أئمة الشر

بقلم ثروت الخرباوي

هم مجرد أدوات أو عرائس خشبية يحركها اللاعبون من وراء الستار، وسيظل اللاعب الأكبر متحكما في مسارها على المسرح، لن ينفعل أحد بتدنيس المسجد الأقصى، سيستمرون على ما كانوا عليه اذ كانوا في المعارضة، الصراخ، والتشنج، أما في الغرف المغلقة فالأقداح تلتقي وتتقابل بمودة، من ذا الذي قال لهؤلاء السذج ان القدس عروس الاخوان، القدس لعبة من أجل وصولهم للحكم.
 
وأظن أننا الآن في ختام أحد المشاهد السياسية، مشهد الختام الذي يظهر على شاشة العالم كله، تلك الشاشة التي احتوت على كل المشاهد ولم تغفل منها شيئا، يظهر فيه العم سام في مقدمة الصورة، مرتديا سترته الزرقاء وقبعته الشهيرة، يربت العم سام بيده على رأس الأسد البريطاني الذي استكان قابعا بجواره، وأمامهما خريطة العالم منبسطة، وفي منطقة خلابة وآخذة من الخريطة تقع منطقة تحمل رائحة الزمن، كانوا فيما مضى يطلقون عليها «العالم القديم مهد الحضارات ومهد جميع الأديان» الا أنها تخلت عن شموخها فأصبحت من جملة دول العالم الثالث الذي لم تبلغ الحلم بعد، وحين وقعت هذه المنطقة في أسر واحتلال «العالم الجديد» صاحب الشعر الأصفر والعيون الزرقاء وما كينات الحضارة، اذا بهذا العالم الجديد يطلق على هذه المنطقة مهيضة الجناح «الشرق الأوسط».
 
كانت نظرات العم سام لهذه البقعة من الخريطة ثاقبة، وكانت نظرات الأسد البريطاني مترقبة، وكأنه ينتظر الأوامر من صاحبه، كيف سنفترس تلك البلاد؟ وكيف سنلتهم ثرواتها وكنوزها، يظهر العم سام وهو يمد يديه الى الأمام وكأنه ساحر يمسك بعصاه السحرية، والعصا تخرج منها شذرات سحرية.
 
تقترب الصورة من منطقة الشرق الأوسط، فاذا بنا نرى تيجانا، وعروشا، وجيوشا، ومزارع، وجبالا، وأنهارا، ومناجم، ومصافي نفط، وصولجانات، وعمائم، وطرابيش، وجلابيب، ومساجد، وكنائس، ومعابد، وشيوخا، وأفندية.
 
تتحرك عصا العم سام السحرية، فاذا بجيوش تشتبك مع جيوش، وجيوش تتحرك صوب دول لتحتلها، وعروش تسقط، وعمائم سوداء تجلس بدلا منها على كرسي الحكم، ثم اذا بهذه العمائم تهوي بمطرقة فوق رؤوس الجلابيب البيضاء، والجلابيب تريد ان تتقي خطر العمائم السوداء، فتصب للعم سام النفط في أنبوب ضخم يتصل بقبعته، لعله يحول بينها وبين المطرقة التي تهوي على رؤوسها، وبالقرب منها طرابيش تشتبك مع عمائم أزهرية، وأفندية يشتبكون مع أصحاب الغترة والعقال، وأصحاب لحى خفيفة يشتبكون مع الجميع، ويتوددون الى أصحاب العمائم السوداء، ثم ثورات تقوم، وجماهير تصيح، وأصحاب اللحى الخفيفة يركبون على ظهورهم، ليصلوا الى كرسي الحكم، فاذا وصلوا قاموا برفس الجماهير التي أوصلتهم، ويشتبك الجميع مع الجميع.
 
وحال ذلك يظهر في الصورة صاحب لحية خفيفة منمقة له أكثر من يد، باليد الأولى يقطع بلدا سمراء بسكين كبير فتنقسم البلد بلدين، ويمسك بيده الأخرى سيفا على وشك ان يهوي به على بلد آخر ليقسمها، ويمسك بيد ثالثة رقاب بعض الأفندية ليخنقهم، ويحمل قنبلة في اليد الرابعة يلقي بها فوق الكنائس، ويرفع يده الخامسة ليعانق بها اليد الثانية لصاحب العمامة السوداء، والكل ينظر وقتئذ للأمام تجاه العم سام وأسده القابع بجواره، يرجون منه اسباغ حمايته عليهم، لا ينظرون وراء ظهورهم لبعض لصوص يرتدون أقنعة سوداء على عيونهم، وهم يعبئون الذهب في أجولة يضعونها في سفن وطائرات متجهة صوب العم سام، وفي جانب من هذا المشهد حاخام يجلس هادئا على قبة المسجد الأقصى، فتنحني القبة من ثقله، ويقف أسفل القبة بعض رجال يحملون دبابيس صغيرة يحاولون بها ازاحة «مؤخرة الحاخام» المتربعة فوق القبة، ولكن الحاخام لا يشعر بشيء، بل تند عنه ابتسامة خفيفة، وتستمر عصا العم سام في اخراج الشرر السحري، فيستمر الجميع في ذات الحركة، وفي الحركة بركة، للعم سام والحاخم والأسد العجوز.

نقلاً عن وكالة أونا

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع