أدولف موسى
بقلم: أدولف موسى
ذكرت في مقالتي السابقة بعض المشاهد التي شاهدتها عندما كنت في مصر كجزء من المجتع الشرقي الذي يُدَعى فيه تطبيق مكارم الأخلاق كما اُنْزِلت. لقد تعمدت كالعادة التي عودت نفسي عليها عدم الدخول في مناقشة صحة أو عدم صحة أي نوع من أنواع العقائد التي منها مَن يُدّعى عليها مِن كثيرون أنها عقائد دينية لأنني من مدرسة عدم خلط هذه العقائد بالسياسة وحقوق الإنسان. لقد حاولت فقط لا غير طرح حقائق قد حدثت بالفعل في هذا المجتمع الشرقي وهو مصر الذي حسب رأي القائمين عليه مشبع بالقيم والأخلاق. أيضًا طرحت التبريرات التي سمعتها من هولاء الذين قاموا بتحليل صلاحية هذه القيم الأخلاقية ومن أين جاءوا بالحكم على تماشيها مع هذه القيم والأخلاق التي يدَّعون دائمًا أنها لا توجد إلا لديهم وقد جاءت لهم عن طريق كتاب ما قد هبط عليهم من السماء.
إن صراحة أي إنسان في عرض أي فكر ومحاولة عرض الحقائق بدون تحزب أو هجوم عن غير حق لأي مذهب فكري، لم يعتاد عليه الشرق. إن مبدأ التحيز الأعمى لأي فكر كان دائمًا العادة التي اتبعها الكاتب والمفكر الشرقي لأنه ليس له القدرة أن يكتب أو يفكر لكل الطبقات الفكرية المتعددة والمختلفة الاتجاهات. فركز نفسه في المدرسة المسماة بـ"مدرسة مَحُدوديه الفكر". من الصعب أن نجد مفكرًا أو كاتبًا شرقيًا يستطيع أن يُعَلْمِن فكره بالكامل، فلا بد له من إدخال أجزاء متخذه من عقيدة ما يُدَّعى أنها دينية ولا بد أن تطرح على القارئ كمسلمات لا بد أن يأخذ بها رغم عن أنفه.
نعود إلى سؤالنا المطروح. هل تتماشى السياسة مع الأخلاق؟ إنني كما عرضت في مقالتي السابقة أن كلمة الأخلاق في الشرق وتعريفها غير ممكن. إن منطق الأخلاق في الشرق كما عرضت عن طريق أمثله من قبل يجبرنا أن نعترف بأن مبدأ الأخلاق كما يُدّعَى هناك شيء وهمي ولا بد للشرق الوقوف عن تمجيد هذه "قلة الأدب" وادعاء أنها المُثل العليا للشرف والإرادة التي يدّعوا أنها الإلهية، فربما لم يفهمها صحيحًا. فلنترك هذا الهراء والخزعبلات التي أعطيناها الحق في تحديد مسار حياتنا ولننظر للحقيقه بدون حِمْلها الثقيل وهو التمسك بالأوهام. نعم، إنه من المستحيل للسياسة أن تتماشى مع الأخلاق! بكل بساطة لأن المطلوب الأول للأخلاقيات أن تكون من الثوابت أمَّا السياسة فلا بد أن تكون متغيرة لتتماشى مع مختلف العصور والحضارات.
أريد لأول مرة أن أخرج خارج الشرق وأدخل في مجتمع غربي. آخذ كمثال مجتمع عشت فيه أكثر من نصف عمري وهو جمهورية ألمانيا الفيدرالية، إن أخذ هذا البلد كمثال لا يعني أنه الوحيد الذي تحدث فيه هذه الأشياء التي أريد طرحها ولكن أخذ ألمانيا هدفه فقط كمثل للتحول الفكري الغربي. اسمحوا لي أن أعرض حقائق قد لا يقبلها البعض ولكني أريد أن أحافظ على مصداقيتي وأعرض حقائق عن طريق الحيادية لا غير. منذ سنوات غير بعيده تعجبت على تحولات رهيبة تحدث في هذا المجتمع. إن ألمانيا على حق من أكبر الدول الصناعيه، تمتلك أروع التكنولوجيات الحديثة وأكبر دولة مصدره في العالم. لكني أريد أن أتحدث عن جانبها السياسي والاجتماعي. إن ما يحدث في الشرق من انتهاك حقوق وكرامة المرأه، وهذا شيء لا يقبله أي فكر حضاري، قد حوله الغرب إلى انتهاك لحقوق وكرامة الرجل إلى أن وصل تقريبًا لدرجة مسح الرجل كعنصر هام من عناصر المجتمع الإنساني الحديث. فهناك أمثلة كثيره لهذا ولكن لنذكرها فيما بعد.
