في مدرسة أبني برميل بترول!!

سحر غريب

بقلم: سحر غريب
جاء يحكي وبراءة الأطفال تسبق كلماته: النهاردة يا ماما أتكعبلت في شنطة سعيد صاحبي فطلب سعيد إني أنضف له الشنطة فرفضت فخرّج من جيبه فلوس، فقلتله خلاص هانضف لك الشنطة وجيب لي حاجة حلوة.

هكذا حكى وهو يتوقع منى ثناءً على شطارته وفهلوته ونصاحته الغير مسبوقة لأنه أستطاع كسب رزقه وقوت يومه من تنظيف حقيبة زميله سعيد، ولكنه لم يتوقع مني التوبيخ على فعلته النكراء ليس لأنه نظف حقيبة زميله.
فتحمُله لعواقب أخطائه واجب عليه ولكن لأنه نظفها منتظرًا المقابل، وبخته لأن سعيد هذا ليس إلا طفل عربي تعود جنسيته لدولة بترولية غنية ممن يضعون الريش تاجًا على رؤوسهم، والذين يتعاملون معنا بعجرفة مستندين على كم البترول الذي وجدوه داخل باطن أراضيهم!!

لقد لوّح سعيد لأبني بالنقود فتنازل أبنى عن كرامته بنفس راضية، حزنت لأن أبنى الذي لا يعلم من الدنيا شيئًا والذي لا نرفض له طلبًا تنازل عن عزته وهو لا يعلم بعد ماهية الثروة وماهية الفلوس، والأهم أنه لم يجرب الحرمان بعد فماذا سيفعل عندما يصبح رجلاً كبيرًا لديه تطلعات وطموح وآمال قد يضطر لتقديم تنازلات لتحقيقها، فهل سيتبقى لديه شيئًا حينئذ ليبيعه!
إن سعيد هذا يتعامل من الآن من منطلق اللي معاه قرش يسوي قرش واللي معاه قرش يشغل غيره تحت رجليه ويأمرهم فيطيعونه ويهينهم فيلبون رغباته.

ساعتها فقط تذكرت أمراء العرب واستهانتهم بأرواحنا لأنهم يعرفون ديتنا البخسة واللي تعرف ديته أقتله، وتذكرت يومًا تم جلد فيه طبيب مصري لاعتراضهم الجاهل على طريقته في تقديم العلاج لمريض مدمن، ولاحت لي مشاكل المصريين مع الكفيل الذي يسوم أبناء بلدي الويل ويقاسمهم في قوتهم وهم لا قوة لهم ولا قدرة على الاعتراض.
فالمصري المعار لبعض الدول العربية يترك في بلده بجانب الأهل والبيت كرامته، لقد أزلّوا نفوسنا بفلوسهم وجاءوا اليوم ليزلوا أبني ويهينوا كرامته وهو في بلده، لقد رفضت كثيرًا رغبة زوجي للسفر إلى بعض الدول العربية المعروف عنها إهانتها للمواطن المصري، حتى لا أواجه موقفًا كهذا وحتى لا أضطر للتعامل مع حياة يومية مهينة بهذا الشكل، ولست نادمة على تنازلي عن الحياة في بلاد تهين كرامتي وتستعبد أنفاسي حتى لو كانت تلك الحياة ستجعلني أقب على وش الفتة.