القس. أيمن لويس
بقلم: القس. أيمن لويس
نحن نقول تبنى .... وهم يقولون أتجار
لست أعلم ما ذنبى أنا كإنسان مسيحى عقيدته وإيمانه تقر مبدء التبنى ! لكنى أحرم من ممارسة هذا الحق لأن هناك قطاع فى المجتمع تُحرم عقيدته هذا المبدء ، إذاً عندما نُبدى أعتراضنا على المادة الثانية والتلميحات لتطبيق الشريعة يكون لنا الحق لأنها كما يتضح إحدى العوامل الهامة فى عدم حصولى على حقوقى كمواطن فى هذا البلد ، ولاسيما إذا كانت هذه الحقوق تتفق مع مبادئ حقوق الإنسان الدولية . فمن يطالع الصحف فى مصر فى الفترة الأخيرة يستطيع أن يرى أهتمام الإعلام بتتبع قضية ما أسموه الإتجار فى الأطفال وعلى سبيل المثل تطالعنا المصرى اليوم العدد الصادر يوم الاثنين 19/10/2009 عن أصدار أحكام مشدده لعدد من الأشخاص المسيحيين بسبب تورطهم فى أستخراج أوراق ثبوتية غير صحيحة ولمخالفتهم الشريعة الإسلامية عند محاولتهم تبنى طفل . وأنا فى هذا المقال إذ أقدم دفاعى ليس لهؤلاء المحكوم عليهم فى هذه القضية بالتحديد حيث أن الرؤية مشوشة وبأعتراف الجميع أن إعلامنا يعانى أزمة ضمير يصبح معها من الصعب تقصى الحقيقة ، إنما أتناول الموضوع من حيث المبدء .
ليس لنا ، وليس من حقنا ، الإعتراض أطلاقا ًعلى أن يلتزم الآخر بعقيدته ولكن بنفس المبدء ليس من حق الآخر أجبار الآخرين الذين يختلفون معه فى الدين والعقيده على الألتزام بعقيدته حتى لو كانت للأغلبية !! فحق الأغلبية فى ممارسة عقيدته لايقر أن له الحق فى المساس بحقوق الآخرين من الأقليات ، كما أن إصرار الإعلام المصرى على أستخدام كلمة الأغلبية كأسلوب يمكن السيطرة به على عقولنا كمبرر يجعلنا نقبل فى صمت وخضوع وأستسلام التنازل عن المطالبة بأى ممارسات تخص معتقداتنا إنما هو أسلوب ساذج من الممارسات البالية ، كيف يجهل جهابزة إعلامنا أن الفكر الدولى المتحضرقد أتجهت بوصلته ناحية حقوق الإنسان والمواطنة ولن تعود لسابقتها مره أخرى ؟ كيف لا يعلمون أن كلمة أقليات فى الخطاب الإعلامى فى الدول المتحضرة يكاد يكون من العار ذكرها ؟ . ويكفى ماحدث فى النظام العالمى بفوزأوباما! .
لذا فمن حقنا أن نطالب ، إن كان من الضرورى تطبيق المادة الثانية فى الدستور على الأقل فى الوقت الراهن لأن رفعها سوف يسبب حالة من الغضب عند الأغلبية ، أن يقتصر تطبيقها على الأخوة المسلمين ، وأن يكون هناك قوانين تخص الأخرين طالما هناك أختلاف كما هو واضح فى القضية المطروحة أمامنا ولا سيما هناك من يتعرضون لضرر بالغ بسبب أختلاف المفاهيم والمعتقدات . ثم إيه المشكلة إذا تم وضع قانون ينظم هذه العملية على أن يمتنع الذين يرغبون فى الألتزام بعقيدتهم وشريعتهم عن عدم ممارستها ؟! أو يحظر القانون ممارستها للآخوه المسلمين . وإن كان حسب فهمى كمسيحى أن ألتزامى بتطبيق عقيدتى شأن خاص بينى وبين الله وليس لآحد الحق فى محاسبتى طالما لا أسبب أى أساءه لآحد . فعندما نرى نحن المسيحيين أن التبنى حلال ومباح هذا من حقنا ، وبخاصة أذا كنا نرى أنه أحد العلامات الفارقة فى الإيمان المسيحى التى تؤكد السمو الذى فى الإيمان الذى يرتقى بالقيم الإنسانية ويهدف لتسديد أحتياج المحتاجين بطريقة شمولية ، وهذه هى إحدى أسس الفكر المسيحى المبنى على المحبة والعطاء .
شتان الفرق بين التبنى والإتجار فى الأطفال ، إن وصف الجمال بالقبح إنما هو خداع فاشل .
أبداً .. الإيمان المسيحى لايقر الأتجار فى الأطفال ، كيف يكون هذا وجميعنا نعلم أن الإيمان المسيحى قد حرم الرق ؟! ، كيف هذا وهم من أوصى بهم المسيح وبحقوقهم ؟! ، من له معرفة بالتعليم المسيحى يدرك أن وصايا الوحى تحتوى على جزءاً لا يستهان به خاص بالأسرة وبتعليم الأبوين أن الأطفال أمانة وعطية من الله علينا أن نصونها وأن نرعاها وأنه من الألتزامات التى سوف نُسأل عنها يوم الدينونة العظيم ، كما لم نجد مخالفة واحدة فى الكتاب المقدس بحقوق الأطفال ، بل يعلو الوحى بقيمة الطفل لتكون مساوية بالرجل البالغ . ثم يبقى السؤال وهو ليس بجديد . لماذا يلجأ مثل هؤلاء للتحايل والتلاعب فى الأوراق الثبوتية ؟ فمن التدقيق فى أحوال هؤلاء الذين تم محاكمتهم فى قضية التبنى نجد أنهم أناس شرفاء ولم نقرأ أو نسمع عن سوابق لهم ، إذاً عدم وجود قانون أو عدم الرغبة فى التفكير فى إيجاد حلول لمشاكلهم كما هو الحال فى مشكلة تغيير الديانة أيضاً يدفع هؤلاء لتجاوز بعض اللوائح التى لاتراعى حقوقهم وأنتمئاتهم الدينية فى وطنهم . فى الحقيقة أننا نشعر بأسف وألم لأن إعلامنا عندما يتعرض لمثل هذه القضايا لايكون منصفاً ولايضع المسميات بدقة فى مكانها الصحيح وهذا يعكس الأزمة الأعلامية فى مجتمعنا والتى تجعله دائماً مرتدى عباءة التحيز ، ففى قضية التبنى نجد أن كل الصحف أتفقت على أن يكون عنوان القضية الأتجار فى الأطفال وليس قضية التبنى . ولهذا يهمنا أن نقدم نبذه عن التبنى بحسب فكر اللاهوت المسيحى .. أن التبنى ليس أمراً مستحدثاً فقبل المسيحية نجد أنه قديماً فى الإمبراطورية الرومانية كان الأباطرة يستخدمون التبنى لكى يعالجوا مشكلة الخلافة فأغسطس قيصر كان أبن بالتبنى لعمه يوليوس قيصر كذلك طيباريوس ، وترجان ، وهدريان قد أثبت أنهم جميعاً نالوا وراثة الحكم رغم أنهم أبناء بالتبنى وطبعا ليس دليلنا هو مسلك الأمبراطورية الرومانية . بل الواقع أنه بالرجوع للعهد القديم نجد أن التبنى كان مسموح به شرعاً أنه منذ فجر الإنسانية يخبرنا الكتاب المقدس فى سفر التكوين عن قصص التبنى كذلك لايكتفى يسوع المسيح أن يُعلم أتباعه أن يدعو الله: " أبانا " (مت6 : 9) لكنه يمنح لقب "أبناء الله" للساعين لصنع السلام (مت5 : 9) وعلى"محبى القريب"(لو6 :35) وعلى الأبرار من بعد قيامتهم من بين الأموات وهذا مايؤكده بتوضيح القديس بولس معلناً أنه كان التبنى من قبل إحدى مميزات بنى إسرائيل (رو9: 4) فالمسيحيون أيضاً هم أبناء الله بالأيمان بالمسيح الرب ( غل3: 26 ) ، ( أف 1: 5) فالمسيحى بنواله روح الله يجعل منه أبناً بالتبنى (غل4: 5- 7) ، (رو8: 29) والبنوة تصير لها كافة الحقوق والأمتيازات والمساواة لأنهم شركاء فى الميراث (رو8: 17) ولكى يتم التبنى لابد من الميلاد الثانى (تيطس 3: 5) ، (1بط 1: 3، 2: 2) معلنا الله أنه يشركهم أيضاً فى حياة الأبن وهذا هو المعنى الحقيقى للمعمودية ( رو6: 4) فإن صرنا نحن أبناء بالتبنى نصير أخوة الأبن ويعاملنا الله على هذا الأساس .
أخيراً .. أكد علماء النفس والأجتماع أن تطبيق التبنى بمفهومه الحقيقى يساعد هؤلاء الاطفال الذين حرمتهم الظروف التنشئة فى البيئة الطبيعية أن يجدوا الأسرة البديلة التى تحقق لهم المناخ الصحى لتربية سليمة تجنبهم مضار الصراعات النفسية والمشاكل الأجتماعية التى خلفتها الظروف التى ليس لهم يد فيها ، حيث أنه قد ثبت أن كل الحلول البديلة لم تسطع أن تحقق لهم تنشأه سوية . أذاً عندما شرعت المسيحية وجوب التبنى كانت كعادتها تعمل على مواجهة الداء وليس فقط تقديم الدواء . مع مراعاة توافر الضوابط والقوانين التى تضمن صالح وحقوق الأطفال لضمان عدم العبث بهم أو أستغلالهم لمجرد أشباع نزوه أو أهداف غير نبيلة ،ورحمة بكم أكتفى بهذا المقدار لأنه يعوزنى الوقت أن أتحدث عن إساءات كثيرة تحدث فى مجتمعنا للأطفال وفى حقوقهم ولاتؤخذ بعين الأعتبار.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=8986&I=240