كتب - محرر الاقباط متحدون
عاد البابا فرنسيس اليوم الأربعاء إلى الحديث عن الغيرة الرسولية، وذلك في سلسلة تعليمه الأسبوعي خلال مقابلة العامة مع المؤمنين والتي كانت قد توقفت خلال فترة النقاهة التي تلت خضوع الأب الأقدس لعملية جراحية قبل أسابيع.
وقال البابا اليوم إننا في سلسلة التعرف على أمثلة رجال ونساء كرسوا حياتهم للإنجيل في كل زمان ومكان نتوجه إلى مكان بعيد، إلى أوقيانيا، القارة المكونة من جزر كثيرة ما بين كبيرة وصغيرة. وأشار في حديثه إلى أن الإيمان بالمسيح، والذي حمله إلى هذه الأرض الكثير من المهاجرين الأوروبيين، قد ترسخ في هذه القارة وأعطى ثمارا وافرة.
ومن بين هؤلاء المهاجرين هناك راهبة مميزة، القديسة ميري ماكيلوب مؤسسة جمعية راهبات القديس يوسف للقلب الأقدس.
وتوقف البابا عند تكريس هذه الراهبة حياتها للتنشئة الفكرية والدينية للفقراء في المناطق الريفية في أستراليا.
ذكّر البابا فرنسيس بعد ذلك بولادة ميري ماكيلوب بالقرب من سيدني لوالدَين مهاجرين من اسكتلندا إلى أستراليا، ومنذ صغرها شعرت بدعوة الله لها كي تخدمه وتشهد له لا فقط بالكلمات، بل في المقام الأول بحياة بَدَّلها حضور الله.
وواصل الأب الأقدس أن ميري كانت على ثقة بأن الله يدعوها إلى نشر النبأ السار وجذب أشخاص آخرين إلى لقاء الله الحي. وقال قداسته إن القديسة ماكيلوب قد قرأت بحكمة علامات الأزمنة وأدركت أن الأسلوب الأفضل لها للقيام بهذا هو من خلال تربية الشباب، وذلك وعيا منها بأن التربية الكاثوليكية هي شكل من البشارة بالإنجيل، أسلوب كبير للكرازة.
وأضاف البابا في هذا السياق أن كل قديس هو رسالة وتصميم من قِبل الآب من أجل التأمل في لحظة بعينها من التاريخ في أحد جوانب الإنجيل وتجسيد هذا الجانب، وينطبق هذا على ميري ماكيلوب وذلك في المقام الأول بقيامها بتأسيس المدارس.
وعن الغيرة الرسولية لهذه القديسة قال قداسة البابا إنها تمثلت في العناية بالفقراء والمهمشين. وشدد في هذا السياق على أهمية الفقراء والمهمشين بالنسبة لدروب القداسة، وقال إنه لا يمكن لأحد أن يواصل السير على درب القداسة إن لم يكرس ذاته لهم أيضا بشكل أو بآخر.
وتحدث قداسته عن كون الفقراء مَن يلفت الانتباه إلى اللامساواة التي هي الفقر الأكبر في العالم، وندد قداسته مجددا بتخصيص الموارد لصنع الأسلحة لا لتوفير الغذاء.
وتابع البابا فرنسيس أن هذا الاهتمام بالفقراء والمهمشين هو ما دفع ميري ماكيلوب إلى التوجه إلى أماكن لا يريد آخرون أو لا يمكنهم التوجه إليها. ثم أشار إلى أن ميري ماكيلوب قد افتتحت أول مدرسة في ١٩ آذار مارس ١٨٦٦ في عيد القديس يوسف وذلك في بلدة صغيرة في جنوب أستراليا لتلي ذلك مدارس أخرى كثيرة أسستها مع أخواتها في الرهبنة في المناطق الريفية في أستراليا ونيوزيلندا، وشدد قداسته هنا على أن الغيرة الرسولية تؤدي إلى تكاثر الأفعال. وتابع البابا أن ميري ماكيلوب كانت على ثقة بأن هدف التربية هو التنمية المتكاملة للأشخاص سواء كأفراد أو كأعضاء في جماعة، كما وكانت تدرك ما يتطلبه هذا من حكمة وصبر ومحبة من قِبل المعلمين. وقال الأب الأقدس في هذا السياق إن التربية لا تتمثل في ملء العقول بالأفكار، بل في مرافقة وتشجيع الطلاب في مسيرة النمو الإنساني والروحي من خلال الكشف لهم عن أن الصداقة مع يسوع القائم تُوسع القلوب وتجعل الحياة أكثر إنسانية. وواصل قداسة البابا مشددا على كون هذه الرؤية معاصرة بشكل كبير حيث نحن في حاجة إلى ميثاق تربوي قادر على الجمع بين العائلات والمدارس والمجتمع بكامله.
توقف البابا فرنسيس بعد ذلك عند جانب آخر في الغيرة الرسولية للقديسة ميري ماكيلوب، ألا وهو أنه دفعها وإلى جانب العناية بالفقراء إلى القيام بأعمال محبة أخرى، ومن بينها تأسيسها بيتا لرعاية المسنين والأطفال الذين يعيشون بمفردهم. وتحدث قداسته هنا عن ثقة القديسة في العناية الإلهية، فقد واجهت مصاعب في رسالتها ما بين الالتزامات المالية والاهتمام بالتكوين المهني والروحي للراهبات وإدارة المدارس، هذا إلى جانب ما عانت منه في مرحلة لاحقة من مشاكل صحية. إلا أنها كانت دائما في هدوء وسكينة، قال الأب الأقدس، حاملة بصبر الصليب الذي هو جزء لا يتجزأ من رسالتها. وذكّر البابا هنا بحديث القديسة لإحدى الراهبات عن أنها قد تعلمت أن تحب الصليب، وهذا ما جعلها لا تستسلم أمام الاختبارات والمصاعب. وتابع قداسته أن سر العمل الرسولي يكمن في العلاقة المستمرة مع الرب، فهو مَن يعطي خبز الضيق وماء الشدة ومَن يستجيب لصوت الصراخ.
وفي ختام تعليمه الأسبوعي حول الغيرة الرسولية خلال المقابلة العامة مع المؤمنين اليوم الأربعاء في ساحة القديس بطرس دعا البابا فرنسيس إلى أن يكون العمل الرسولي للقديسة ميري ماكيلوب وردها المبدع على احتياجات الكنيسة في زمنها والتزامها في مجال تكوين الشباب ملهما لنا جميعا، نحن المدعوين إلى أن نكون خميرة الإنجيل في مجتمعات سريعة التغير. وتضرع الأب الأقدس كي تعضد هذه القديسة بمَثلها وشفاعتها العمل اليومي للوالدين والمعلمين، معلمي التعليم المسيحي والمربين جميعا، وذلك من أجل خير الشباب ولمستقبل أكثر إنسانية مفعم بالرجاء.