بقلم : مهندس عزمي إبراهيم
يوم السبت ١٩ يوليو ٢٠١٤، لأول مرة في تاريخ العراق أنهَت الجماعة الإرهابية الاغتصابية المسماة بـ"الدولة الإسلامية بالعراق وسوريا" واختصارها "داعش" الوجود المسيحي بأكمله في الموصل بالعراق الشقيق. وذلك بعد إعطاء المواطنين المسيحيين بها مهلة لمغادرة البلاد قبل ذاك اليوم، أو الخيار الإسلامي الشهير: الإسلام أو الجزية أو القتل. فَرَّ مسيحيو الموصل حاملين أطفالهم ومرضاهم على أكتافهم، سيراً على الأقدام يوماً كاملاً دون ماء أو غذاء أو دواء، إلى "أربيل" و "دهوك" في أقصى شمال العراق. بعد أن سلبت نقاط تفتيش "داعش" سياراتهم وأموالهم ومتاعهم وملابسهم، وذلك بعد أن قامت "داعش" بسلب ممتلكاتهم وعقاراتهم واعتبارها ملكا ً "للدولة الإسلامية"
هو يوم صعب على مسيحيي العراق، ولكنه يوم مشين لدول الشرق الاسلامي. وإنه لمن المؤسف أن يوجد في القرن الواحد والعشرين من يتبنى هذا العنف والتفكير الاغتصابي والاحتكاري تجاه المواطنين المسيحيين في عقر مواطِنهم. بينما المسلمون الوافدون لبلاد الغرب الإنساني يرتعون فيها بكامل الحرية وبكامل حقوق المواطنة. هذا الجور القبيح يحدث دون اعتراض وتداخل إيجابي جذري من الدول الإسلامية وقادتها بتقديم مساعدات فورية فعلية للعراق العظيم للاحتفاظ بوحدته وسلامه تجاه هذا العار.
وهنا أضع جوهر الحقيقة بين أيدي المسلمين العاقلين العادلين المتنورين المثقفين في الدول الإسلامية المسئولين عن صلاح بلادهم وأمَّتِهم دينياً وسياسياً واجتماعياً وإعلامياً وتعليماً وأمناً وقضاءً.
أبدأ بأن بعضُ المسلمين المعتدلين، وكذلك المتظاهرون بالاعتدال، يحلو لهم تلقيب الجماعات الإرهابية الإسلامية مثل داعش وبوكو حرام والأخوان والقاعدة والسلفيون والجهاديون وحماس وحزب الله وأنصار بيت المقدس، وأنصار السنة، جبهة النصرة، والجماعة الإسلامية، وحركة المجاهدين، وغيرهم، بأنهم "إسلاميين" أو "متأسلمين" تبرءاً منهم. أو على الأقل مُبْدين عدم الرضى عن أعمالهم.
أقول لهؤلاء أن مؤسسي وقادة وأعضاء تلك الجماعات الإرهابية وتفريعاتها التي تفوق المئة ليسوا إسلاميين ولا متأسلمين بل هم مسلمون. وكونهم متعصبين متطرفين لا ينفي أنهم بالحق مسلمون أصلاً ولن تكفي الشعارت والعبارات للتبرؤ منهم. هم بالقطع ليسوا مسيحيين ولا يهود ولا بوذيين ولا هندوس ولا مجوس ولا بهائيين ولا ملحدين، ولا من أي فصيل ممن ينعتهم المسلمون "كَفَـرَة" و"مُشركين" و"أبناء قِردة وخنازير"!!!
إنهم، ومَن يمولونهم بالمال والسلاح والإعلام والآيات "المُنتقاة" مسلمون. رضعوا من ذات الثدي، وشربوا من ذات النبع، وأكلوا من ذات الشجرة. أي درسوا ذات الكتب، ولُقِّنوا ذات الآيات والأحاديث والفتاوي، صحيحها ومَدسوسها، على يد ذات الشيخ المعتدل الذي اختار الإنسانية في الدين سبيلا، وذات الشيخ المتطرف الذي شاء أن ينأى بالدين عن مسار الإنسانية. رغم أن الإنسانية بفضائلها كالعدل والرحمة والأخلاق الطيبة هي جوهر الدين. فمن يحيد عن الانسانية وفضائلها فقد حاد عن روح الدين وجوهره!!
