سحر الجعارة
فى مصر وحدها ينجب بعض المواطنين بالتقسيط، وفقاً للقاعدة الشعبية «العيل بييجى برزقه»!!. يتزوج الشاب وهو بالكاد يغطى راتبه إيجار الشقة أو أقساطها.. لكن لا يفكر أصلاً قبل أن ينجب، فليس عليه أكثر من استدانه ثمن العقيقة «السبوع سابقاً» وترك الطفل للحكومة تسدد أقساط تربيته.. الآن ينتظر الأب المحترم «وهو شاب غالباً» كل شىء مجاناً لأنه «باشمواطن» يعترض على تحرير سعر الوقود، ويتذمر من ارتفاع استهلاكه فى الكهرباء، ويخلى مسئوليته من أسرته فقط لينعم ببطاقة التموين.. دون أن يسأل ما الذى قدمه لوطنه مقابل هذه الخدمات؟! (ليست بدعة أن العالم كله يقدم الخدمات مقابل الضرائب)، ودون أن يبحث عما سيقدمه لهذا الطفل من رعاية: «العيل بييجى برزقه»!.
يقول المولى عز وجل فى سورة الأنعام: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ).. هذه الآية الكريمة كانت تحذر العرب أيام الجاهلية من قتل الأولاد خشية الفقر، ولم تكن تعنى إطلاقاً أن ينتظروا «مائدة من السماء».. لكن تم انتزاعها من سياقها لتصبح دعوة مفتوحة للكسل والاتكال على الحكومة.. ولا أحد ينظر حوله ليرى ظاهرة التسرب من التعليم، و«الواد بلية» الشهير يعمل فى ورش النجارة.. ولا تتبعوا مصير أطفال الشوارع، لأن الإحساس بالمسئولية أصلاً معدوم.
هذا الطفل الذى جاء للحياة ليس ذنبه أنك لا تجيد التخطيط للمستقبل، ولا أنك تركن لقوى خفية سوف تفتح لك «مغارة على بابا» دون أن تعمل وتكد وتشقى.. من حقه أن يتعلم فى مدارس لغات، وأن يتلقى رعاية صحية، وأن يمتلك أدوات المعرفة الحديثة.. وأنت من حرمته هذه الحقوق!.
«لا يمكن أدى تانى بطاقة تموين لحد بيتجوز، لأنك لو بتتجوز ومستنى الدولة تديك بطاقة تموين أنت مش قادر تصرف إزاى يعنى؟.. لأ ده كلام مش مظبوط»، مضيفاً: «كمان لما أخلف حد يأكلى عيالى! لن نضع بطاقة تموين لأكثر من فردين فى اللى فات، وفى الجديد مفيش».. هذه كانت تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى مؤخراً.. لمواجهة الزيادة السكانية الضخمة، حيث يصل معدل الزيادة الطبيعية فى السكان -الفرق بين المواليد والوفيات- إلى نحو 1.8 مليون نسمة سنوياً.
ولا تزال لدى الدولة حزمة من الإجراءات الرادعة التى يمكن أن تحد من إنجاب نسل هزيل، يتسرب من التعليم ويحترف التسول والمهن المؤثمة قانوناً.. فإن كنت تتصور أن حرمان الطفل الثالث من دعم السلع التموينية إجراء قاسٍ.. إليك بالسياسة التى اتبعتها «الصين» والمسماة بسياسة «الطفل الواحد»، التى تم تطبيقها منذ عام 1978 حتى عام 2015، وكانت تتلخص فى عدم السماح بأكثر من طفل لكل زوج فى المناطق الحضرية، وتعفى من ذلك الأزواج فى المناطق الريفية والأقليات العرقية.. وقد تسببت هذه السياسة فى زيادة حالات الإجهاض القسرى، ووأد البنات.. كما سببت عدم التوازن بين الجنسين فى الصين.. واكتشفت الصين أنها ستصبح «جمهورية تعانى الشيخوخة» ليس بها شباب، فألغت هذه السياسة فى 2015!.
ورغم أنها سياسة يستحيل تطبيقها فى مصر لأسباب «دينية» فى المقام الأول.. ولأسباب إنسانية واجتماعية أيضاً.. انظر إلى مصر بعد عشر سنوات: ماذا لو أصبحنا 150 مليوناً؟.. ساعتها سوف تعجز الدولة عن تقديم أى خدمات اجتماعية وصحية للجميع، وسوف ننتظر جميعاً «رزق العيال» أو يتحولوا إلى كتائب من المتسولين (ماسكين فى ديل الحكومة)!.
نقلا عن الوطن