في نقد السلطة

د. عبد الخالق حسين

بقلم: د. عبدالخالق حسين
"النقد أساس التقدم ونقد الدين أساس كل نقد" – كارل ماركس

لا شك أن أهم واجب من واجبات المثقف هو النقد، وبالأخص نقد السلطة، سواء السلطة السياسية أم السلطة الدينية. فالسلطة بلا نقد تؤدي إلى طغيان الحاكم وفساده، إذ كما قال اللورد أكتون: "السلطة مفسدة والسلطة المطلقة تفسد إفساداً مطلقاً". ولا يمكن تحقيق النقد إلا إذا توفرت حرية التعبير والتفكير، لذلك نعتقد أن السبب الرئيسي لتقدم الغرب يعود بالأساس إلى حرية النقد والمساءلة، وحرية مؤسسات المجتمع المدني وبروح من المسؤولية العالية. كما ويجب التأكيد هنا على أن الحرية المطلقة المنفلتة بلا ضوابط وبلا مسؤولية أخلاقية، لا يعرفها إلا الحيوان. لذلك فنحن نتحدث هنا عن الحرية الملتزمة بالمسؤولية. فالحرية تضع على عاتق الإنسان مسؤولية كبرى، مسؤولية قراراته، ولذلك لا يمكن للإنسان أن ينمو نمواً طبيعياً خال من العقد النفسية والانحرافات الأخلاقية إلا إذا عاش في بيئة تمارس فيها الحرية في ظل نظام ديمقراطي حر.
وإنصافاً للحق، نعتقد أن الحرية متوفرة الآن في العراق أكثر من أي وقت آخر في تاريخه وأكثر من أي بلد آخر في العالم الثالث، بدليل وجود عشرات الفضائيات التلفزيونية والمحطات الإذاعية، ومئات الصحف المطبوعة والإلكترونية، معظمها تابعة للقطاع الخاص، إضافة إلى وجود مئات التنظيمات والكيانات السياسية، والألوف من منظمات المجتمع المدني. وإذا كانت هناك مشاكل جراء هذه الحرية، فالسبب أن المجتمع العراقي لم يمارس هذه الحرية من قبل في تاريخه المكتوب، وبالأخص خلال الأربعين عاماً من حكم التيار القومي العروبي- البعثي، لذلك عندما انتقل عام 2003 وبشكل مفاجئ من حكم الاستبداد الفاشي المطلق إلى الحريات الواسعة المنفلتة في أول الأمر، واجه مشاكل كثيرة، ولكن هناك مؤشرات تبشر بالخير تشير إلى أن العراقيين بدؤوا يتعلمون بسرعة ممارسة الحرية، وقواعد لعبة الديمقراطية.

نقد أم خصام؟
يجب أن نميز بين النقد والخصام، إذ هناك فرق كبير بين الإثنين. فالغرض من النقد هو الإصلاح وتوجيه الحكام وغيرهم من المسؤولين الإداريين من أجل تجنب الفساد والطغيان وتصحيح الأخطاء ودفع عجلة التقدم إلى الأمام. أما الخصام فغرضه الإقصاء والإلغاء ونفي الآخر وحتى إبادته. وهناك كتاب للراحل طه حسين بعنوان (نقد وخصام) حيث اتخذ النقد في البلاد العربية وحتى في مجال الفكر والأدب، أسلوب العداء والخصومة وإلغاء الآخر وليس تقويم الاعوجاج وتصحيح الأخطاء وبنوايا حسنة.
ولو أمعنا النظر في موروثنا السياسي- الثقافي العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 وإلى الآن، لم نجد فيه نقد بالمعنى المعجمي للكلمة، بل خصومة وعداوة مستفحلة شديدة، هدفها إبادة الآخر وذلك عن طريق تبادل الاتهامات بالتحقير والتخوين ونعت الآخر بالعمالة للأجنبي... إلى آخر القائمة، وخاصة بين المعارضة والسلطة. والسبب في هذه الظاهرة المتأصلة في المجتمع العراقي، وكما بينا في مناسبات سابقة، هو ما ناله الشعب من مظالم مستمرة على أيدي الحكومات المتعاقبة منذ التاريخ المدون وإلى سقوط حكم البعث الفاشي عام 2003. وقد وصلت هذه الحالة إلى عامة الشعب إلى حد أن  صار العداء للحكومة شرط من شروط الوطنية، وتأييد الحكومة في موقف ما، يعتبر خيانة وطنية حتى ولو كان هذا الموقف في صالح الشعب والوطن. ولذلك فنحن أمام موروث سياسي- ثقافي- اجتماعي معقد وخطير، يفرض على المثقف أن يكون عدواً لدوداً باستمرار للسلطة وفي جميع الأحوال، بغض النظر عن كون هذه السلطة شرعية عادلة، أو مغتصبة جائرة، وهذه الظاهرة لا شك أنها تؤدي إلى حرق الأخضر واليابس، وتهدد بالدمار لا البناء، وبالخراب لا الإصلاح، ولعب دوراً كبيراً في عدم استقرار الدولة العراقية الحديثة. ولذلك نرى الكثير من المثقفين الآن في مزايدات علنية على الوطنية فيما بينهم عن طريق التهجم على السلطة وشتمها لا نقدها، في الحق والباطل.

تقييم أم مديح؟
بعد عودتي من زيارة قصيرة لبغداد الحبيبة في الأسبوع الأول من تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، نشرت مقالاً بعنوان: (رحلة إلى بغداد بعد 30 عاماً) أبديت فيه انطباعاتي عما شاهدته من إيجابيات وسلبيات. وعلى العموم، أبرزت فيه الجانب المشرق، حيث أعطيت صورة واعدة بالأمل في انتصار العملية الديمقراطية الناشئة، ودحر الإرهاب ومن يقف وراءه. ولكن يبدو أن هناك أناس، ولمختلف المقاصد والغايات، الجيدة والسيئة، أدمنوا على سماع الأخبار السيئة فقط عن العراق، عراق ليس فيه غير القتل والانفجارات والمفخخات والإرهاب والفساد، عراق خرائب وأنقاض ينعق فيه البوم، كما تنبأ له صدام حسين (خرائب بلا بشر) ويسعى أيتامه لتحقيق نبوءته الشريرة هذه، لذا يتوقعون منك كمثقف، عدم الإشارة إلى أية علامة إيجابية فيه. وإذا ما تجرأت وذكرت شيئاً من الإيجابيات، فسرعان ما تنهال عليك الاتهامات الجاهزة، بأن تم تدجينك من قبل الحكومة "الطائفية العميلة" خلال سفرتك  وصرت من مثقفي السلطة.
والجدير بالذكر، أني لست الوحيد الذي "ارتكب جريمة" ذكر الإيجابيات في العراق الجديد، بل هناك كثيرون، وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، الدكتور فاروق رضاعة في مقال له بعنوان (أربعة أيام في بغداد - جريدة ايلاف اليومية الإلكترونية ) عن نفس الرحلة، فذكر الكثير من الإيجابيات. كذلك وصلتني رسالة الأستاذ حمزة الجواهري إلى الصديق نوري العلي، رئيس تحرير صحيفة (الأخبار) الإلكترونية والذي بدوره سمح لي مشكوراً للإطلاع عليها ونشرها إذا شئت، جاء فيها: ((أكتب لك هذه المرة بشكل خاص من بغداد بعد أن استقر بي المقام فيها منذ حوالي شهرين بعد أن قررت إنهاء غربة طالت31 سنة متواصلة. هذه المرة ليست مجرد زيارة كسابقاتها، لذا أجد نفسي مرغما النظر لها بواقعية أكثر من السابق: بغداد كما هي فيها الحلو والمر، وفيها الخير والشر كباقي بقاع الأرض وفيها الحب والجمال وفيها الكراهية أيضا والقبح، صحيح أن معظم شوارعها رثة ولكن يملؤها الجمال، وصحيح أيضا فيها الحرامية ينفرون العائد من غربته، لكن فيها أيضا من يأخذ بأيديهم ويمسح عن وجوههم وعثاء السفر، فيها كل المتناقضات التي خلقها الله متعايشة بلا قمع لأي منها، لذا تراها بوضوح، فهي بهذا لا تختلف عن باقي بقاع الأرض كما يحاول البعض أن يصورها، كل المظاهر التي تحدثوا عنها صحيحة لكنهم لم يظهروا الجانب المضيء للقمر، فالبدائل دائما موجودة ويسيرة جدا في كثير من الأحيان.)) كما وأيد الأستاذ حمزة الجواهري ما جاء في مقالي المشار إليه أعلاه. فنبهت الأخ حمزة أن يهيئ نفسه لتلقي الاتهامات!!
ولو أمعنا النظر في مقال الدكتور فاروق ورسالة الأخ حمزة، وكذلك في مقالاتي، لم نجد أي مديح أو ثناء للحكومة، بل حاولنا قدر الإمكان تقييم الوضع بحيادية، وإبراز ما فيه من إيجابيات وسلبيات على حد سواء، خلافاً للإعلام العربي المنحاز ضد العراق الجديد الذي ينكر الإيجابيات ويضخم السلبيات ويختلق المزيد منها.

مشاكل العراق
نعم، العراق يواجه مشاكل كثيرة متراكمة ومعظمها تركات ثقيلة من مخلفات البعث والحكومات المتعاقبة السابقة، لا يمكن حلها وإزالة آثارها المدمرة بين عشية وضحاها، وإن ستة أو سبعة أعوام، فترة قصيرة في عمر الشعوب وحسابات التاريخ، خاصة وإن العهد الجديد، وأياً كان في السلطة، إسلامي أو علماني، تكنوقراط أو سياسيين، يواجه عدواً شرساً مثل فلول البعث الصدامي، يتمتعون بخبرة واسعة وإمكانيات هائلة في التخريب والتدمير والتضليل والقتل، المتحالف مع الإرهاب القاعدي الوهابي التكفيري، المؤمن بأيديولوجية تبرر له إبادة شعب تقرباً إلى الله تعالى، وهذا التحالف مدعوم من قبل العديد من دول الجوار التي تعمل على وأد الديمقراطية الناشئة وهي في مهدها خوفاً من وصول عدواها إلى شعوبهم. والمؤسف أنه لحد الآن نجحت وسائل الإعلام المضاد للعراق في خلق بلبلة فكرية، بل وحتى في (تجيير الأخيار لخدمة الأشرار).
كما وللبعث خبرة واسعة وعميقة في توظيف التراث العربي- الإسلامي لتشويه الحقيقة، واستخدام التنوع المذهبي والقومي لإثارة الفتنة، والطعن بعراقية وانتماء نحو 60% من الشعب العراقي، إضافة استغلال البعث لذهنية شريحة واسعة من المجتمع العراقي تتأثر بسهولة بالأكاذيب والافتراءات ونشر الإشاعة وتصديقها باسم الوطنية، بل وحتى باسم الديمقراطية ومحاربة الطائفية. إذ كما أشار الدكتور جابر حبيب جابر، إلى هذه النقطة في مقال له بعنوان (طائفية اللاطائفيين) جاء فيه: «... فالوطنية عند هؤلاء عوراء لا ترى إلا جانبا واحدا من الصورة، إنها وطنية تعتبر 60% من الشعب العراقي متخلفين ولطامين و«صفويين» و«شروكية» ومشكوكا ولاؤهم للعراق، أي أنها مقدما تلغي «الشعب» من معيارها للوطنية، ولا أعرف ماذا يبقى من العراق بدون العراقيين، وكيف يمكن أن نقول مثلا إن ألمانيا أمة عظيمة لو تخلصت من الألمان! ولكنها مجددا مقاييس عالمنا الشرق أوسطي العتيد، حيث تحولت القبائل والطوائف إلى دول ويراد لشعوبها أن تتصرف كأمم حديثة وهي ما زالت تحت سطوة عقلية القبيلة.» (الشرق الأوسط، 1/11/2009) 

تصاعد موجة الافتراءات
نحن لسنا ضد نقد السلطة أو أية جهة إذا ما ارتكبت أخطاءً كما بينا أعلاه، ولكن يجب في نفس الوقت أن يكون النقد ضد أخطاء وتجاوزات حقيقية وليس تلفيق افتراءات ضد السلطة ونطالب الآخرين بتصديقها وركوب الموجة في التخوين والتحقير والصراخ بالويل والثبور وعظائم الأمور. إن هذا الأسلوب يدل على الخفة وعدم احترام الذات. إذ لدي قائمة من هذه الأخطاء الحقيقية (وليست ملفقة) استلمتها من أصدقاء حريصين على العراق واستقراره، سأخصص لها مقالاً مستقلاً أنتقد فيها السلطة والإدارة عليها، وبروح من المسؤولية وليس بدافع الانتقام. ولكن علينا أن نفرق بين الأخطاء الحقيقية والافتراءات الملفقة.
إذ قرأنا في الآونة الأخيرة سيلاً من هذه الافتراءات، تم نشرها على مواقع الانترنت وتوزيعها عن طريق الإيميلات من أناس بينهم لا يمكن الشك في وطنيتهم وإخلاصهم للعراق، ومن هذه الافتراءات على سبيل المثال لا الحصر، تقارير تحمل العناوين التالية:
- عاجل... حجز صهر المالكي في مطار دبي ومعه اثار عراقية مهربة- شبكة البصرة
- صهر المالكي، يصفع السفير الصميدعي في واشنطن- نسب الخبر إلى وكالة براثا،
وغيره كثير..
طبعاً لم نصدق هذه التقارير لحظة استلامها، إذ ليس من المعقول أن تحصل حوادث بهذه البشاعة دون أن تهتم بها وكالات أنباء مشهورة ومحترمة مثل الرويترز، والبي بي سي وغيرهما، بل وحتى العربية منها التي تترصد أية مشكلة ضد المالكي لتضخمها وتنشرها على جميع الموجات. لذلك وجدنا أنفسنا كمثقفين يشعرون بمسؤولية أخلاقية أمام شعبهم، أدركنا أن الغاية من هذه الافتراءات معروفة، وهي إلصاق الأكاذيب والتهم الباطلة بالحكومة وإظهارها بالشر المطلق. وهي إهانة لذكاء الشعب العراقي، ناهيك عن ذكاء وفطنة المثقف المفروض به إعمال العقل والوعي والضمير في التعامل مع هذه الأخبار الملفقة وحماية الرأي العام من التضليل. كما وتلقيت الكثير من الرسائل ومعها هذه التقارير الكاذبة، يسألونني عن رأيي بها، فكنت من الذين نبهوا بعدم تصديقها، وكتبت مقالاً بهذا الخصوص بعنوان: (الكذب ديدنْ البعث)، ولكن مع الأسف الشديد فسر البعض موقفنا في تفنيد الافتراءات دفاعاً عن "الحكومة الطائفية العميلة"، بل وعلق أحدهم بأسف شديد أن (عبدالخالق رايح زايد في دعمه للحكومة منذ زيارته الأخيرة إلى بغداد!!!)
كذلك وصلتني رسالة من القارئ (م. ش - بغداد) جاء فيها: "اعتدنا أن نقرأ لك كل جميل وجديد وعميق، لكننا – قراءك – لاحظنا تحولك المفاجئ إلى الكتابات التعبوية المباشرة الداعمة للحكومة بحق وبدون حق خاصة بعد زيارتك إلى العراق .... ولكن نرجوك أن تعود إلى سابق عهدك كاتبا حرا خدمة لتأريخك الشخصي وليس لنا فقط ". لا اعتقد أن هذا الثناء بريء، بل هو من باب: " شيِّم البدوي وخذ عباته!!". فالشيء الوحيد الذي يرضي الأخ صاحب الرسالة وأمثاله هو أن أنضم إلى جوقة الكذابين في شتم المالكي وحكومته، مؤيداً كل ما ينشر من افتراءات، أو أقف على التل، مكتوف اليدين، وهذه السياسة ليست خاطئة فحسب، بل جريمة بحق الشعب والحقيقة.
إن الموقف اللا أبالي من الافتراءات ووقوف الأخيار على التل، ساهم كثيراً في تدمير العراق، وتاريخنا القريب مليء بهذه المواقف اللا أبالية المؤسفة. ففي عهد حكومة ثورة 14 تموز بقيادة الزعيم عبدالكريم قاسم، خلق أعداء العراق وضعاً مشابهاً لما نواجهه اليوم، حيث تكالبت عليه وتحالفت ضده دول الجوار والتيار القومي العروبي الناصري والبعثي، فوقف الأخيار على التل متفرجين، مما فسح المجال لنفر قليل من البلطجية البعثية وحلفاؤهم أن يسقطوا حكومة وطنية تتمتع بأوسع شعبية في تاريخ العراق، واغتيال قيادتها الوطنية بكل خسة ودناءة في 8 شباط 1963، ومنذ ذلك اليوم أدخل العراق في نفق مظلم يدفع الشعب ثمنه الباهظ حتى الآن. وهو نفس الموقف اللا أبالي الذي سمح لعدد قليل من الضباط الخونة أن يسقطوا حكومة عبدالرحمن عارف الوطنية المسالمة عام 1968، وبتآمر من البعث الفاشي. ونفس اللعبة القذرة تتكرر الآن وتحت مختلف الواجهات والاتهامات. وعندما ننبههم بمغبة هذه المواقف المتخاذلة، يتهموننا بأننا (رايحين زايد مع الحكومة!!). أيها السادة فكروا بالبديل قبل أن تسقطوا أية حكومة.
من المؤسف القول، إن ما يجري اليوم هو ليس في تحييد الأخيار فحسب، بل ونجحوا في دفع البعض من ألخيار للوقوف إلى جانب الأشرار ودون وعيهم، وذلك بقيامهم بنشر سموم الأشرار وافتراءاتهم، وانتقاد كل من يرفض أخذ الموقف الرافض لموقف فلول البعث.
ومن نافلة القول، أن الحياد بين الخير والشر هو دائماً في صالح الشر. وتأسيساً على هذا المنطق، فإن تحييد الوطنيين الأخيار هو في صالح البعثيين الأشرار وحلفائهم التكفيريين. إن بعض العلمانيين الديمقراطيين يحاربون حكومة المالكي بحجة أن المالكي هو "إسلامي للعظم" لأنه رئيس حزب الدعوة الإسلامية. قلنا مراراً وتكراراً أن لا يجب أن يتصور الديمقراطيون العلمانيون بأن البديل عن حكومة المالكي، إذا ما نجحوا في إسقاطها، هو مجيء حكومة "ديمقراطية علمانية للعظم"، فالديمقراطيون العلمانيون منقسمون على أنفسهم إلى أكثر من 400 كيان سياسي صغير، ولذلك فرطوا بمليونين وربع مليون صوت من أصوات الناخبين الذي صوتوا لهم في انتخابات مجالس المحافظات بسبب هذا الانقسام، لذا فالبديل عن حكومة المالكي في هذه الظروف المعقدة هو إما نظام إسلامي أكثر تشدداً، أو البعث الفاشي وحلفائه وتحت مختلف الأسماء والمسميات في بداية الأمر. لذا نرى أن من واجبنا الوطني دعم المالكي لأنه إسلامي معتدل، وإنه يحث الخطى لبناء دولة مدنية أي علمانية.

مخطط البعث
إن مخطط البعث خبيث ورهيب كما بينا أعلاه. فهم يهيئون الأرضية الآن بحملة شرسة واسعة ومستمرة من الأكاذيب لتشويه سمعة المالكي وحكومته "الطائفية العميلة" ، يقدمون أنفسهم تحت مسميات مختلفة براقة خادعة من الوطنية والديمقراطية، ومعهم عدد من الناس غير البعثيين، يستخدمونهم كواجهة مرحلية لتمهيد الوضع للعودة الكاملة، تماماً كما حصل في انقلابهم "الأبيض" يوم 17 تموز 1968، حيث أعلنوا حكومة خليطة من شخصيات وطنية مستقلة، ولكن بعد أقل من أسبوعين، انقلبوا على من أتوا بهم للحكم وكشفوا عن حقيقتهم يوم 30 تموز، فأزاحوهم ولاحقوا العديد منهم قتلاً في داخل العراق وخارجه، إلى أن أحكموا قبضتهم على جميع مرافق الدولة والمجتمع في العراق. كما وعقدوا التحالفات أيام ضعفهم مع مختلف القوى الوطنية، وما أن أثبتوا سيطرتهم على الحكم، وتأكدوا من قوتهم حتى انقلبوا على تلك القوى وأشبعوهم قتلاً وتشريداً.
فالبعث يتمتع بخبرة واسعة في الخبث والدهاء والقدرة على التلون والتكيف وفق الظروف المستجدة، واستغلالها لصالحه، وإذا كان اعتماد التآمر والانقلابات هو أسلوبه المفضل لاغتصاب السلطة في الماضي، فهناك مؤشرات الآن في تبني تكتيكات جديدة تمهد له بالعودة عن طريق الانتخابات وذلك بعقد تحالفات وتشكيل تنظيمات تحت مختلف الأسماء والمسميات للتمويه وخدع الجماهير والعودة إلى الحكم من الأبواب الخلفية، بل وعن طريق البرلمان، ومن ثم الانقلاب على من ساعدهم من المخدوعين، والعودة إلى استخدام القوة الغاشمة في اغتصاب السلطة كاملة، فتاريخهم مليء بالتحالفات مع مختلف القوى ثم الإجهاز عليها وتصفيتها تحت مختلف الاتهامات والذرائع.
لذلك نعتقد أن من واجب الأخيار عدم الوقوف على التل متفرجين إزاء هذه الطبخة الشريرة ضد الشعب والوطن. إذ كما قال الفيلسوف الأيرلندي، إدموند بيرك: "كلما يحتاجه الشر لينتصر، هو أن يقف الأخيار لا يعملون شيئاً". 
ـــــــــــــــــ
العنوان الإلكتروني: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
الموقع الشخصي للكاتب:  http://www.abdulkhaliqhussein.com/

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع