بقلم: إسعاد يونس
■ هذا الكلام موجه إلى بنات جنسى.. فأرجو من الرجال أن يمتنعوا.
■ كنت من أشد المعارضات للنقاب.. قرأت معظم ما كتب فى مناهضته ورفضه.. وتابعت الجدل المثار فى كل الصحف والبرامج إلى آخره.. وقرأت الفتاوى والحجج المساقة لإقناعنا، نحن الإناث، بارتداء النقاب.. ثم أعملت عقلى كثيرا وتنازلت عن سخونة الانفعال.. وعدت إلى رشدى.. لأكتشف أننى كنت مخطئة تماماً.
■ لقد شعرت أننى أتبطر على هدية قدمت لى على طبق من ألماظ.. وهى الحرية.. الحرية المطلقة.. هؤلاء الرجال الداعون له متخيلون أنهم يناضلون من أجل مبدأ دينى أو هدف مش عارف إيه.. متصورين أنهم بذلك يناوروننا، حاشدين فى أذهاننا أفكارا عن الفضيلة والستر.. مسربين إلينا عبارات مثل المنتقبات كالصحابيات، وأن المنتقبة تمنع الرجل من الزنى بها بعينيه.. يعنى بيدوّر على مصلحته إنما هى تولع..
وأن الرجال يشعرون بالإثارة الجنسية لو نظروا إلى وجه المرأة حتى لو كن زوجاتهم وأن الرجل لا يفتنه فى المرأة إلا وجهها حتى فى أشد اللحظات حميمية.. يعنى هو وشها اللى عامل كل الشغل.. وأن المرأة كالسيارة إذا كان لونها أسود تعطى الرجل إحساساً بالفخامة.. وهم فى كفاحهم يتخيلون أنهم يجاهدون لإقناعنا.. فماذا لو كنا مقتنعات فعلاً؟.. فأين الخناقة إذن؟
■ يا بنات جنسى.. ما عيب النقاب؟.. تخيلن معى.. نحن الآن نرتدى جميعنا النقاب.. إنها المساواة بعينها.. كلنا نتحرك فى الشوارع والمصالح الحكومية والنوادى والسوبرماركتس والمولات ودور العرض.. وكل مكان بالنقاب الأسود.. قماشة واحدة.. لون واحد.. موديل واحد.
■ أى حرية تلك؟.. أى روعة.. أى انطلاق؟.. لا قيود.. ولا شك، ولا ريبة ولا فضيحة من التحرش.. ولا تفتيش ولا استيقاف.. ولا أى مشاكل.
■ نحن الآن نرتدى النقاب.. ومن تحته أى شىء يخطر على البال.. قميص نوم بقى بكينى.. بارباتوز.. مافيش خالص.. حرة.. لا قيود ولا مشدات ولا كورسيهات م اللى بتكتم عالمراوح.. ولا أى خنقة.. فليس مطلوباً من النقاب أن تظهر أى تضاريس من تحته.. هما فتحتين قدام العينتين يادوبك نشوف بيهم رايحين فين بدل ما نطس ف عواميد النور أو الرجالة وإحنا ماشيين.. ويا حبذا لو كانوا فتحة واحدة.. أهو نوفر عين للشيخوخة وشححان النظر.
■ نحن الآن نملك سلطة قمعية.. يستجرى حد يقوللنا إنتى مين ورايحة فين وورينى بطاقتك؟.. وسعى فتحة العين هبابة حتى تتمكنى من الزغر وإطلاق الشرار وتحجير الننى ولا مانع من مد يدك بالجوانتى لرفع الفتحة لفوق شوية حتى يرى حاجب زوزو نبيل مرفوعاً بقسوة فيرتدع وركبه تسيب بصفتك إرهابية أو قد تكونى.. فليس على الحواجب حجر.
■ نحن الآن لدينا طوابير لوحدنا.. ومساحات فى الأسانسير.. فالكل يبتعد فور دخولنا مخافة الاحتكاك.. أو ريحة الكمكمة.. وكذلك الأتوبيسات والميكروباصات.. نحن لدينا الآن الحرية فى الإبلاغ عن التحرش إن واحد جابته نفسه.. فلا فضيحة حتى لو نُشرت الصورة فى صفحة الحوادث.. بل لدينا السلطة أن نتبلى على أى وغد حتى لو ماشى ف حاله كاسر عينه.. يعنى فرصة للانتقام برضه.. ياللا ما هم طلعوا على جتتنا البلا سنين طويلة.. تحررنا من عدم الإعلان عن قضايا الاغتصاب، والظهور فى التليفزيون لسرد الجريمة.. وتحررت البرامج من الغلوشة على صورة الضحية.. سوف نظهر ونعلن وإحنا مغلوشين على نفسنا طبيعى.. لقد تحررنا من جميع الكاميرات.. كاميرات الشوارع والمصالح الحكومية والفنادق.. والكاميرات المتلصصة.. تحررنا من جميع أنواع الرقابة.. نستطيع أن نسرب ما شئنا تسريبه.. فى الامتحانات نسرب البراشيم والسماعات والبلوتوث.. فى الهايبرات ما علينا إلا أن نضيف «كرش لطيف محندق» تحت النقاب نحشى فيه ما طاب لنا من بضائع مهربة.. وكذا فى المطارات.. شريطة ألا نصفر عند المرور من الأجهزة الحساسة.. تحررنا من كل أنواع المحاسبة والعقاب فى العمل.. الممرضة شبه أختها.. وماحدش عارف مين اللى حقن، ومين اللى لوّث الجرح، ومين اللى كانت نايمة فى النبطشية.. ولا أحد يستطيع إلقاء تهمة الإهمال على المدرسة أو المعاملة السيئة أو التزويغ من الحصة أو الضرب.. ولا العاملة المهملة والطبيبة الخايبة والمهندسة الجاهلة.. تحررنا من الرقابة الأمنية.. لن يستطيع الأمن أن يشتبه فينا.. فمظهرنا لن يشى بأى شىء مشبوه.. لن يستطيع الأمن أن يراقبنا ولا المخبر يمشى ورانا ولا حد يتبع خط سيرنا.. فما أسهل التمويه فى كل الحالات.. سنتبادل الأماكن فى منتهى السهولة واليسر.
■ اللى حايبوظ الدنيا بقى الفاسقات منا، فسيتمكنّ من ممارسة كل أنواع الرذائل الممكنة.. من أول إنها تقى الرجل شر الزنى بعينيه بينما لها مطلق الحرية فى أن تشاهدهم سافرين وتتأمل منهم الحليق، والأنيق ومفتول العضلات دون رقيب ومن وراء الساتر.. إلى أن تتجول بمنتهى الحرية فى الشقق المفروشة وغرف الفنادق.. والخوف كل الخوف أن تصل إلى ممارسة الرذيلة العلنية من تحت النقاب ونازل.. فالكشف عن الجسد لا يعد دليلاً على شىء مادام الوش متغطى.. وراجعوا اليوتيوب.. أما ما قد يثير الذُعر فعلاً فهو أن يستحلى الرجال ارتداء النقاب.. حتى يشاركونا الحرية التى سنتمتع بها ويقفزوا إلى الغرف المظلمة التى نسير بداخلها.
■ ساعتها سيتحول الشعب كله إلى شعب منقب.. وعندها ستهب مجموعة أخرى من الرجال المناضلين الأشاوس للمناداة بخلع النقاب والعودة إلى الطبيعة.
■ آآآآآه.. ما أغبى الرجال.
نقلا عن جريدة المصري اليوم
zahqanin@gmail.com
isaadyounis@gmail.com
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=9294&I=246