ماجد سمير
بقلم: ماجد سمير
"هي دي مدارس ياجدعان"
تذكرت الجملة الساخرة التي قالها الفنان الكوميدي الزعيم عادل إمام أثناء قيامة بدور "بهجت الأباصيري" في مسرحية "مدرسة المشاغبين" في سبعينيات القرن الماضي ، لم يكن يتصور فنان الشعب أبدًا حين قال جملتة الشهيرة أن يصل حال التعليم الذي كان وقت عرض المسرحية لا يزال يحمل بقايا أو ربما فتافيت عصر ما قبل الثورة التي أفتت في مناهج التعليم بما يبدلها إلى أي شىء آخر لا علاقة له بالتعليم، وكأن القائم على شئون المناهج وقتها كان حلمه الأساسي أن يعمل "محولجي في السكة الحديد" لا عمل له سوى تحويل مسار القطارات فحقق حلمه الأزلي الأبدي في تحويل عقول الطلبة في كل مراحل التعليم إلى حصالة يتم حشر المواد الصماء فيها بشكل عشوائي؛ فباتت النتيجة الطبيعية تحول المتعلمون من الشعب إلى أناس حافظين مش فاهمين.
ويبدو أن قصة "المحولجي" مستمرة حتى الآن مع تبديل بسيط في المهام وهو تولي "المحولجي" شئون التعليم حيث حمل مشاكل السكك الحديد واضعي مناهج التعليم، فتحول التعليم إلى "الحفظ التام بشرط عدم الفهم" وباتت القطارات تتخبط في بعضها البعض، وبالرغم من شعور الجميع أن التعليم في مصر"قشاش" ويتعطل كثيرًا يخرج علينا المتحدث الرسمي بإسم الوزارة يقنعنا بالدليل القاطع أن العملية التعلمية ليست "إكسبيريس" فقط بل "توربيني"، وربما توجد ثمة علاقة بين "التوربيني" والتعليم قكلاهما يعمل من أجل الأطفال حتى لو كان أحدمها متخصص في أطفال الشوارع.
ويعتبر الحفظ بشرط عدم الفهم هدف حكومي قديم لأن الشخص الحافظ فقط يجعل السلطة "مرتاحة البال تمامًا" فهو منفذ جيد للقرارات دون إعتراض أو مجادلة، وتشابة حروف كلمة منفذ بضم حرف الميم التي تعتبر في عُرف قواعد اللغة العربية "مبني للمجهول" وكلمة "منفذ" بفتح حرف الميم أيضًا ضمن الهدف لأن المواطن الحافظ كما هو منفذ الأولى المبنية للمجهول هو منفذ لبيع وترويج وتوزيع المنتج الحكومي داخليًا للمعارضين وخارجيًا لتحسين صورة الحكومة في الخارج، أما الفاهم فهو يفكر ويعترض ويجادل فضلاً عن أن تفكيره قد يصل إلى حلول لأزمات يصعب على السلطة حلها، وهنا يأتي دور المحولجي الأساسي في إستمرار سياسة الحفظ بشرط عدم الفهم.
وأكمل "الزعيم الأباصيري" جملته الإعتراضية على المدارس قائلا : فين أيام رفاعة الطهطاروي، وترحم عليه مضيفا الله يرحمك ياطهطاوي .... ورغم أن شخصية "الاباصيري" في المسرحية لم تكن سوية، إلا أن الحوار الضاحك أشار مكررًا إسم الطهطاوي ... وقاسم أمين .... وعلي مبارك ...... وصمت قليلاً وقال ساخرًا .... وزكي جمعة ..... و يُحلّق الأباصيري في أوجه زملاءة المشاغبين بالفصل الدراسي متسائلاً بتعجب مين زكي جمعة دا؟!
وباتت شخصية زكي جمعة الخفية المتسقة تمامًا مع شخصية "رقم صفر" الزعيم الخفي في قصص مغامرات الشياطين ال 13 التي أدمن قرائتها كل أبناء جيلي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، تحكم "رقم صفر" أو "زكي جمعة" طوال العقود الماضية في شئون التعليم في مصر بشكل مدهش وساعده في تنفيذ خططة "المحولجية" الذين تولوا شئون تطوير المناهج، وغير -بعيد عن ذاكرة المواطنين- القرار التاريخي باإلغاء الصف السادس ثم قرار عودة الصف السادس، وتصفيق الشعب الحافظ بشرط عدم الفهم في الحالتين على القرارين التاريخيين.
وأعتقد عدد غير قليل من المسئولين عن تطوير التعليم أنه فضلاً عن الحفظ بشرط عدم الفهم، فإن تحويل مواد المرحلة الإعدادية إلي المرحلة الإبتدائية وتدريس مواد المرحلة الثانوية لطبة إعدادي، أما الثانوية فهي طبقًا للمعنى ثانوية أي ليست أساسية فلا أهمية لها، إن هذا هو المنطق أو "المطوي" كما سماه "سعيد صالح أو مرسي الزناتي" في نفس المسرحية وسأل المدرسة مش هو دا المنطق؟ فقالت الأستاذة عفت عبد الكريم "هو .... هو بعينه".
وإستمر "زكي جمعة" أو رقم صفر في خداع الطلبة بمناهج لا علاقة لها بالواقع العالمي ونجح بشكل منقطع النظير في فصل الطالب المصري عن المستوى العالمي للتعليم، وأبسط أنواع الخداع كان وضع صورة الفنان أحمد مظهر في دوره الخالد بفيلم "الناصر صلاح الدين" على أنه "صلاح الدين الأيوبي" على غلاف كتاب الدراسات الإجتماعية للصف الخامس الإبتدائي حتى العام الدراسي الماضي.
وكذالك تدريس شخصية "عيسى الغواض" بمنهج نفس السنة على أنها شخصية حقيقية بالرغم من أنها من إبتكار يوسف شاهين مخرج الفيلم التاريخي الشهير، ذلك طبقًا لما كشفه الزميل "سامح سامي" في تحقيقين نُشر بجريدة الشروق خلال الشهر الجاري.
وقد يخرج علينا "زكي جمعة أو رقم صفر ومساعدوه المحولجية" بتصريح يشير إلى أن إختيار صورة الفنان أحمد مظهر وكذالك إضافة شخصية "العوام السينيمائية" إلى المنهج الدراسي تعود إلى أن منتجة الفيلم المرحومة "أسيا" وهي كما هو معروف للجميع -الكلام لا يزال لزكي جمعة ورجاله- قارة من العالم القديم تدرس في مادة الجغرفيا.
أما موسم "أنفوانزا الخنازير" له مع التعليم وشلة الأنس إياها حكاوي كثيرة بدأت بزيارات ميدانية للمدارس قام بها "يسري الجمل" وزير التربية والتعليم والحاكم في بأمره في شئون "تعليب" المواد وحشرها في عقول التلاميذ، وأمام كاميرات التليفزيون الحكومي إتضح أن كل شىء على مايرام وهو عكس ما أثبتته وسائل الإعلام المستقلة سواء كانت صحافة أو فضائيات أو مواقع اليكترونية، وبعد بدء الموسم الدارسي الذي قرر خلاله الجمل فجأة قسم الفصول الدراسية نصفين كل نصف يدرس ثلاثة أيام ولم ينفذ القرارعلى كل المدارس لحكمة لايعلمها إلا سيادته فقط.
وقرر فجأة تدخل المحليات والمحافظين في التعليم، ربما لأنه أدرك أن سياسة الحشو في المناهج ظهرت عن طريق "بروز" واضح للعين المجردة في دماغ التلاميذ لا يستطيع أن يفتي أمره إلا "إدارة تراخيص المحلات" بالمحافظات والأحياء، وأفتى "ذكي جمعة" بضرورة إضافة التربية الدينية والتربية الفنية ومواد أخرى إلى المجموع في زنقة هذا العام؛ لأن هذه المواد ستزيد من زحام المناهج العشوائي في عقول التلاميذ لتجد إدارة الإشغالات بالمحليات والسادة المحافظين عملاً مناسبًا لحشر أنفهم في التعليم.
ولا يزال طغيان "زكي جمعة" مستمر في التعليم المصري ووزارته المعنية بشأنه لما يزيد عن خمسة وخمسون سنة، وأولياء الأمور من الشعب الغلبان يصرخون من الوضع المأساوي ولسان حالهم يتسأل بشكل صريح ومعلن وعلى الحكومة أن ترد فورا دون أدنى مواربة .....مين زكي جمعة دا؟!.
http://www.copts-united.com/article.php?A=9811&I=258