إلى ألمانيا حيث يوجد قانون يساعد اللاجئين على الدراسة والعمل، وحيث تقدم الحكومة الألمانية تسهيلات كبيرة، خصوصا للراغبين في دراسة الطب والهندسة. وهي سياسة تصب في المصالح الاقتصادية الألمانية.
 
رداً على سؤال بشأن نوع المساعدات التي ينشدها أبناء أبرشية حلب الكلدانية قال المطران أودود إن هؤلاء يطلبون كل شيء، خصوصا إزاء ارتفاع أسعار المواد الغذائية، موضحا أن الكنيسة تقوم بتوزيع الأدوية، وقد أنشأت لجنة تتكفل بتغطية كلفة العمليات الجراحية للمرضى المحتاجين. كما تساعد الأبرشية العائلات على تسديد الأقساط المدرسية، وعلى ترميم المنازل التي تضررت نتيجة الهزة الأرضية. وأضاف أن عدداً كبيرا من المواطنين يأتي إلى الكنيسة طالباً الحصول على مساعدة لشراء الأدوية أو لدفع بدل الإيجارات، مشيرا إلى أن الكنيسة وضعت برنامجاً لدعم الأسر المحتاجة، وقد تحول نشاطها الرعوي إلى نشاط إنساني.
 
بعدها تحدث أسقف حلب للكلدان عن الأزمة الراهنة على الصعيد الدولي، بدءا من الحرب السورية وصولا إلى الصراع في غزة ومروراً بالحرب الروسية الأوكرانية معتبرا أن ثمة ترابطاً بين كل تلك الصراعات. وقال إن هناك أزمة دولية وسورية تجد نفسها في وسط تلك المصالح، معتبرا أن الحل يكمن في التوصل إلى اتفاق بين الأمريكيين والروس والصينيين، يأخذ في الحسبان كل تلك المصالح الجيوسياسية والعسكرية. وأشار إلى أن كل القوى الدولية تسعى إلى إقامة قواعد لها في المنطقة، لاسيما في سورية وتركيا، مؤكدا أن إيجاد حلول يقتضي في نهاية المطاف حواراً جاداً ونزيها، ولفت إلى أن الخوف يقضي على الثقة، وغياب الثقة يولد الكراهية، والكراهية ينتج عنها العنف، وهكذا ندخل في دوامة لا يمكن الخروج منها.
 
في ختام حديثه لموقعنا الإلكتروني قال المطران أنطوان أودو إنه في وقت نقترب فيه من بداية زمن المجيء لا بد أن نستعيد الفرح الناتج عن كوننا مسيحيين، وعن محبة الله تجاهنا والخلاص الذي يمنحنا إياه، الفرح الناتج عن السلام وعن احترام الآخرين، مشيرا إلى أن العالم العربي والإسلامي يحتاج إلى الفرح الذي يهبنا إياه الله.