الحقيقة المعروفة لنا جميعاً أن تلك الجماعات لم تخترع التطرف والعنف ولم تبدع الإرهاب وسفك الدماء واغتصاب الأرض والعرض. فهم مقلدون لأشخاصٍ وأحداثٍ كثيرة حملت راية النعرة الدينية المتشددة المتطرفة في فترات متباينة خلال الـ 1400 سنة، ولم تنتج إلا دمار وسفك دماء وتفرقة وتفكك وتخلف لدول الشرق عن ركب البشرية!!
هدأت تلك النعرة الدينية المتشددة في الشرق، وخاصة في مصر في عصر نهضتها، في أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين. ثم بزغت شراراتها ثم اندلاع نارها منذ سبعينات القرن الماضي وحتى اليوم، ففقد الشرق العربي كله روح المباديء الإنسانية وطيب الخلق. فالنعرة أو (الهوجة) الدينية ما هي إلا "أمِّيـَّة دينية" في أسوأ صورها. وهي ليست السبب فقط في انتشار حركات الدمار والتقلبات السياسية والاغتصابية والعدوانية الدموية في الدول العربية الاسلامية، بل هي السبب الرئيسي في التخلف العلمي والتقلص الفكري والثقافي والاضمحلال الانتاجي فالاقتصادي.
ودعنا من إلقاء اللوم "كلـه" في ذلك على "شماعة" الغرب كالمعتاد في تبرير كل سلبي نواجهه، فقد بُلِيَت "الشماعة" من كثرة سوء استعمالها. فتدبير المؤامرت وسفك دماء المسلمين وغير المسلمين التي طالت مواطني شبه الجزيرة العربية وكل جيرانها، بل طالت حتى آل الرسول والصحابة والخلفاء والعلماء والشعراء والمفكرين عامة، أمر يملأ صفحات تاريخ الشرق العربي، في عصور تألق الدول الإسلامية واضمحلالها على السواء. ولم يكن هناك حينئذ تواجد لدول الغرب أو تداخل منها. وإذا كانت أصابع الغرب في العصور الحديثة تلعب بالدول العربية الإسلامية فلأن الغرب يستعمل المغفلين والأغبياء والطامحين والطامعين والخائنين لبلادهم والهادرين لهويات أوطانهم في سبيل أجر أو منصب أو صفقة!!!
*****
المشكلة ومُسَبَّباتها:
ولو بحثنا في أعماق المشكلة لكي نصل إلى مسبباتها تقع أيدينا على أن بالإسلام "أطنـاناً" من القول الحسن والآيات الطيبات التي توصي بالخير والفضائل والأخلاق الكريمة من العدل للإحسان للرحمة للسماحة وغيرها. هذا بينما يوجد أيضاً الكثير مما يحث على العنف والقسوة والغلظة والظلم والسبي والقتل والصلب وقطع الأطراف البشرية. وللأسف قام بعض من يُسَمَون أنفسهم علماء الدين في تعاليمهم بالتركيز على اللا إنساني منها دون الإنساني، بدلا من اختيار "الأطيب". غير مقدرين أنهم يتعاملون مع الإسلام "ديــناَ" وأن روح الدين ونسيجه وعموده الفقري سماحة ومحبة ورحمة وعدل وغفران.
تغافل هؤلاء الفقهاء المتطرفون، وعلماء الإفتاء المتطرف عن قول كتابهم لهم: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعضٍ، فَمَا جَزَاءُ مَن يَفعَلُ ذَلِكَ مِنكُم إلَا خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا ويَومَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلونَ" البقرة : 85.
*****
النقاط الهامة أربعة:
** أولاً: يجب أن يُدرك قادة المسلمين، ملوك ورؤساء الدول والمسئولون فيها دينياً وسياسياً واجتماعياً وإعلامياً وتعليماً وأمناً وقضاءً، أن تلك الجماعات الإسلامية الإرهابية بينما هم يسببون مضايقات للعالم الحر، فضررهم على المسلمين وبلاد المسلمين، وإساءتهم لسُمعة وصورة الإسلام في العالم أكثر وأضخم من ذلك ألاف المرات. فالعالم ينظر إليهم كـ"مسلمين" لا "إسلاميين" ولا "متأسلمين" فلم يعد من الحكمة أو العدل تغطية الإرهاب بحجاب ونقاب وقناع.
** ثانياً: ليس هناك "ديـن" من الأديان السماوية أو غير السماوية، يُحرِّض تابعيه للتفجير والحرق والسبي والغلظة والجزية وسفك دماء الأبرياء المسالمين لمجرد أنهم يدينون بدين آخر أو يتبعون عقيدة أخرى، حتى لو كان الضحايا مشركين وكفاراً وملحدين وعُبّاداً للماء والحجر، والعجل والبقر، والشمس والقمر، والنار والمطر، أو لا يعبدون شيئاً على الإطلاق.
** ثالثاً: هؤلاء الإرهابيون يعتقدون أو يدَّعون أنهم يمتلكون الحق المطلق وأنهم رسل الله في الأرض، وحاملو لواء الإسلام. وما هم إلا تجار دين يربحون من خلفه مالا وأرضاً وسبايا. وهم في الحقيقة أكثر المسيئين للإسلام. ولو ظن هؤلاء أن هناك "ديــن" سيحكم الأرض جميعاً، فهم غارقون في وهم خيال!!
** رابعاً: من الحماقة والغباء أن يظن المسلمون المسئولون عن بلادهم أنهم وبلادهم، ومحض وجودها وحدودها في مأمن من بربرية تلك الجماعات الارهابية الاغتصابية. وما عليهم إلا أن ينظروا إلى ما وصلت إليه السودان واليمن والصومال وأفغانستان، وما يحدث في ليبيا والعراق وسوريا ولبنان، بل ومصر في الثلاث أعوام الماضية وما كادت أن تكون.. لولا لطيف السماء ورحمانها!!!
*****
أفضـل الحلـول:
** أولاً: لقادة الإسلام وشيوخه الأجلاء: لقد حان الوقت أن تفتحوا قلوبكم وعيونكم وعقولكم وأفكاركم وتدركوا أنكم في عصر المشاركة والتعايش وتعدد العقائد والمساواة والاحترام المتبادل. كما قلت أعلاهً، إن في الإسلام أطناناً من الآيات الحسنى التي تحض على الأخلاق والفضيلة والتعايش مع البشرية، لو تتمسكوا بها وتركزوا عليها وتبذروا المبادئ السامية السمحاء، التي في كتابكم، في عقول وقلوب المسلمين جميعاً وخاصة النشء الغض سِناً وإدراكاً وفِكراً وعاطفة!!!
وأن تفرزوا تلك الآيات والأحاديث الغير إنسانية، صحيحها والمشكوك في صحتها. وأن توضحوا للجميع ظروف وملاباسات الصحيح منها، وبأن ليس هناك اليوم ما يدعو إلى تطبيقها. وأن تقوموا بتنقية الأحاديث والفتاوي الغير معقولة أو مقبولة أو غير مناسبة للعصر. لو تفعلوا ذلك تكسبوا راحة وسلاماً واستقراراً وتقدماً لكم ولأوطانكم وأولادكم وأحفادكم.. وللعالم الكبير الذي نحن جزء منه.
** ثانياً: لقادة الدول الإسلامية وساستها الأجلاء: أناشدكم اليوم أن تهُبّوا لإنقاذ العراق ومواطنيه، مهما كانت عقائدهم ومذاهبهم. إننا اليوم في عصر النور العقلي والفكري والتعايش العالمي وخاصة مع من تسمونهم "كفـار"، هذا اللفظ القبيح، في حين أنهم يفتحون لكم ولأبنائكم أحضانهم وعلومهم ومدارسهم ومؤسساتهم ومنتجاتهم ومخترعاتهم وابداعاتهم. فإن تعدِلوا، تسعًدوا وتأمَنوا وتتقدموا!!!
*******
مهندس عزمي إبراهيـم