إن المرأه في الغرب أخذت حقوقًا مريبة لدرجة أنها تسمح لها هذه الحقوق بإذلال الرجل ومسح رجولته، حتى أن العلاقة الطبيعية بين الرجل والمرأة في الارتباط العائلي أصبحت شيء ليس له أن يكون المنظور الطبيعي الوحيد. فأصبحت كثير من العلاقات الارتباطية بين كثير من الناس يخالف الطبيعة. لقد توغل هذا التيار المضاد للطبيعة بطريقة أعطت له الحق في أن يُرى ويُقبل على أنه شيء طبيعي، عندما وقف واحد من أول من سلم أمام الناس أنه من هذه الفئة من الشاذين وأنه فخور بهذا، كان يرشح نفسه في ذات الوقت ليكون عمدة وحاكم العاصمة برلين، صفق له الكبير والصغير وكان هذا سبب نجاحه! خرج بعدها أفواجًا من السياسيين والسياسيات وأشهروا أنفسهم أنهم يتبعون ذات المبدأ حتى أن أصبح شرفًا لكل من هو شاذ أن يعلن هذا على الملأ. أخيرًا وفي انتخابات البرلمان الألماني الذي حدث يوم 27/9/2009 كانت أكبر مفاجئه أن في ألمانيا حزبين كبيرين، الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي وهناك عديد من الأحزاب الصغيرة الأخرى وهي أحزاب تسمى بالأحزاب التكميلية لأن أيًا من الأحزاب الكبيرة لا يستطيع الوصول للأغلبية البرلمانية وحده فيحتاج من يتحالف معه من الأحزاب الصغيرة ليصل إلى الحكم. من هذه الأحزاب التكميلية الحزب الليبرالي أي الحزب الحر، يرأس هذا الحزب رجلاً من هؤلاء الذين أعلنوا أن لهم الشرف أن يكونوا من هؤلاء المخالفين للطبيعة، كان هذا سبب من أهم أسباب نجاحه الساحق في الانتخابات الأخيرة وهو الآن المرشح الأول لمنصب وزير خارجية ألمانيا ونائب المستشار! حتى المستشارة الأمانية رغم أنها متزوجه إلا أنها غير معلومة الهوية في هذا المجال.
أيضًا لكى يكون لنا المصداقيه كما ذكرت من قبل لا بد أن نذكر أن رغم معرفة الجميع أنه ليس الغرب وحده هو الذي فيه هذا الشذوذ بل هو موجود بأكثر من هذا في الشرق أيضًا وبطريقة يمكنها أن تكون أبشع من الغرب، بالذات يوجد بغزارة في المجتمعات المغلقة مثل المملكة العربية السعودية وبلاد الخليج (في مصر أيضًا)، لقد كان هذا ناتجًا عن ضغوط المجتمع على ساكنيه وإبعاد كل عنصر من الآخر وهذا تسبب أيضًا في فقدان حلقة الوصل بين هذين العنصرين، فلم يجد العنصر الشرقي إلا عنصره ليرتبط به لأنه نسى أن هناك عنصرًا آخرًا.
فليسأل أحد القراء.. ما الذي دفعني لذكر هذه السلبيات في الشرق وبالذات في الغرب الناجح اقتصاديًا؟ ما هي العلاقه التي تربط هذا كله ببعضه؟ إننى لا أريد أن أكون من هؤلاء الذين يمجدون فئة على حساب فئة أخرى، فلكي يكون للإنسان مصداقيه لا بد أن يكون أولاً صادق في حياديته.
اسمحوا لي أن أكمل في المقال الثالث والأخير لهذا الموضوع.
http://www.copts-united.com/article.php?A=8392&I=226