بقلم: يوسف سيدهم
قراءة فى ملف «الأمور المسكوت عنها» (٨٩٥)
نشرت «وطنى» الأسبوع الماضى مادة تحليلية بعنوان »متى تستعيد الجامعة العربية بريقها؟!« بالتزامن مع انتقال رئاسة الأمانة العامة للجامعة من نبيل العربى إلى أحمد بوالغيط..
واحتفلت وسائل الإعلام المصرية بالأمين العام الجديد باعتباره استمراراً لسلسلة شبه متصلة لاحتكار الشخصيات المصرية منصب الأمين العام للجامعة منذ نشأتها عام ٥٤٩١ باستثناء التونسى الشاذلى القليبى الذى شغل المنصب فى ظل خروج مصر من الجامعة فى ثمانينيات القرن الماضى على أثر اعتراض الدول العربية على اتفاقية »كامب ديفيد« للمصالحة المصرية الإسرائيلية.
أثار هذا التغيير -المصرى المصرى- فى أمانة الجامعة مرارة مكتومة مسكوتاً عنها حول دور الجامعة العربية وثقلها السياسى والاقتصادى والتجارى وحتى العسكرى، وهل نجحت فى توحيد الصف العربى وجعله قوة مؤثرة على جميع تلك الأصعدة فى عالم اليوم؟.. الإجابة القاسية هى »لا لم تنجح الجامعة«.. ولم تتجاوز الشكل الزخرفى للمظلة التى تلتقى تحتها مجموعة الدول العربية دون أدنى تأثير فى مجريات الأحداث والشئون العالمية ودون أن تضع الكيان العربى فى مكانة تتناسب مع ثقله البشرى والاقتصادى والجغرافى.. وليس أدل على ذلك من الواقع العربى المتردى الذى يتوارى خجلاً فى ساحة القوى الدولية تاركاً دور »الفاعل« لقوى أخرى ومكتفياً بدور »المفعول به«!!
ولا يخفى على أحد أن تشبث مصر بقيادة الجامعة العربية يرجع إلى أنها الدولة المتصدرة للمجموعة العربية -بشرياً وسياسياً وعسكرياً- لكنها ليست كذلك اقتصادياً أو جارياً -علاوة على ريادتها التاريخية للجامعة منذ نشأتها، لكن ماذا حققت مصر فى إطار الكيان العربى الموحد وهل استطاعت أن تخطو بالدول العربية على خطى
الوحدة الأوروبية سواء سياسياً أو برلمانياً أو تشريعياً أو نقدياً أو عسكرياً؟!.. الإجابة »لا« بكل ما تحمله من مرارة الإحباط والفشل.
ومن يريد أن يتحقق من هذا الكلام عليه أن يعود إلى حوارين نشرتهما »الأهرام« مع كل من نبيل العربى الأمين العام للجامعة »المغادر« للمنصب وأحمد أبوالغيط الأمين العام »القادم الجديد« لشغل المنصب، لأن الحوارين نجحا بدرجة ملفتة فى تجسيد الصورة الواقعية المريضة للجامعة من جانب »المغادر«، وفى تسليط الضوء على بريق المنصب وثقل المقابل المادى لمن يشغله من جانب »القادم الجديد«.. ولعل هذا المعيار الأخير »غير المنطوق به« هو ما يفسر تكالب شخصيات تعاقبت على شغله- أو حاولت جاهدة التأهل لشغله- مراهنة بذلك على رصيدها العظيم فى العمل السياسى والمناصب القيادية وهى تعلم أنها تزج بنفسها فى مسئولية جسيمة لا تتوفر لها معايير
النجاح!!.. وآخر تلك النماذج تجسدت فى كل من عمرو موسى ونبيل العربى اللذين رأسا الجامعة وهما يحملان رصيداً مشرفاً فى خدمة الدبلوماسية المصرية ثم تركا الجامعة مثقلين بالإحباط والأسى على عجزهما عن خلق كيان عالمى مؤثر فيها.
نعم… تحدث نبيل العربى بعد تركه المنصب عن غياب الإرادة السياسية لدى الدول العربية وتشرذم قياداتها ورئاساتها وتنكرها للعمل على تحقيق حلم الوحدة العربية الذى طالما راود الشعوب العربية..
وبالتالى تغلبت المصالح الشخصية ونزعات الزعامة المحلية -بل والخلافات الفردية- على المسئولية التاريخية والعمل المضنى المطلوب لخلق قوة عربية تتبوأ مكانة مؤثرة ضمن الكيانات العالمية.
وفى المقابل.. كان من المفهوم أن يتحدث أحمد أبوالغيط وهو يتقدم لشغل المنصب عن رؤية جديدة يحملها لتفعيل العمل العربى المشترك وسياسة جديدة سوف ينتهجها لإكساب الجامعة ثقلاً وتأثيراً فى الأحداث العالمية، وغير ذلك الكثير من الكلام الطموح الذى يفجر مشاعر الإشفاق عليه وهو يغامر بتاريخه المشرف فى خدمة السياسة
والدبلوماسية المصرية على صخرة التشرذم والصلف والأحادية الحاكمة للواقع العربى.
أتصور أننا نحتاج بشدة أن ندرس تاريخ الوحدة الأوروبية وكيف انتصرت الإرادة السياسية لشعوب أوروبا وحكامها -فى ظل واقع ديموقراطى حقيقى- على مصاعب وتحديات رهيبة واستطاعت بالعمل المضنى الدؤوب عبر أكثر من ثلاثة عقود أن تترجم تلك الإرادة إلى منظومة موحدة متناغمة لم تهتم بتوحيد اللغة بين شعوبها لكنها نجحت فى توحيد كل ماعدا ذلك..
ويبدو للأسف أن واقع الدول العربية معكوس.. فليس مشتركاً بينها سوى اللغة.. والباقى أحلام تستعصى على التحقيق!!!