الأقباط متحدون | الحذاء - قصة قصيرة
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٤:٠٧ | السبت ٢٦ مايو ٢٠١٢ | ١٨ بشنس ١٧٢٨ ش | العدد ٢٧٧٢ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

الحذاء - قصة قصيرة

السبت ٢٦ مايو ٢٠١٢ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم : ادوارد فيلبس جرجس
إنتبه على دقاته ، دقات ماسح الأحذية ، تفرس في وجهه وتذكره ، بالرغم من مرور أكثر من عشرين عاماً ، تهلل وجه الرجل وابتسم ماسح الأحذيه .      
- هل تذكرتني يابيك ؟
- نعم تذكرتك .
تقرفص ورفع الرجل قدمه فوق الصندوق ليبدأ ماسح الأحذية عمله.
زمن طويل منذ أن كنت هنا لآخر مرة.
- نعم .. بالفعل .
- هل كنت مسافراً ؟
- نعم .
- عودة نهائيه للوطن ؟
- نعم .
- كيف هان عليك مكانك المفضل ؟
- ها أنا عدت إليه في أول فرصة فراغ بعد عودتي .
منذ ثمانية عشر عاماً كانا يكافحان عدواً مشتركاً هو الفقر على اختلاف موقعهما منه .
- لم تتغير يا بيك !
- أنت أيضاً لم تتغير !
- أنا ؟! وضحك في سخرية ورثاء .
- ربنا يقويك ! 
- كنت فقيراً حقاً لكن الدنيا كانت رحيمة ويسيره .
تأمل الحذاء الذي بين يديه وقال ضاحكاً ، وكأنه يقارن بينه وبين الحذاء الوحيد البالي الذي كان يمسحه له أيام زمان :                                                       
- حذاء جميل يا بيك !
ضحك وفهم تلميحه :
- اشتريته من إيطاليا .
- يقال أن الأحذية الجيدة مرتفعة الثمن هناك .
- نعم ، هذا الحذاء ثمنه ستمائة دولار .
- كم بالجنيه يا بيك ؟!
- أقل من أربعة ألاف بقليل .
أطلق صفيراً واحتضن الحذاء وكأنه يخشى أن ينزلق من يديه ويتهشم ككوب زجاجي .                                                                                          
- الأحذية الجيدة مرتفعة الثمن هناك .
- حتى هنا ارتفع ثمنها لكنها غير جيدة .
نقده خمسة جنيهات .
- هذا كثير يا بيك .
- أعتقد أنها توازي الخمسة قروش التي كنت أدفعها لك في الماضي .
ضحك واستدار لينصرف ، سمع صوت البيك منادياً ، التفت ثانية نحوه ، كان يبحث في جيوبه ، وينحني لينظر أسفل المنضدة :                                                 
- هل فقدت شيئاً يا بيك ؟
- نعم السلسلة وبها مفاتيح السيارة والفيلا .
- قد تكون تركتها في مكان آخر .
- كيف والسيارة هنا !!
يأس من العثور عليها ، نظر إلى ماسح الأحذية :
- هل أكلفك بخدمة ؟
- تحت أمرك يابيك .
- سأنقدك أجرة التاكسي ذهاباً وأياباً ، لتذهب إلى الفيلا في سابا باشا ، وتطلب من الهانم المفاتيح الإحتياطي ، أرجوك سريعاً فأنا على موعد هام .  الفيلا في سابا باشا ، من أرقى الأحياء بالإسكندريه ، تعجب وردد في داخله ، رب العباد إذا وهب لا تسألن عن السبب ، دق باب الفيلا ، بدت من خلال الفتحة المواربة ، جميلة جداً ، صغيرة جداً ، الغلالة الرقيقة ، تكشف عن مفاتن لا تزال صلبة ، ومتماسكة ، ظنها ابنته ، خاب ظنه ، الهانم زوجته ، عاد إليه بالمفاتيح الإحتياطي ، يردد طوال الطريق ، بَدَلَ زوجته القديمة بأخرى كالتفاحة النضرة ، كما بَدَلَ الحذاء البالي بآخر إيطالي ثمنه يعتبر ثروة لواحد مثلي .                                                                       
 
********
الفيلا مكتظة برجال التحقيق والبحث الجنائي ، خبير البصمات يبحث في كل مكان محاولاً أن يرفعها جميعاً ، فقد تقود إلى الجاني ، جريمة قتل ، البيك وجد مقتولاً في فراشه ، زوجته اكتشفت الجريمة في الصباح ، الظواهر الأولى تقول أنه خنق بالضغط على عنقه وكتم أنفاسه بواسطة الوسادة ، جلست الزوجة أمام المحقق داخل الفيلا ، شفتاه توجهان الأسئلة ، وعيناه مركزتان تجاه مفترق النهدين الناضجين .                                                                                         
- متى اكتشفت الجريمة ؟
- في الصباح .
- آسف.. ألا تشتركان في غرفة واحدة !!
- لقد اعتدنا أن يستقل كل واحد منا بغرفة عند النوم . 
خاطر جال في رأس المحقق لم يفصح عنه  ،  رجل غبي ، لو كنت مكانه ما أطلقتك من بين ذراعي لحظة واحدة .                                                                  
- منذ متى تم زواجكما ؟
- حوالي أربعة أشهر .. بعد عودته من الخارج تقريباً .
- وزوجته الأولى ؟
- طلقها ، واشترى لها شقة لتقيم فيها هي وأولادها .
- الخزنة مفتوحة وخالية من أي نقود أو جواهر ، لكن لا توجد بها أي تلفيات ، وهذا يعني أنها فتحت بمفتاحها الأصلي ، وكذلك لا توجد أي تلفيات بالباب الخارجي ، والنوافذ جميعها مغلقة ، فهل لديك فكرة كيف قام المجرم بجريمته ؟      
- لا .
-  هل توجهين شكوكك نحو أحد ؟
- لا .
- هل هناك أشياء أخرى إختفت غير محتويات الخزنة ؟
- لا ، لكن هناك شيء غريب .
- ما هو ؟
وضعت ساقاً فوق ساق وانكمش الفستان الأسود للخلف ، واحتارت عينا المحقق بين مفترق النهدين ، وبين الفخذين القشديتين ، وود لو اكتشف المزيد .             
- الخادمة تقول أن حذاءه اختفى ،  إعتادت أن تجده  كل صباح أمام الغرفة ، وتعيده إلى مكانه ، لكن اليوم لم تجده .                                                       
- هل يمكن أن تصفيه لي ؟
- الخادمة هي التي تتولى هذه الأمور ، وليس لدىَّ أي فكرة عن أحذيته .
- حسناً ، سأسأل الخادمة ، لكن ألم تلاحظي حدوث أي شيء غريب خلال الفترة الماضيه .                                                                                           
قطبت جبهتها مفكرة ، واختطف المحقق نظرة سريعة ليربط بين الوجه الفاتن  ومفترق النهدين ، والفخذين القشديتين ، ليتيح لخياله انتزاع الفستان الشحيح لتكتمل الصورة .                                                                                 
قالت بعد أن فكت التقطيبة :
- نعم .. تذكرت ، بالأمس أرسل المرحوم رجلاً  تُلطخ الأصباغ ثوبه ويديه ،ليأخذ النسخة الإحتياطية من المفاتيح ، لأنه فقد مفاتيحه.                                
- ألم تسأليه إن كان عثر على المفاتيح عند عودته ؟
- عاد متأخراً، وكنت قد ذهبت للفراش .
- هل كان بين المفاتيح مفتاح الخزنة ؟
- لا ، كانت للباب الخارجي للفيلا  وللسيارة .
عقد المحقق بين حاجبيه ، ثم ابتسم وقال :
- شكراً ، يمكنك الإنصراف ، وأرجو أن تستدعي الخادمه لأوجه إليها بعض الأسئلة .
شيعها بنظرة بدأت من الخصر النحيف هابطة لأسفل ومرتفعة لأعلى ، لتكتمل في خياله الصورة الرائعة للجمال الفاتن والمثير .                                              
********
 
       البيك منذ ثمانية عشر عاماً أو أكثر ، كان يعمل موظفاً بسيطاً في إحدى المصالح الحكومية ، التي تتعامل مع الجمهور ، لم يكن راتبه يسمح له بالجلوس بالمقاهي الأنيقة التي تمتد على كورنيش الأسكندريه ، لكن الصحبة التي كونها من الجمهور الذي يتعامل معه من المتيسرين ، سهلت له أموراً كثيرة ، من ضمنهاالقيام بدفع حساب طلباته ومشروباته بالمقهى وأصبحت مع الوقت شيئاً مقرراً لا جدال فيه  ، وحتى حساب ماسح الأحذية ، كان كثيراً مايتطوع أحدهم بدفعه قائلاً بمزاح حتى يدفع الحرج  عنه ، ليس بين الأصدقاء حساب . من خلال أصدقاء المقهى حانت له فرصة للسفر ، ترك زوجته وأولاده  في بيت أبيها ورحل ، وهناك كرس كل شيء لجمع المال ، من أين يأتي لا يهم ، مبرراً ، بأن الفرصة لا تأتي سوى مرة واحدة ، إن لم يستغلها ، سيعود خالي الوفاض ، وحتى أصدقاء المقهى الذين كانوا يدفعون ثمن طلباته قد لا يجدهم بعد أن ترك وظيفته المتعددة الخدمات . من ضمن أوراق طرق جمع المال ، وقد تكون أهم ورقة في تحويل مجرى  حياته ، وقعت في يده ورقة رابحة جداً ، وهي التي دفعت به للأمام إلى عالم لم يكن يحلم مجرد الحلم ألوصول إليه ، أجنبية تخطت العقد السادس ، لا يزال جسدها لم يشبع من نهم الشهوة ، ومن باب الحلال تزوج بها ، الزواج تم بنظام المقايضة ، إشباع نهم جسدها ، مقابل  إشباع نهمه للمال .   عمله الوحيد قضاء مصالحها نهاراً ، وخدمة جسدها ليلاً . واجب ليلي لا يتوقف أبداً ، كره بسببه النساء جميعاً . عندما يأتي الظلام ، كان يستعين بالله على الشقاء ، ويردد  بصورة منتظمة من خلال أنفاسه المتقطعة ، وهو يضخ الجنس مجبراً خلال جسد لا يهدأ وكأنه يعزي نفسه " إيه اللي رماك على المر قال إللي أمر منه " . كل من يعمل  من حقه عطلة أسبوعية إلا هو ، سألها أكثر من مرة أن ترحمه ، وتخصص له حتى ليلة واحدة كعطلة أسبوعية كبقية خلق الله ، لكنها رفضت بحجة أن الأجر الذي يحصل عليه  ، يحتم عليه أن يعمل جميع الليالي ، ووقت إضافي خلال النهار إذا لزم الأمر !! لعن النساء والجنس ، وتقبل الأمر كما يتقبله سجين محكوم عليه بالأشغال الشاقة . ذات يوم اختفت الزوجة النهمة ، كيف اختفت هذه قصة أخرى أو لغز! ، استعصى حله حتى على الشرطة ، التي ظلت تراقبه لفترة طويلة ، يدعمها في شكها الثروة الطائلة التي ورثها عنها ، لم يكن لها وريثاً  آخراً غيره . ولا يعلم سوى الله إن كان هذا الإختفاء من تدبيره أم برئ منه . عاد بعدها إلى الوطن ينوء بحمل ثروة ولج بها إلى عالم الأثرياء من أوسع الأبواب . كانت أولى مشروعاته هي الطلاق من زوجته التي كانت تنتظر عودته بفارغ صبر ، وتخفيفاً من حدة اللوم الذي صب فوق رأسه من القريب والبعيد ، اشترى لها ولأولادها شقة وخصص لهم راتباً شهرياً . الفيلا والسيارة وبذخ المعيشة ، السبيل لتعويض نفسه عن شقاء الليالي التي عاشر فيها الزوجة الأجنبية العجوز ، والثراء الشديد مكنه من الزواج من صبية عشقتها الفتنة فسكنت جسدها وحولته لشعلة من الإثارة ،  تعرف عليها في أحد النوادي ، بالرغم من فارق في العمر يصل لأكثر من ثلاثين عاماً . وأنصافاً للحق لم يكن زواجه من أجل فتنتها ، فلقد خمدت داخله كل رغبة في النساء ، بعد لياليه الشاقة في فراش الزوجة النهمة ، ودع الفراش الذي كان يحتويهما معاً بقوله " لم يشق رجل في العالم كما شقيت أنا فوقك " . زواجه من الصبية الصارخة الأنوثة كان من أجل استكمال مظهراً اجتماعياً فقط ، صُدمت فيه من أول ليلة ، ولم يمانع بعدالشهر الأول من الزواج عندما سألته أن يستقل كل واحد منهما بغرفة . بل أحست بشعور الإرتياح  يغمره. 
 
