حرق الحجاب

أشرف عبد القادر

بقلم / أشرف عبد القادر
"لم يفرض الإسلام الحجاب على المرأة، بل فرض الفقهاء الحجاب على الإسلام" المفكر الإسلامي المجتهد جمال البنا

وصلتني رسالة إلكترونية مرفقة بفيلم للفتاة السورية سارة عزمي التي تعيش في النرويج حيث قامت بخلع حجابها وحرقه في يوم 8 مارس يوم المرأة العالمي أمام مرأى ومشهد الميديا، ونشر الأسبوع الماضي في مجلة روز اليوسف مقالاً بعنوان "الحجاب ليس فريضة إسلامية" للشيخ مصطفى محمد راشد، ولا أعرف لماذا نمارس مازوشيتنا ونستمر في عقاب أنفسنا كما كان يفعل سيزيف في أسطورته حيث حكمت عليه الآلهة برفع الصخرة لتقع ليرفعها لتقع ليرفعها لتقع وهكذا في عمل عبثي.

كتبت وكتب كثيرون من علماء ومفكري الأمة بمن فيهم شيخ الأزهر المستنير د. محمد سيد طنطاوي من أن الحجاب ليس فريضة إسلامية وأنه عادة وليس عبادة، كتب صديقي المستشار محمد سعيد العشماوي كتاباًًً يعتبر مرجعاً للبت في هذه القضية وسبق وقدمته لقرائي بعنوان "لا: الحجاب ليس فريضة إسلامية" كما أصدر كتاباً أيضاً صديقي المفكر جمال البنا بعنوان "الحجاب"، هذه المقالات والكتب أكدت بالحجج العقلية والنقيلة أن الحجاب ليس فريضة إسلامية وأن آيات الحجاب كانت خاصة بنساء النبي وحده لأنه من المعروف أن هناك أحكاماً وآياتاً خاصة بنساء النبي لقوله تعالى: "يا نساء النبي لستن كأحد من النساء" والدليل على أن هناك أحكاماً خاصة بنساء النبي أن أية امرأة توفى عنها زوجها أو طلقها يحق لها الزواج بعد فترة العدة إلا نساء النبي. لماذا؟ لأنهن لسن كأحد من النساء فحتى أم المؤمنين عائشة التي توفى عنها رسول الله، وهي ابنة الـ18 ربيعاً لم يحق لها الزواج من بعده وترملت في عمر الزهور، بل إن أمهات المؤمنين لم يطبقن آية "وقرن في بيوتكن" وخرجن كما يقول المودودي من بيوتهن في حياة الرسول (ص) وبعد وفاته، ونعرف أن أم المؤمنين عائشة قطعت مئات الأميال لقتال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه.

نحن بحاجة إلى شجاعة أدبية ودينية كالتي تحلى بها شيخ الأزهر عندما صرح بأن الحجاب ليس فريضة إسلامية على المسلمات العائشات في الغرب وأنه عادة وليس عبادة، تماماً كما أصدر فضيلة مفتي مكة فتوى باعتبار الإرهابيين الذين يقتلون الأبرياء في العراق بأنهم إرهابيين وليسوا مجاهدين في سبيل الله كما زعم الكاذب الأكذب راشد الغنوشي، نحن بحاجة إلى هذه الشجاعة الدينية لحسم الموضوع ويجب ألا ندع المتأسلمين يصولون ويجولون في الفضائيات يبلبلون أفكار المشاهدين البسطاء، فيجب عدم السماح لهؤلاء المتفيقهون بالظهور على فضائيات "اقرأ" و"المنار" و"المجد" و"الجزيرة"... إلخ.
وعلينا أن نعلنها واضحة صريحة كالشمس في وسط الضحى (الحجاب عادة وليس عبادة وأنه ليس فريضة إسلامية) والدليل على أنه عادة وليس عبادة أن الراهبات المسيحيات يضعنه أيضاً فهل هن مسلمات؟! فهذه العادة موجودة قبل ظهور الإسلام،منذ العهد البابلي الوثني في القرن الـ18 قبل الميلاد.

قام المتأسلمون -خوارج هذا العصر- بجعل الحجاب ركناً سادساً من أركان الإسلام وفريضة إسلامية، وهذا افتراء على الله لأن أركان الإسلام خمسة أم أن الله -وحاشا لله- أن يكون قد نسيه فأضافه المتأسلمون كما حولوه إلى رمز سياسي لإيقاظ الفتنة النائمة والعودة بأمة الإسلام إلى العصر الحجري ويكفرون علوم العصر التي تكذب كل يوم معتقداتهم البالية الموروثة من أساطير القرون الخالية.
علينا أن نقف وقفة جادة أمام ثانويات وفروع دينية لا تسمن ولا تغني من جوع، فلدينا من المشاكل العويصة ما هو أهم من قطعة قماش وأهم من مناقشة إرضاع الكبير والتداوي بالحجامة وببول الإبل، فهذه الأشياء تربك العقل وتدمره فيغدو أقل من عقل أرنب ولا يوجد أغبى من الأرنب حتى الحمار أذكى منه.

على جهابذتنا -نجوم الفضائيات المتأسلمة- أن يحلوا لنا قنبلة الانفجار السكاني التي نفجرها في أنفسنا، ومشكلة البطالة، ومشكلة تأسيس المجتمع المدني، ومشكلة الأقليات في العالم العربي والإسلامي، ومشكلة عوائق إدخال الحداثة في مجتمعاتنا العربية، ومشكلة مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات، وفي الإرث والشهادة واعتبارها مخلوقاًً كامل الأهلية لا تابعاً لغيره، ومشكلة مساواة المسلم بغير المسلم وحلها لن يكون إلا بالمواطنة، وكذلك تحديث تعليمنا الذي مازال تعليماً دينياً بائساً حتى في مواده العلمية الصرفة...! هذه هي المشاكل التي يجب أن نسعى لحلها لأنها تحتاج إلى جهد جهيد وسنين طويلة لحلها، أما أن نتعلق بأمور علمها لا ينفع وجهلها لا يضر فهو من باب عقاب الذات وتضيع الوقت وتضييع مستقبل الأجيال القادمة.

وهب أن غطاء الرأس المسمى خطأ بـ "الحجاب" من الإسلام ووجدنا أن قطعة القماش هذه تؤلب علينا العالم كله فلماذا لا نمنعه من باب "الضرورات تبيح المحظورات" ومن باب "سد الذرائع" كما أباح الإسلام أكل الميتة والدم ولحم الخنزير في حالات الضرورة.
نحن بحاجة لمرونة فكرية ودينية للتكيف مع روح حقبتنا حقبة حقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فعلينا مراجعة كل ثوابتنا وعرضها على محكمة العقل وكل ما يقره العقل السليم، وأكرر العقل السليم لا العقل المتأسلم السقيم، العائش خارج الزمان والمكان الهارب من الواقع وإحباطاته إلى الخيال وأحلامه وتخيلاته، نقر ما يقره العقل لصالح الإسلام والمسلمين وجميع عباد الله فهم إن لم يكونوا إخوة لنا في الدين فهم إخوة لنا في الآدمية، وننسخ ما لا يقره أيضاً لصالح الإسلام والمسلمين وعباد الله أجمعين حتى لا نظل نعيش دائماً وأبداً في حلقة مفرغة أولها آخرها وآخرها أولها، حيث يتقدم الغرب والعالم كله ويتأخر المسلمون لأنه يأخذ بقواعد العلم ويسمع لصوت العقل أما نحن فنسمع للخرافة ونستسلم للأساطير، ساعتها لن نكون بحاجة لحرق الحجاب أمام الكاميرات في يوم المرأة العالمي.

ashraf3@wanadoo.fr

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع