بقلم: ريتا عودة
الأربعاء 27-10-2009
استيقظتُ. ككلّ صباح، رفعت الستارة عن النافذة وككل مساء أرخيتها فوقها وبين صباح ومساء رحتُ أغوص داخلي بحثا عنّي. نمتْ.
الخميس 28-10-2009
استيقظتُ. حاولتُ أن أرى العالم في حبّة رَمْل. رأيتُ كل الخليقة تئن وتتمخض معًا إلى الآن. نمتْ.
الجمعة 30-10-2009
استيقظتُ. إلتفتُّ إلى كل الأدب الذي كتبته والى التعب الذي تعبت، والمكانة التي وصلت إليها فإذا الكل باطل وقبض الرّيح ولا منفعة تحت الشمس. المبدع يبقى وحيدًا لأنّه لا يتنازل ولا يُساوم أو يجامل. طمأنتُ نفسي ونمتْ.
السبت 31-10-2009
استيقظتُ. تناولتُ رواية "الخيميائي" للبرازيلي باولو كويلو. قرأتُ: " عندما ترغب في شيء ما، فإنّ الكون بأسره يطاوعك على القيام بتحقيق رغبتك." رحتُ أقرأ وأهجسُ بأسطورتي الشخصية، الكتابة، وعلامات الطريق، والحلم الذي قد نرحل بعيدا للبحث عنه بينما هو في متناول يدنا. تذكرت قول للأديبة أحلام مستغانمي: "أجمل حب هو الذي نعثر عليه أثناء بحثنا عن شيء آخر". الحبّ .. ردّدتُ الكلمة بضعف ٍ أنثويّ. فتحتُ المذياع، إرتفعَ تغريدُ فيروز:
"أنا عندي حنين ما بعرف لمين، ليليـِّة بيخطفني من بين السهرانين. بصير يمشيني لبعيد يوديني تأعرف لمين وما بعرف لمين...." . تملكتني نوبة شجن. ترقرقَ الدمعُ في عينيّ. أغلقتُ المذياع. أغلقتُ الكتابَ. بكيتُ بشدّة ونمتْ.
الأحد 1-11-2009
استيقظتُ. فتحتُ النافذة. استقبلتُ رائحةَ الأرض بعد المطر الأوّل بحفاوة. حمل نسيمُ اليوم الأوّل من تشرين الثاني تغريد فيروز من الأفق البعيد:
" مرقت الغريبة عطيتني رسالة ، كتبها حبيبي بالدمع الحزين، فتحت الرسالة حروفها ضايعين، و مرقت أيام و غربتنا سنين، وحروف الرسالة محيها الشتي."
هرعت إلى الحاسوب. بدأت أنتقل من رسالة الكترونية إلى أخرى، إلى أن اصطادتني رسالة من مجهول، بعنوان "إلى مبدعتي.. جنوني". راحت عيناي تقفزان فوق السطور:
" كنتِ أجمل جنون مرّ في حياتي. أنتِ انثى لا تنسى، وشاعرة مسكونة بالتوهج. أنتِ مبدعة متميزة وجميلة وكاتبة من طراز فريد نقي. إبداعك مثل الثلج. أنتِ مبدعة نادرة الوجود. أنتِ انثى رومانسية، تفيضُ جنونا وحنانا وانسانيّة، لذلك أحبّك.....".
توقفتُ عن القراءة. بسرعة البرقِ، انتقلتُ إلى آخر الرسالة. سطع نورٌ فوق حروف اسمه. خفق قلبي بعنف. عدتُ للرسالة: "أنتِ جنوني القديم الجديد. كوني لي. إيّاكِ ألاّ تكوني.". شعرتُ كأنّ صخرةً ضخمةً هوَتْ من صدري وتركتْ فراغًا مرعبًا. هرعتُ إلى النافذة. أخذتُ أتنفس بعمق. لا بدّ أن أتمالك نفسي. هو ينتظر ردًا، لا يدري أني أعاني الآن من نوبة هذيان أنثويّ. كيف أصدّ رجلا حوّلته تلك "النكبة العاطفية" من فارس الحلم إلى شبح. منذ سنوات كنّا في طور المراهقة، تطيرُ أحلامنا كطائراتِ الورق، في الفضاء الرّحب. كنّا نتنافس في كتابة قصائدنا على قرص الشّمس. كانت الأيامُ عذبة ً والقلوبُ عامرة ً بالشوق.
ذاتَ نكبة، نزح مع النازحين، وبقيتُ في الوطن وحيدة ً، أمضغُ الأيامَ كفأر ٍ يمضغُ جبلاً. تاه عنّي، وعن نفسي تهتُ. آه، ماذا أقولُ له وقد جاء يسألني إن كنت أهواه. !! كلّ شئ تغيّر.!! الظروفُ تغيرتْ. نحن تغيّرنا. هل حقًا بقي الحلمُ على حاله بعدما صادره الإحتلال..؟! أليستْ الحياة ُ كمسرح ِ العبث ِ، تأتيكَ بالحلم في الزمن الخطأ والمكان الخطأ.
استيقظتُ من هلوساتي الأنثوية على ضجيج الأولاد وهم يستقبلون الصباح بطلباتهم. شاي.. سكر.. حليب.. ثياب المدرسة.. المصروف اليوميّ. هرعتُ إلى المطبخ، أعدُّ القهوة َ لزوجي. ناولتـُه فاتورتيّ الكهرباء والماء وهو على عتبة البيت في طريقه إلى العمل.
عدتُ للحاسوب. أرسلتُ الرسالة إلى سلة المحذوفات. من الأفضل له ألاّ يدركَ أنَّ الرسالةَ وصلتْ. كم تبدو الحياة بائسة حين تفقد حلما. قبضتُ على دفتر المذكراتِ وألقيتـُهُ في سلّةِ المهملات. تناولتُ كوبي المفضل. سكبتُ الشّايَ الساخنَ فيه ورحتُ أتأملُ بوجعٍ صورة َ روميو وجولييت على زجاجهِ. انشغلتُ بنفض ِ الغبارِ عن أثاثِ المنزل وأنا أدندن: " انساني يا حبيبي..".
تلك الليلة، حاولت عبثا أن أستسلم للنوم. ظلّ النوم عصيّا على عينيّ إلى أن لعنتُ كافكا في سرّي، وبعمق ٍ نــِــمـْــت ُ...
نقلاًعن الحوار المتمدن
http://www.copts-united.com/article.php?A=9515&I=251