دعوة للفكر المستنير.. جريمة التنصير

د. عاطف نوار

بقلم: عاطف نوار
بداية أود أن أعبر عن سعادتي الغامرة لما وجدته من أحبائي القراء من فيض وعذوبة الآراء ونفع واستفادة من النقد البناء.
تساءل الكثيرعن المقال السابق "جناب القمص" من حيث هدفه وعلاقته بمحور بحثي في قضية حقوق الأقليات ولاسيما الأقباط، والحقيقة أن المقال كان في صميم ما أبحث فيه وأكتب عنه، إن هدفي الأساسي من فتح هذه القضية هو المناداة والتنديد والنداء، المناداة بأن يأخذ كل مواطن حق مواطنته فى وطنه من حرية تعبير وحرية معتقد، والتنديد بالفكر الإرهابى ونتائجه الإجرامية التي في الآونة الأخيرة استشرت وفي ربوع الوطن انتشرت، ونداء كل الأطراف لإقامة الحوار حقنا لدماء الجوار.. وهذا ما اتسم به المقال.. حيث شمل تنديدًا بالفكر الإرهابي اللعين واستنكارًا لجرائمه البشعة الواقعة على رقاب وقباب مسيحي مصر، كما احتوى على نداء صريح بإقامة الحوار مع جناب القمص والرد عليه دون تشويش ولا تهميش حتى تهدأ النفوس وتصفو القلوب، وأخيرًا بعث المقال برسالة صريحة تحث على عدم بخس القمص حق مواطنته كمواطن في وطنه وكنيسته.
وإن من دواعي سروري أن حملت الصُدفة البحتة مفاجئة سارة سعيدة حيث تزامن هذا المقال وعيد ميلاد أبينا الحبيب.. كل عام وقدسه بخير.. أدام الله كهنوته.
أود اليوم أن أناقش شيئًا غريبًا طفا على سطح الأحداث، تسلل إليها وفرض نفسه بلا أساس ولا معنى، والغريب أن رحب به فئة من البشر، شئ أُطلق عليه "جريمة التنصير".. كانت بدايتها مع المستشار نجيب جبرائيل عندما كان يترافع دفاعًا عن أحد المتنصرين وإذ بأحد المحامين المغمورين ينبري غاضبًا طالبًا الشُهرة والظهور مُعلنا أن التنصير جريمة، وأملا فى تتويجه بطلاً تخطى حواجز اللياقة والأخلاق رافعًا على المستشار نجيب حذائه، أُعجب أنصاف المتعلمين بهذا الشيء وفرح به فقراء العلم فأرسوه قانونًا ودستورًا يستند له القضاء ويعمل به القضاة.
والعجب العُجاب.. أنه تم تنقيذه فعلاً.. فرأينا القضاء يُعامل المُتنصرين مُعاملة المُجرمين مُمطرًا عليهم تُهما غريبة كإزدراء الأديان تارة ويُلفق لهم تُهمًا كالتزوير تارة أُخرى ويمنعهم من السفر تارة ثالثة ...إلخ.
والغريب أن أيد ذلك فضيلة المفتي بقوله عن التنصير "مينفعش".. فهل هذه جريمة وردت فى القانون فعلاً؟ وهل نصت عليه الشريعة الإسلامية؟ الواقع أن القانون المصري ذاخر بنصوص حرية المعتقد التي تتعارض مع تجريم التنصير، والإسلام أكد وكفل حرية المعتقد في نصوص القرآن، إذًا ما أُطلق عما يُدعى بجريمة التنصير هو عبث وهراء، أما من جهة وضع التنصير في قالب إزدراء الأديان فهذا تحايل وتلفيق لا يقبله العقل ويرفضه المنطق، حيث أن الإقتناع بشيء لا يُعني إزدراء الآخر.
فاقتناع شخص بالمسيحية يُعني أنه وجد ضالته فيها ولا يُعني إزدرائه للإسلام، ثم لماذا لا تُعتبر الأسلمة جريمة وإزدراءًا بالمسيحية؟ إذا لم تُعامل عملية التنصير كعملية الأسلمة يكون هذا تمييزًا وإضطهادًا يتعارضان مع مبادئ الدستور الذي اعتبر أن الكل سواسية أمامه، ويتعارضان أيضًا مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي كفلت حرية المعتقد، ولا يليق تجاهلهما في دولة تحترم الدستور وتتخذ الشريعة الإسلامية مصدرًا أساسيًا للتشريع.
أدعو رجال القضاء الأجلاء لرفض هذه الجريمة المرتجلة والقضاء عليها بالفكر المعتدل المستنير، أُطالب برفع الظُلم عن المتنصرين، أُطالب بالعفو عن القس متاوؤس وهبة، حتى تسترد مصر كرامتها وريادتها بين أقطار العالم.

علا صوت    خطير                            يسن جريمة   التنصير
يعُد حسابا     عسير                            لفاعلها آتون وسعير
و أيضًا دم      وفير                           ومعه   عذاب    مرير
فمن يُضبط بالتبشير                           له     السجن   مصير
أهذا يليق يا   مدير                             بلد النور    والتنوير
تزج كاهن   القدير                              تحبسه عن    المسير
وضعت إكليلاً منير                              فوق هامته     بتوقير
صوتً صداه قصير                             يسكت كبحر بعد هدير

د.عاطف نوار
bolapavly@yahoo.com