الأحد ١٢ اكتوبر ٢٠١٤ -
١٧:
٠٩ ص +02:00 EET
بقلم : يوسف سيدهم
تناولت الأسبوع الماضي السقطة الأمنية في العقاب الجماعي الذي تعرض له أقباط قريةدير جبل الطير-مركز سمالوط-بالمنيا علي أثر احتجاجهم علي صمت الشرطة إزاء اختفاء سيدة قبطية من القرية…وعادت السيدة لكن لم يسدل الستار علي ما ارتكبه الأمن من تجاوزات-يتحتم أن تكون موضع تحقيق تعلن نتيجته-كما فجرت قضية إشهار السيدة المختفية إسلامها قضية أخري مسكوتا عنها منذ نحو عشر سنوات تناولتهاوطني في عددها الماضي وهي قضية عودة جلسات النصح والإرشاد.
ولمن لايعرف ماهيجلسات النصح والإرشاد هي تقليد كان متبعا مع حالات الرغبة في تغيير المسيحيين عقيدتهم وإشهار إسلامهم-وذلك كان مقصورا علي البالغين منهم لأن القصر غير مسموح لهم بذلك-حيث ترتب وزارة الداخلية لقاء يجمع الشخص الذي يرغب في إشهار إسلامه-رجلا كان أو سيدة-مع أحد رجال الدين المسيحي الذي يحاول التعرف علي أسباب ذلك وهل هو نتيجة مشاكل عارضة يمكن تجاوزها أو هو نتيجة اقتناع كامل فيتم الانصياع له…وتشهد السجلات أنجلسات النصح والإرشاد ساهمت بدرجة كبيرة في أن تكون بمثابة صمام أمان ينزع فتيل قنابل موقوتة ويرد حالات أرادت تغيير عقيدتها يأسا من تراكم المشاكل وقامت بحل المشاكل ورد أصحاب الحالات إلي عقيدتهم الأصلية وبالتالي استطاعت تجنيب المجتمع تبعات مريرة ناتجة عن تغيير العقيدة هروبا لا اقتناعا.
أعود وأقول أطلقت قضية سيدة قريةدير جبل الطير صرخات الأقباط والمعنيين بأمور العقيدة وحقوق الإنسان إلي وزير الداخلية لإعادةجلسات النصح والإرشاد إيمانا منهم بأنها لو عقدت لأمكن تلافي اختفاء السيدة وانفجار الموقف وتداعياته المأساوية…علما بأن وزير الداخلية الذي شغل هذا المنصب منذ سنوات عشر هو المسئول عن إيقاف عقد تلك الجلسات من جانب واحد بعد انفجار قضية سابقة معروفة باسمقضية وفاء قسطنطين وتلك قصة أخري ليس هذا مجال الخوض فيها…فما كان من وزير الداخلية الحالي إلا أن صرح بأن عودة جلسات النصح والإرشاد مرهونة بالتنسيق بين الكنيسة والأزهر,وأظن أن إلقاء الوزير للكرة في ملعب الكنيسة والأزهر ماهو إلا محاولة لكسب الوقت لأننا نعرف أن كلا من الأزهر والكنيسة لا يمانعان عودة الجلسات-فالأزهر أكد علي لسان فضيلة الدكتور أحمد الطيب أنه يهمه جدا التحقق من صدق وقناعة من يرغب في إشهار إسلامه, والكنيسة أكدت علي لسان نيافة الأنبا بولا أنها لن تقف في طريق تلك الرغبة الحقيقية بعد فحصها-هذا بالإضافة إلي أن وزير الداخلية يعلم جيدا أن تلك الجلسات كانت تعقد كلما دعت الحاجة إلي ذلك تحت سمع وبصر الأزهر والكنيسة وأن وزارة الداخلية هي التي أوقفتها دون استشارة أحد!!…
ولعل هذا الموقف برمته يضعنا أمام شكل آخر من أشكال سطوة وصلف الأجهزة الأمنية التي كانت سائدة قبل ثورة المصريين والتي لايجب أبدا أن تعود لتطل علينا ونحن نحجم جموح السلطات في مصر الجديدة.
ولكني إذ أناقش تلك الملابسات يهمني أن أوضح أن علاج قضية الراغبين في التحول عن عقيدتهم الأصلية إلي عقيدة أخري لايكمن في إعادة السلطة الأمنية لجلسات النصح والإرشاد إنما في رفع السلطة الأمنية يدها تماما عن جلسات النصح والإرشاد وترك الأمر في يد لجنة تمثل كلا من الأزهر والكنيسة والمجلس القومي لحقوق الإنسان,فالسلطة الأمنية لا دخل لها بذلك ولا يجب أن تكون طرفا في حسم الأمور المرتبطة بتغيير العقيدة…هذا إذا كنا جادين في حصر دور تلك السلطة في تطبيق القانون-تنفيذا للأحكام وليس إصدارا لها- وحماية المصريين جميعا بغض النظر عن انتماءاتهم العقيدية دون الانحياز لطرف علي حساب الطرف الآخر,وتعقب الخارجين علي القانون لتقديمهم للعدالة.
إذا نحن في حاجة ماسة إلي إصدار تشريع لتصحيح الأوضاع السائدة,وفي ذلك عودة إلي الأصل التشريعي الذي صدر 1863 في صورة إفادة خديوية-في عهد الخديوي إسماعيل- تنص علي أنه لايتم قبول تحول شخص إلي الإسلام قبل استحضار قس ومسئول مدني قبطي للتأكد من جدية الطلب وعدم وجود أية شبهة من أي نوع أجبرت هذا الشخص علي تقديم طلبه.هذا كان الأصل التشريعي قبل انقضاض السلطة الأمنية عليه عام1970/1969 وإلزام الراغب في تغيير عقيدته إلي الإسلام بتقديم طلب إلي مديرية الأمن التابع لها لتقوم المديرية بترتيب جلسة بينه وبين واعظ تابع لرئاسته الدينية لإسداء النصح والإرشاد له…لكن المشكلة أن ما بدأته السلطة الأمنية بهذا الانقضاض كان ظاهره مقبولا حتي أعطت لنفسها الحق في إيقافه!!
والآن…ونحن نترقب ماسوف يحدث بشأن عودةجلسات النصح والإرشاد وهل ستعود تحت قبضة وزارة الداخلية أم سيتم تحريرها منها…دعوني أسجل أننا في كل ذلك إنما نجتهد لعلاج الداء باستخدام المخدر بدلا منالدواء …فحتي لو نجحنا في تشكيل مجلسي ديني-مدني يخلو من الوجود الأمني ليعني بأمر تغيير العقيدة ويرتب جلسات النصح والإرشاد سنظل واقفين في موضع الحجر علي حرية العقيدة وتعطيل تلك الحرية المطلقة التي ينص عليها الدستور…فنحن في غمار استغراقنا في حل المشاكل المتفجرة في هذا الخصوص نستدرج نحو العلاج السطحي لها وهو في حالتنا بقاؤنا أسري الإرث البغيض للفرز بين من هو مسلم ومن هو مسيحي!…ما هوية الشخص الدينية في أوراقه الرسمية؟…ماهي حسابات المكسب والخسارة إذا انتقل مسيحي إلي الإسلام أو العكس؟…والحقيقة أننا لاندري أنه بينما نستغرق ونستنزف في ذلك إنما نطعن الدستور وحرية العقيدة وحقوق الإنسان في الصميم.
فلتعدجلسات النصح والإرشاد…ولترفع وزارة الداخلية يدها عن تلك الجلسات …لكني أظل متطلعا إلي اليوم الذي لاتعرف مصرنا الجديدة من المسلم ومن المسيحي ومن اليهودي ومن الذي يعتنق أي عقيدة أخري ومن الذي لايعتنق عقيدة علي الإطلاق…ولا تهتم بتعقبه أو إثنائه عما يعتقد أو إرهابه من أجل ذلك.