********
لم يكن من الصعب على ضابط المباحث الذكي، أن يربط بين الرجل الذي أرسله البيك للفيلا لإحضار النسخة الإحتياطية من المفاتيح ، والذي وصفته زوجة المجني عليه أنه ملطخ بالأصباغ ، والحذاء المختفي الغالي الثمن كقول الخادمة . تنقل بين المقاهي وفي إحداها لفت نظره ماسح أحذية ، وجهه المغضن وثيابه الرثة  ينبئان عن حالة من الفقر الميئوس منها ، الغريب أن قدميه  تنتعلا حذاءً غير متكافيء أبداً مع حالته ، دقق النظر ، وجد أنه يطابق الأوصاف التي أدلت بها الخادمة لحذاء البيك ، نهض الضابط بخفة ووضع يده على كتف ماسح الأحذيه وهو يهمس في أذنه :                                                                                       
- أين خبأت المسروقات التي حصلت عليها من خزنة البيك ؟                                    
فزع الرجل وألقى بالصندوق الخشبي من يده ، أطلق ساقيه للريح ، لم يبتعد كثيراً وكان في قبضة الضابط ، داخل قسم الشرطة أطلق لدموعه العنان ، يُقسم بأنه لم يسرق سوى الحذاء . إحساس وسوس للضابط بأن الرجل قد يكون صادقاً، وأنه بريء من تهمة القتل وسرقة الخزنة . انتعش الأمل داخل الرجل عندما أمره الضابط بالجلوس ووضع أمامه كوباً من الشاي وقال وفوق شفتيه ابتسامة وهو ينقل بصره بين الجلباب الرث والحذاء الثمين:                                                                              
- سأساعدك بشرط أن تقول الحقيقة كاملة .                                         
- أقسم يا باشا بأنني لن أقول سوى الحقيقة ، ارتشف رشفة موسيقية من كوب الشاي ، وامتدت يده لتخلي سبيل الحذاء من قدميه ، وقال بنبرة بائسة : صدقني ياباشا من كتبت عليه التعاسة ، يعيش طوال عمره تعيساً ، ويموت وهو يتمرغ في ترابها .. أعرف البيك منذ أكثر من عشرين عاماً ، كان فوق الفقربقليل ، كنت أمسح له حذاءه البالي ، وكانت هذه المرة الأولى التي أقابله فيها بعد هذه الأعوام الطويلة ، أصبح شيئاً آخراً  ، وعندما أبديت إعجابي بالحذاء وأخبرني أنه أحضره من الخارج وأن ثمنه يقترب من الأربعة آلاف جنيه ، كدت أفقد رشدي ، إنكمشت الدنيا كلها أمام عيني داخل هذا الحذاء ،أحتضنته  بحنان يفوق حنان الأم وهي تحتضن وليدها . طوال عمري ياباشا أحُلم بأن أضع قدمي في حذاء غالي الثمن ، مسحت ألاف الأحذية ، الغالي والرخيص ، ولم أضع في قدمي سوى الأحذية البالية التي أحصل عليها كصدقة من زبائني ، أمنياتي كلها انحصرت في حذاء جميل حتى لو انتعلته مع ثوب مهلهل ، لا تتعجب ياباشا ، قد تنظر أنت إلى الموضوع بأنه شيء غير معقول ، فأنت لم تجرب أن تقضي حياتك وأنت تحدق في الأحذية ، ورزقك كله منها ، وتُقَيمَ الناس من خلالها ، ماسح الأحذية تتولد عنده حاسة الحكم على الأذواق والمستويات من خلال الأحذيه التي ينتعلها الزبائن . حذاء البيك جذبني ورأيت فيه حلم حياتي ، وعندما كلفني بإحضار المفاتيح ، حاصرت تفكيري كله فكرة واحدة ، بأنه يمكنني الحصول على هذا الحذاء ، وبدأت في تنفيذ خطتي ، وذهبت إلى صانع المفاتيح سريعاً وصنع لي نسخة منها ، وعندما عدت إلى البيك ووجدته قد عثر على مفاتيحه التي نسيها في دورة مياه المقهى ، أحسست بأن القدر هو الذي يساندني وساق هذه الظروف ، لأحصل على نسخة من المفاتيح تسهل لي الحصول على الحذاء . في نفس الليلة كمنت بالقرب من الفيلا لوقت متأخر حتى عاد البيك من الخارج ، انتظرت حتى تأكدت أنه خلد إلى الفراش ، تسللت إلى الداخل ، وكأن الظروف كانت تسهل لي خطواتي ، ووجدت الحذاء ملقى أمام باب غرفته ، وهو يغط في نومه مطلقاً شخيراً حاداً ، أسرعت للعودة ، لكن الدم كاد أن يتجمد داخل عروقي ، عندما مررت بغرفة سمعت بداخلها همسات بين رجل وامرأة ، أكملت طريقى سريعاً للخارج وأنا أحتضن الكنز الذي حلمت به طوال عمري .       
سأل الضابط باهتمام :              
 - تقول بأنك سمعت همساً بين رجل وامرأة داخل غرفة ، هل يمكنك تحديد مكان الغرفة بالتقريب .
أجاب ماسح الأحذية دون تردد :
- نعم ياباشا ، الحجرة التي تجاور السلم .
هز الضابط رأسه قائلاً :
- سأتحفظ عليك هنا ، وكما وعدتك لو كنت صادقاً سأساعدك .
قال ماسح الأحذية متوسلاً :
- أقسم ياباشا بأنني صادق في كل كلمة رويتها لسعادتك ، وأنني لم أقتل البيك أو أسرق محتويات الخزنة ، طوال عمري أعيش بالحلال ، ولولا هذه النزوة التي تملكتني ، ما كنت أقف أمامك الآن متهماً .
قال الضابط مطمئناً :
- يكتنفني إحساس بصدق أقوالك ، وهذا ما سيؤكده التحقيق .
 
********
 
تصدرت عناواين الصحف خبرإلقاء القبض على ماسح الأحذيه الذي قتل البيك وسرق خزانته ، وكان هذا الخبر مبعث اطمئنان ليتحرك القاتل بحرية ويفقد حذره  ، وتم القبض عليه ، وبالرغم من عين المحقق المركزة على مفترق النهدين الناضجين ، إنهارت تحت وابل من الأسئلة المتلاحقة واعترفت بتفاصيل الجريمة :
- كنت أعيش قصة حب مع شاب تعرفت عليه ، لكنه قوبل بالرفض من عائلتي لفقره ، ونكاية فيهم وافقت على البيك فورتقدمه لطلب يدي ، بالرغم من الفارق الكبير جداً في العمر . للأسف اكتشفت ضياعه كزوج منذ الليلة الأولى ، وهو يؤدي العلاقة الزوجية كمقرر صعب عليه . عادت عواطفي المتأججة إلى الشاب الذي تربطني به علاقة حب أكثر من الأول ، طلبت من زوجي أن أستقل بغرفة مستقلة ، فوجئت بموافقته دون نقاش بل وارتياح  . هذه الغرفة أصبحت مخدعاً للحب مع حبيبي ، ولقاءات ليلية بعد أن أطمأن على عودة زوجي ورقاده . اتخذنا قراراً بالتخلص من زوجي ، لأرث ثروته وأكون حرة في الزواج من عشيقي ، لكن هذا القرار كانت تنقصه خطة التنفيذ . وفي تلك الليلة كنت مع عشيقي بمخدعي عندما سمعت خطوات متلصصة تسير بالخارج ، خشيت أن يكون زوجي قد اكتشف علاقتنا ، نهضت ونظرت من ثقب الباب ، شاهدت رجلاً يسير بهدوء وهو يحتضن حذاء زوجي ، عرفت فيه الرجل الذي أرسله زوجي في الصباح ليُحضر له المفاتيح ، وتبلورت الخطة فوراً في ذهن عشيقي ، وقام بتنفيذها على الفور ، خنق زوجي وسرق محتويات الخزنة ، واختفى في انتظار إلصاق التهمة بالرجل الذي سرق الحذاء . 
 
********
 
ضحك الضابط قائلاً :
- لقد وعدتك بالمساعدة إن كنت بريئاً من تهمة القتل وسرقة الخزنة ، فخذ الحذاء وانصرف .
- لكن هذا الحذاء سرقته من البيك !
- ونحن لم يبلغنا أحد بسرقة حذاء ، أو اتهمك بسرقته .
- هل تسمح لي بسؤال ياباشا .
- إسأل .
- كيف توصلت للقاتل ؟
- ملحوظتك عن سماعك لهمس بين رجل وامرأة داخل غرفة أثناء إنصرافك بعد حصولك على الحذاء ، أثارت انتباهي ، وعندما سألتك إن كنت تتذكر موقع الغرفة ، وأجبتني بأنها بجانب السلم ، تأكدت من أنها حجرة الزوجه ، لأنني قمت بمعاينة غرف الفيلا وعرفت أن هذه الغرفة لزوجة المجني عليه ، والشيء الأهم أن المفاتيح الإحتياطي التي قمت بعمل نسخة منها لم يكن بها مفتاح للخزنة ، وبمعاينة الخزنة وجدت أنها فتحت بمفتاحها ولم تُفتح عنوة ، ومعني هذا أن هناك من قام بفتح الخزنة وسرقة محتوياتها غيرك ، والتفت شكوكنا حول الزوجة ، وبتوجيه الإتهام إليك وتسريب الخبر للصحف ، إطمأنت ولم تنتبه للمراقبة الموضوعة عليها ، وتم لقاء بينها وبين العشيق ، قادنا للقبض عليهما وانتزاع اعتراف كل منهما على حدة .                                        
- هل تسمح لي ياباشا بالانصراف دون الحذاء .
- ولماذا ؟! 
- صدقني ياباشا عندما انتعلت هذا الحذاء أحسست بأنني غريب عن نفسي ، وأنا أريد أن أقضي ما بقى لي من عمر مع نفسي ولست غريباً عنها .
********

 




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :