جمال مبارك رئيسا لمصر بشروط

بقلم: سامي البحيري

"وتعلمنى الخبرة مع الأيام أن حارتنا تقدس طائفتين: الفتوات والبلهاء. وتحوم أحلام صباى حول الطائفتين:أحلم حينا بالفتونة وجلالها. وأحلم حينا بالبلاهة وبركاتها!!"
هذا هو ماكتبه نجيب محفوظ فى مجموعة قصصية قصيرة بعنوان (حكايات حارتنا) والتى نشرت فى عام 1975. ولا علاقة لما كتبه نجيب محفوظ بمقالى هذا!!
..............
ينتشر حاليا فى مصر إتجاه جديد وهوأن الأبناء يعملون فى نفس أماكن عمل الآباء، وهو فى الحقيقة إتجاه ليس بالجديد تماما فقديما كان السباك ينشئ إبنه سباكا والنجار ينشئ إبنه نجارا وهكذا، والتطور الجديد فى مصر (أم الدنيا) وأم العجائب أن الممثل ينشأ إبنه ممثلا أو مخرجا (وهذا أضعف الإيمان)، والمطرب ينشأ إبنه مطربا أو ملحنا والصحفى ينشأ إبنه صحفيا أو مذيع تيلفزيونى، وتطور الأمر إلى الوزارات والمصالح الحكومية وشركات القطاع العام والقطاع الخاص، فعلى حد علمى فإن هناك العديد من تلك المؤسسات تعطى الأفضلية للوظائف الجديدة إلى أبناء وبنات العاملين والعاملات (الأحياء منهم والأموات)، وفى الحقيقة أن هذا الإتجاه يخل تماما بمبدأ تكافؤ الفرص والمتاح بموجب الدستور وبموجب الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وبموجب الدستور الأمريكى أيضا!!، لذلك فإن فرص توفر الوظائف للغلابة من المصريين أصبحت تنحصر فى الوظائف الدنيا والتى لا يريدها أحد أو فى العمل فى دول البترول أو الموت غرقا فى البحر المتوسط قبل الوصول إلى سواحله الشمالية سعيا للرزق والهرب من شظف العيش فى مصر، وعملا بالمثل العامى المصرى "إبن الوز عوام" فإنى لا أتعجب كثيرا بصعود أسهم جمال مبارك فى الحزب الوطنى الحاكم، والمشكلة الرئيسية لجمال مبارك (بغض النظر عن أنه إبن الرئيس الحالى) أنه ينفخ فى قربة مقطوعة فالحزب الوطنى ليس له وجود يذكر فى الشارع المصرى، والكل يعلم بما فيهم جمال مبارك ووالده بأن الحزب الوطنى يضم فى معظمه مجموعة من المنتفعين والذين يرغبون فى شغل مناصب معينة إبتداء من منصب رئيس مجلس مدينة صغيرة ونهاية بمنصب الوزير مرورا بمنصب رئيس تحرير جريدة حكومية، والكل يعلم أيضا أن الحزب الوطنى ما هو إلا الأداه الشكلية السياسية فى أيدى المؤسسة العسكرية الحاكمة والمؤسسة الأمنية وذلك منذ إنشائة بواسطة ضباط 1952 وأسموه فى البداية هيئة التحرير ثم الإتحاد القومى ثم الإتحاد الإشتراكى ثم الحزب الوطنى وفى المسميات الأربع حقق إنفصالا مبهرا عن الجماهير يحسده عليه إنفصال الزيت عن الماء، وتوارثته طبقات متتالية من المنتفعين عبر نصف قرن من الزمان وإستطاع هذا الكيان الديناصورى أن يجسد ويحول الفساد إلى أكبر مؤسسة فى مصر بل أصبحت تلك المؤسسة بمثابة المثل الأعلى لأى فاسد أو وصولى وكان من الطبيعى فى ظل تراكم الفساد لمدة نصف قرن أن يظهر المعادل الموضوعى للفساد وهو أن يسيطر على الشارع "الناس بتوع ربنا" أو الجماعة المحظورة، والذين إستطاعوا بجدارة بيع الوهم للمصريين والسيطرة على الشارع بحجة أنهم سوف يملأون الأرض عدلا بعد أن مئلت جورا بواسطة الحزب الوطنى.
وأنا أرى أن من حق الرئيس حسنى مبارك أن يعين إبنه فى رئاسة الجمهورية بإعتبار أن جمال من أبناء العاملين عملا بالعرف السارى فى مصر الآن، والعديد من المصريين يكيلون بمكاليين فهم يعارضون توريث الحكم لجمال مبارك وفى نفس الوقت لا يعارضون فى تعيين أبنائهم وأقاربهم فى مصالحهم الحكومية، ومؤخرا دعا بعض قادة المعارضة لمؤتمر يرفض التوريث لجمال مبارك وكان عنوان المؤتمر:"ما يحكمش"، وفى الحقيقة أن المعارضة من حقها أن تعقد أى مؤتمر ترغب فيه ولكن أن يكون تحت عنوان: "ما يحكمش" فهذا عنوان أقل ما يقال فيه أنه عنوان ناقص، فكان من المفروض أن يطلقوا على هذا المؤتمر عنوان: "ما يحكمش يا إدلعدى"!!
....
وجمال مبارك هو أفضل شخص يمكن أن يتولى حكم مصر وذلك لأسباب وشروط عديدة قد يكون من أهمها:
أولا: جمال مبارك قد يكون آخر أمل لدى الأحرار لوقف زحف الحكم الدينى فى مصر.
ثانيا: جمال مبارك له خبرة سياسية قد لا تتوفر لمعظم السياسيين المصريين (ده إذا كان فيه سياسيين فى مصر أصلا)!!
ثالثا: جمال مبارك قد يكون وجه مقبول للتحول من حكم المؤسسة العسكرية إلى حكم شبه مدنى لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن.
رابعا: جمال مبارك يعتبر مقبولا لدى معظم الدول العربية وكذلك لدى معظم الدول الغربية والتى تفضل أى شخص على عرش مصر ما دام لا ينتمى إلى "الجماعة المحظورة".
خامسا: على جمال مبارك أن يبدا فورا فى التخلى عن الحزب الوطنى وعليه أن يعلن نعي الحزب فى صفحة الوفيات وعليه أن يبتعد عن الأحزاب وأن يبدأ مرحلة جديدة وهى أن رئيس مصر لا يصح أن ينتمى إلى أى حزب.
سادسا: يجب أن يعد جمال مبارك المصريين ببدأ مرحلة جديدة تماما وأن يقوم بتعديلات رئيسية فى الدستور منها على سبيل المثال التأكيد على تداول السلطة بوضع حد أقصى 8 سنوات لرئاسة مصر، تعديل المادة الثانية من الدستور، إلغاء بند الديانة من البطاقة الشخصية ومن شهادة الميلاد، إختصار إسم مصر إلى "مصر" فقط.
سابعا: على جمال أن يكون رئيسا للغلابة وأن يشجع رجال الأعمال أصدقائه على زيادة إستثمارتهم وتوجيهها لتوظيف الغلابة، ولا ما نع من توظيف أولاد الناس ولكن لا بأس أيضا من توظيف أولاد الغلابة.
ثامنا: على جمال أن يتولى الحكم فى حياة والده، لأنه إذا توفى حسنى مبارك (ربنا يديه طول العمر) قبل أن يتولى جمال الحكم، يبقى كل سنة وإنت طيب، وربما يتعين وقتها على جمال أن يعيش مرة أخرى فى لندن.
تاسعا: على جمال أن يتواضع عند التعامل مع مساعديه ومع زملائه فى الحكم من وزراء وغيره، فعلى حد علمى فهو يعاملهم بتعال على أساس إنه "إبن الريس".
عاشرا: على جمال مبارك أن يستعين بالأجهزة الشعبية والتنفيذية والأمنية للقضاء على الفساد، وإذا إستطاع الحد من الفساد فى أول سنة فى حكمه فسوف يكتسب شعبية جارفه.
حادى عشر: أحد مشاكل جمال مبارك أن الشعب المصرى لا يحكى أى نكت عليه وهذا يعنى أن الشعب لا يشعر بوجوده، وهذا سوف يكون العقبة الرئيسية أمامه، فلا بد أن يفعل شيئا (حتى لو غلط) يجعل الشعب يشعر بوجوده ويبدأ فى التنكيت عليه!!  
....
وهناك أيضا سلبيات عديدة إذا أصر الحزب الوطنى على ترشيح جمال مبارك ولكن هذا ما جنيناه من الحكم الفردى لمدة نصف قرن، وأعتقد أن مصر تستحق أفضل من هذا ولكن جمال مبارك يمكن أن يكون مرحلة إنتقالية لا بأس بها، وأهو أى حاجة أفضل من طظ بتاعة مهدى عاكف!!

samybehiri@aol.com
نقلا عن موقع ايلاف

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع