فرانسوا باسيلي
بقلم: فرانسوا باسيلي
منذ ثلاث سنوات قمت بنشر مقال في جريدة القدس العربي ادعو إلي تنصيب الرئيس مبارك ملكًا على مصر. وحيث إن التوريث مازال هو هم المثقفين المصريين اليوم دون نور يسطع في نهاية هذا النفق أجدد هنا دعوتي لعل أن يكون لها قبول.
لأن الحالة المرضية - من المرض وليس الرضا - التي أصبحت عليها النظم العربية والمجتمعات العربية القابعة تحتها ، مستعصية على الحلول العادية أو حتى غير العادية ، وأصبحنا فى حالة لم تعد تجدي معها الكتابات الجادة الرصينة التى تحاول إجراء الفحوصات والتحاليل الدقيقة وتقديم المقترحات والحلول المحكمة، فكرت فى أن أكتب بأسلوب مختلف عن كتاباتى الجادة السابقة ، أن أكتب بشكل يكون أكثر تماهيًا مع الواقع العربي، ولايقل بهلوانية عن أساليب النظم العربية المدهشة؛ من أجل الاحتفاظ بكراسيها وتوريثها لأولادها.
لذلك فسأكتب مقالي هذا بإسلوب يقع بين الجد والهزل، أو يمزج بينهما فى نفس اللحظة ونفس اللفظة. وسأقدم بهذا الإسلوب دعوة ارجو مخلصًا من الجميع- حكاما ومحكومين-أن يولوها ماتستحق من تأمل وتمعن ثم اعتناق.
ولكننى لا بد أن أقدم تحذيرًا هامًا فى هذا المجال. إذ ارجو الا تؤدي نبرة الهزل والمسخرة التى فى فكرتي هذه الى أن يغفل القارئ عما بها من خطورة وأمل فى الانقاذ والتغيير، قد يكون هو الأخير المتاح لهذه الأمة فى ايامنا هذه.
كما اننى أرجو ألا يأخذ القارئ دعوتي هذه على محمل الجد الخالص ، مهددًا مابها من هزل أساسى لايمكن الإستهتار به أو التخلى عنه مهما كانت الضغوط الدولية أو المؤامرات العالمية المعهودة.
هذا في الوقت الذى لايكف الوسط السياسي، والاعلامي المصري عن الحديث عن موضوع التوريث المعد لكى يخلف السيد جمال مبارك والده، بعد أن يكمل الوالد ثلاثين عامًا فى حكم مصر فى نهاية دورته الحالية وقبلها عشر سنوات كنائب للرئيس، ثم يأتى ابنه من بعده.
الفكرة والدعوة
اننى أمام حالات التمديد والتوريث المتفشية، والسائدة فى إفتضاح وعلانية وإستهزاء بالجميع فى كافة الجمهوريات العربية، والتى فشلت معها كل وسائل كبحها أو منعها ، ادعو الجماهير العربية فى هذه الجمهوريات أن تقلع تمامًا عن كل محاولات التغيير البائسة الفاشلة التى لن تؤدي سوى إلى استمرار مسرحيات الديمقراطية الكوميدية السوداء، التى تقوم بتمثيلها وإخراجها النظم القابعة فى الحكم ، وأن تقوم بدلاً عن ذلك هذه الجماهير العربية، بالخروج عن بكرة ابيها الى الشوارع والميادين والساحات العامة لتقوم بالمسيرات السلمية الهائلة العدد، حاملين الصور بالغة الضخامة للرؤساء الحاليين مع صورأولادهم وأحفادهم-ان وجدت- مع لافتات وهتافات تطالب بتنصيب هؤلاء الرؤساء ملوكًا على هذه البلاد، هم وأولادهم وأحفادهم من بعدهم الى أبد الابدين.
اننى ادعو أن تقوم كافة القوى الفاعلة والعاملة فى المجتمعات العربية بهذه الجمهوريات بالاشتراك فى هذه المسيرات التى يجب أن تظل معقودة وقائمة بلا انقطاع ،ولانهاية حتى ينزل الرؤساء هؤلاء على رغبة الجماهير ويقبلون، مرغمين أن يجري تنصيبهم ملوكًًا على رأس الاشهاد في إحتفالات تنصيب ملكية، تمتد لعشرة أيام على الاقل يدعى اليها كافة ملوك ورؤساء دول العالم أجمع .
إن الامل كبير جدًا فى الله تعالى وفى رؤساء جمهوريتنا المباركين أن يتم قبولهم بهذا التنصيب فى أسرع فرصة ممكنة.
إن دعوتي هذه لها عدد كبير من الفوئد والمميزات، يجعلها الفكرة الوحيدة الممكن لها إنقاذ شعوبنا البائسة من حالتها الراهنة اليائسة، ودفعها اخيرًا للانطلاق نحو الحرية والتقدم والتنمية لتأخذ مكانتها اللائقة فى صفوف دول ومجتمعات العالم الحديث.
اما هذه الفوائد والمميزات التى لهذه الدعوة مما لايتوفر فى غيرها من الافكار والمحاولات المريرة للتغيير فهى:
الملكيات افضل
ربما لأن الحاجة إلى عبادة الفرد ماتزال كظاهرة موجودة فى الانسان العربى والمجتمع العربى بأشد ضرورة من وجودها المنحسر حاليًا لدى المجتمعات الغربية، فقد يكون النظام الملكي هو الأنسب للحالة العربية الراهنة، فوجود ملك له كافة مظاهر الأُبهة والعظمة الملكية يشبع لدى الجماهير حاجتها إلى عبادة الفرد ، فيما يكتفى هذا الملك نصف الاله بالتوجيه العام والارشاد شبه الروحي والمعنوي للدولة ، بينما تقوم وزارة لها رئيس تكنوقراطى بإدارة شئون البلاد الخارجية والداخلية.
إن الملكيات العربية الحالية قد اثبت تأنها إستطاعت قيادة مجتمع أكثر نجاحًا واستقرارًا من المجتمعات الفاشلة لجمهوريات عربية كثيرة ترزح شعوبها تحت ويلات الفقر والفساد والدكتاتوريات الفاضحة والمقنعة.
الحالة الاردنية تثير الدهشة بالفعل، فالاردن بلد بلا موارد طبيعية على الاطلاق، بينما أكثر من نصف شعبه هم فلسطينيون بما لهم، ولقضيتهم من تحديات هائلة، ومع ذلك نجد أن هذا المجتمع المحدود الذى كان متوقعًا منه أن يكون فقيرًا بائسًا فاشلاً هوأكثر نجاحًا في مجالات عديدة من المجتمع المصري . ويكفي أنه يستقطب حجمًا كبيرًا من العمالة المصرية التى تملأ أسواقه وصالاته التجارية منذ حوالى ربع قرن.
كما أنه مجتمع يتمتع بإستقرار نسبى ،وبقدر من الحريات الفردية وغياب مظاهر البطش البوليسي، والتعذيب الوحشى والفساد الهائل الذى تعاني منه مجتمعات جمهورية مثل مصر وسوريا وغيرهما.
ويمكن اضافة المغرب الى هذا النموذج الناجح( بالطبع ليست الملكيات أنظمة مثالية ولكن الأمور نسبيةٌ ).
لاتمديد ولاتوريث
بتنصيب الرؤساء الجمهوريين الحاليين ملوكًا تملك ولاتحكم نكون قد نجحنا فى حل مشكلتي التمديد التوريث حلاً واحدًا ونهائيًا ، فكما حدث تداول سلمى سلس للسلطة فى ملكيات( الاردن والسعودية والمغرب) فى السنوات الاخيرة سيكون الامر محسومًا ومنظمًا ومتوقعًا فى دول مثل مصر وسوريا وليبيا.... وغيرها حالمًا تتحول الى النظام الملكي، وسيمكن عندئذ توفير القدر الهائل من الطاقة التى تصرف حاليًا من كافة قوى المجتمع فى معارضتها للتوريث ، ويمكن إعادة توجيه طاقة هذه القوى نحو قضايا مفيدة للمجتمع مثل، قضايا التنمية والبناء والتعليم وكافة اوجه الحياة فى مصر.
وبهذا تنحصر الصراعات بين القوى في المجتمع في أساليب حل قضاياه الاساسية ،وليس فى دوامات الصراع ضد التمديد أو التوريث أو من اجل التغيير. ويمكن عندئذ لحركة كفاية المصرية أن تحول جهودها نحو معارك البناء ومحو الامية، ومحو الفساد، والنهوض بالانسان المصري اقتصاديًا وثقافيًا وحضاريًا .
نجاح مؤكد
من اهم مميزات هذه الدعوة هو ضمان نجاحها الاكيد فى حل معضلة التوريث. فبينما يقوم النظام والقوى المنتفعة به بالدخول فى صراع لاينتهى مع قوى التغيير سواء قومية او يسارية او اسلامية او ليبرالية ويبطش بها بشكل عنيف من وقت لاخر دون اى ضمان لامكانية التوصل الى نهاية لهذا الصراع يفيد منها الوطن، فان حركة تنصيب الرؤساء العرب ملوكا لايمكن ان يقابلها النظام بالبطش والمعاداة، فمن يستطيع معاداة جماهير تخرج فى الشوارع كل يوم حاملة صورة الرئيس مبارك ونجله جمال مطالبة بتنصيب الاول ملكا على مصر والثانى وليا للعهد؟ هل يمكن مقابلة التأييد والاعجاب والموالاة بالبطش والملاحقة؟ بالطبع لا.
فوائد مالية
تقدم دعوتي هذه أيضًا فوائد مالية هائلة لمصر ولشعبها . فمع تقديم النظام الملكي مخصصات مالية سخية ومحددة سلفًا للعائلة المالكة بما فى ذلك قصر كبير وأراضي موقوفة لهم وميزانية سنوية كبيرة ، تصبح هذه العائلة فى أمان فيما يخص إحتياجاتها الحالية والمستقبلية ، ولن يكون لأحد أفرادها أية حاجة الى أان يدخل فى شراكة أعمال تجارية لانهائية بالبلد ، ولن يدفع الشعور بعدم الامان ايا من افرادها لان يدفع بامواله للخارج أو أن يكنز الكنوز فى حسابات سرية ببنوك سويسرية. بالطبع لن يكون الحال مثاليًا ولابد ستستمر بعض أوجه الفساد مادام الانسان انساناً، ولكن الحال سيكون افضل بكثير من الحالة الحاضرة حيث الفساد يزكم الانوف واعمال المحاباة والمشاركة والرشوة والمحسوبية والشللية والتسيب وتكدس السلطات تؤدى كلها ، الى قدر هائل من إهدار المال العام أو السطو عليه ونهب ثروة مصر وأراضيها ومصادرها الطبيعية، والاقتصادية، والتجارية، بما هو أضعاف أضعاف مايمكن أن تكون عليه مخصصات ملكية سخية ولكن محددة ومحدودة ومعلنة للجميع .
ديمقراطية مناسبة
بدلاً من الديمقراطية التى "لها اسنان" التى صاغها الرئيس السادات، وتباهى بها علنًا في إحدى خطبه ، وبدلاً من استمرار الوضع الحالي فى مصر( الذى تتحول فيه العملية الانتخابية الى صراع البلطجية والزج بالمنافسين فى السجون) ، تكون العملية الديمقراطية فى النظام الجديد محصورة فى تنافس حزبين أساسيين أو اكثر على الوصول الى الوزارة ، ببرامج لخدمة المواطنين، فى استقرار نسبي لا تشوبه إحتمالات ومخاوف الاطاحة برأس البلاد -كما هو الوضع الحالى.
نعم لن تكون هذه ديمقراطية مثالية فالملك قد يحاول التدخل فى العملية السياسية، ولكن دوافعه الى هذا لن تكون بالقوة وبالاستماتة التى تدفع رئيسًا للبلاد قد يفقد كل شئ اذا هو لم يبق فى الساحة.
النتيجة ستكون ديمقراطية عربية معقولة مناسبة هى أفضل الممكن، تجري فى جو من الاستقرار السياسى، والسلام الاجتماعى اللازم للنهضة الحقيقية.
مزايا ولاعيوب
اننى أؤكد هنا( أن دعوتي لتنصيب الرؤساء العرب ملوكًا تملك ولاتحكم لها كل المزايا وليس لها أية عيوب مقارنة بما نحن فيه اليوم).
فمزاياها هى حل نهائي لمشكلة التمديد والتوريث وتوفير الطاقة الهائلة التى يصرفها المجتمع فى صراعاته حول هذا الامر، وحفظ وتوفير ثروة البلاد التى تضيع في عمليات النهب والفساد المصاحبة لنظم لاتتغير ولاتزول فيما هى تحكم وتتدخل فى كل كبيرة وصغيرة فى أحوال البلاد، وتعزيز الاستقرار والسلام الاجتماعى ، وتحقيق الرخاء والالتفات لحل مشاكل الجماهير الاساسية ، والتداول السلمي السلسل للمناصب الملكية مع التداول الديمقراطى للكراسي الوزارية التكنوقراطية التى تحكم، وتنفذ القوانين وتحقق الخطط الخمسية.
ولهذا كله أطالب كافة القوى السياسية والحركات والتنظيمات الجماهيرية فى مصر- كبداية وكنموذج- بأن تنظم نفسها وتعد اللافتات، والشعارات، والصور، والشموع، والبالونات والمهرجانات، وتخرج للميادين والساحات بالقاهرة وبقية المدن المصرية مطالبة بتنصيب الرئيس حسنى مبارك ملكا على مصر- والسيدة زوجته ملكة والسيد نجله وليًا للعهد وبقية أفراد عائلته أمراء وأميرات- فهذا فى النهاية هو الحل الوحيد الذى يمكن أن يمنح مصر املاً معقولاً فى الاستقرار والتقدم، وتفادى العواقب الوخيمة للتوريث المؤكد حدوثه ، بما يقي مصر الحبيبة أعظم الشرور، وافدح الاخطار.
اننى ادعو الشباب المصري الواعي ، الى تبني هذه الدعوة ونشرها على كافة مواقع الانترنت وتناقلها عبر كافة المنتديات والمجتمعات الالكترونية حتى يمكن تحقيق المبايعة المطلوبة لهذه الدعوة التى لها وحدها امكانية الانقاذ الوطني.
إما هذا وإما اعدوا نفسكم للاستمرار الاسطوري السيزيفي اللانهائي، فى صراعات ومسرحيات التمديد والتوريث والانتخابات.. فيما يضيع الشباب ويضيع المستقبل وتضيع الاوطان .
كاتب من مصر يقيم في نيويورك
http://www.copts-united.com/article.php?A=9384&I=248