إيرينا بوكوفا إنتخابي كان ديموقراطيًا وهناك دائما فائز وخاسر

الشرق الأوسط - ميشال أبو نجم

المديرة العامة الجديدة لليونسكو: من الخطأ النظر إلى ما حصل على أنه حرب بين الشمال والجنوب
قالت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة الجديدة لليونسكو، إن حملتها في سباق اليونسكو لم تكن موجهة ضد مصر أو ضد العالم العربي أو ضد المسلمين. مشيرة إلى أنها اتسمت بالاحترام والديمقراطية. وذكرت بوكوفا أنها زارت خلالها كثيرا من البلدان العربية. وفي كل محطة كانت تردد أنها لا تسعى للحصول على التأييد بقدر ما تريد التعبير عن احترامها للعالم العربي والإشادة بمساهمته في الثقافة والحضارة العالميتين.
وقالت بوكوفا في حديث خصت به «الشرق الأوسط» في باريس : «إنني طويت صفحة الانتخابات. وأعتقد أنه يتعين علينا جميعا أن نتجمع مجددا حول المبادئ والأهداف التي هي مبادئ وأهداف اليونسكو، وما تقوم به هذه المنظمة الدولية لصالح التربية والثقافة والمحافظة على التنوع والتعددية، وبالتالي يتعين علينا جميعا أن ننكب على هذه الأهداف، والعمل من أجل تحقيقها».
وتحدثت بوكوفا عن مسارها، وعلاقتها بالحزب الشيوعي البلغاري، وهواياتها وعلاقتها بعائلتها. وفي ما يلي نص الحديث.

إيرينا بوكوفا* ثمة مرارة لدى الرأي العام العربي بسبب معركة الانتخابات في اليونسكو. وهناك من يتحدث عن «حرب الحضارات» و«العنصرية» إزاء مرشح عربي ومسلم. هل لديك رسالة تودين توجيهها إلى مصر والعالم العربي؟
ـ رسالتي الأولى، هي أنني أكنّ صداقة كبيرة للعالم العربي. أنت تعلم أنني مواطنة بلغارية، وبلغاريا لها مسار تاريخي قريب من مسار العالم العربي. نحن وأنتم انتمينا لعصور للإمبراطورية العثمانية، وكانت لدينا مبادلات ثقافية وإنسانية واسعة. فضلا عن ذلك، بلغاريا بلد متعدد الثقافات والأديان والمذاهب والإثنيات. وعلى الصعيد الشخصي، أنا أنتمي لمنطقة 80 في المائة من سكانها بلغاريون مسلمون. ولذا، فقد عشت منذ نعومة أظفاري في هذا الجو المتنوع، وتربيت على مبدأ التسامح. إذن رسالتي الأولى رسالة صداقة ورغبة في التواصل. أما رسالتي الثانية فتتعلق بالانتخابات. وأريد أن أقول إنها كانت انتخابات ديمقراطية وبطبيعة الحال هناك دائما فائز وخاسر. كان يمكن أن أكون أنا الخاسرة. وأود أن أشير هنا إلى أن حملتي لم تكن موجهة ضد مصر أو ضد العالم العربي أو ضد المسلمين. فهي اتسمت بالاحترام والديمقراطية. وقد زرت خلالها العديد من البلدان العربية. وفي كل محطة كنت أردد أنني لا أسعى للحصول على التأييد بقدر ما أريد التعبير عن احترامي للعالم العربي والإشادة بمساهمته في الثقافة والحضارة العالميتين. أما رسالتي الثالثة فمفادها أنني طويت صفحة الانتخابات. وأعتقد أنه يتعين علينا جميعا أن نتجمع مجددا حول المبادئ والأهداف التي هي مبادئ وأهداف اليونسكو، وما تقوم به هذه المنظمة الدولية لصالح التربية والثقافة والمحافظة على التنوع والتعددية، وبالتالي يتعين علينا جميعا أن ننكب على هذه الأهداف، والعمل من أجل تحقيقها. وعلى أي حال، أريد أن أوضح أنه كان هناك اتفاق بين المجموعة الجغرافية، التي أنتمي إليها، أي أوروبا الشرقية، والمجموعة العربية، مفاده أن إدارة اليونسكو يجب أن تكون إما لهم أو لنا. ومع الأيام، قامت صداقة بيني وبين المرشح المصري فاروق حسني. ومساء الجولة الخامسة والحاسمة، اتفقنا على أنه مهما تكن النتيجة نريد أن نبقى صديقين. وبعد الإعلان عن النتيجة اتصل بي ليهنئني، وأكدنا معاً الاستعداد للعمل لمصلحة المنظمة الدولية. إنه من الخطأ النظر إلى ما حصل على أنه حرب بين الشمال والجنوب أو بين العالم المسيحي والعالم المسلم. اليونسكو عرفت في الماضي مديرا عاما مسلما (أمادو مختار امبو)، وثمة رجالات من العالم العربي والإسلامي يتبوأون مراكز مهمة في المنظمات الدولية، ثم إن مجموعتنا لم تتح لها الفرصة أبدا في الوصول إلى مراكز قيادية لا في اليونسكو، ولا في غيرها من المنظمات الدولية. لذا، فليس من الغرابة في شيء أن تتاح لنا أخيرا مثل هذه الفرصة.

* ضمن مسؤولياتك الجديدة، هل لديك خطة معينة إزاء العالم العربي؟
ـ العالم العربي لعب ويلعب دورا مهما في كل ما يتناول حوار الثقافات والحضارات والتفاهم والتسامح. ولا ننسى الدور المحوري للثقافة العربية ماضيا وحاضرا، والمساهمة التي وفرتها للثقافة العالمية. أنا شخصيا، أحب أن أرتاد بين فترة وأخرى معهد العالم العربي في باريس، وسبق لي أن زرته على الأقل عشر مرات منذ وصولي إلى العاصمة الفرنسية عام 2005، وأعجبت بعدد من المعارض التي تتناول مساهمة العرب في تقدم البشرية، من المغرب إلى المشرق. وفي الوقت الحاضر، يتحلى هذا الجزء من العالم بالدينامية. ونحن كأوروبيين نعرف التأثير الذي تمارسه الثقافة العربية علينا. ونرى أن هناك دينامية جديدة تعتمل في العالم العربي، وأن تعاون اليونيسكو مع هذا العالم مهم بشكل خاص لجهة دفع أفكار ومفاهيم الإنسانية والحوار والتفاهم والتواصل إلى الأمام. هذا شيء أساسي في نظري.

* أنت أول امرأة تصل إلى منصب بهذا الأهمية في إطار مؤسسات الأمم المتحدة، وأول مسؤول من دولة شيوعية سابقة. كيف تنظرين إلى هذا الواقع؟ ما هو معناه؟
ـ أعتقد أنه كانت هناك رغبة في رؤية امرأة على رأس اليونسكو. وليس محض صدفة أن أربع نساء ترشحن لهذا المنصب. فالمنافسة كانت في وقت من الأوقات بين النساء. وهذا شيء جيد.
وبالنسبة لي كمواطنة من بلدان أوروبا الشرقية، أعتقد أن انتخابي يحمل عدة معان، وله رمزية قوية. فنحن سنحتفل بالذكرى العشرين لسقوط حائط برلين. وخلال السنوات العشرين الماضية عرف عالمنا تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية، وأيضا على مستوى العقليات والذهنيات. كما أن بلدي انضم إلى الاتحاد الأوروبي، ونحن نعيش مرحلة تكيف مع المعطيات الجديدة ليس فقط في أوروبا ولكن في عالم معولم ومفتوح، وفي نظام جديد يختلف عما عرفناه في السابق. واليوم، يمكن أن نقول إن أوروبا الشرقية مندمجة تماما في العالم، وهذا رمز مهم ورسالة ليس فقط لأوروبا بل لكل الدول التي تعرف تغيرات. فبعد سقوط حائط برلين وتداعي المعالم السابقة عشنا مرحلة من الضبابية حول موقعنا في العالم الجديد وهوية النظام العالمي الجديد. وكنا نخاف من أن نبقى في منطقة رمادية. الآن، نحن هنا وموجودون، وانتخابي رسالة جد إيجابية، فهي رسالة ثقة وتشجيع لهذه المنطقة من العالم التي أنتمي إليها. لكن هناك، إلى جانب ما قلت، خصوصية بلغارية، وأعتقد أن هذا الجانب كان له دور في انتخابي. فبلغاريا كانت دائما، وبفضل موقعها الجغرافي، جسرا للحوار والتواصل الحضاري بين الشرق والغرب. وكانت باستمرار مفترقا للحضارات وهذا ما جعلنا أحيانا ممزقين ما بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب. واليوم، أعتقد أن دورنا كعضو في الاتحاد الأوروبي، هو أن نكون جسرا ما بين أوروبا وشرقها وجنوبها. وبكل تواضع، يمكن أن نقول إنني أمثل هذه التعددية والتواصل بين الثقافات في اليونسكو أو على الأقل أرغب في أن أمثل هذا التواصل.

* ما هي المحطات التي اجتزتها للوصول إلى ما وصلت إليه الآن؟
ـ في مرحلة دراستي الثانوية، أردت أن أتخصص في علوم الآثار، وأن أعمل في هذا الحقل. غير أنني لاقيت رفضا من عائلتي. بعدها، رغبت في التخصص في الصحافة وانتهيت بدراسة العلوم السياسية والعلاقات الدولية. إن تاريخ عائلتي يجعلني متنبهة لأهمية ودور اليونسكو. فعائلتي من جهة والدتي كانت تنتمي إلى وسط متواضع، ذلك أن جدتي كانت أمية ولم تتح لها فرصة الذهاب إلى المدرسة. والدتي أرسلت إلى المدرسة الابتدائية ثم انقطعت عنها لتعود إليها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وبعد أن تزوجت من والدي، استكملت دراستها الثانوية والتحقت بكلية الطب، وحصلت على شهادة الدكتوراه. وهذا الواقع يظهر أهمية التعليم، وأهمية توفير الفرص للجميع. أما والدي، فهو ينتمي لوسط راق. وعائلتي تعود إلى مدينة يوكورودا الواقعة في جنوب بلغاريا قريبا من الحدود مع مقدونيا واليونان. وهي المنطقة التي كانت تخضع للسيطرة التركية، حتى اندلاع حرب البلقان عام 1912. إن قصة عائلتي تلخص تاريخ بلغاريا، ذلك أنها كانت مقسمة إلى جزأين، الأول شيوعي الهوى والآخر ينتمي إلى اليمين المتطرف. وقبل الحرب كان والدي منبوذا فاستبعد من الجامعة، وحرم من استكمال دراسته. حمل السلاح وقاوم، وبعد الحرب أكمل دراسة الحقوق، وامتهن الصحافة، وأصبح لاحقا من كبار أقطاب النظام الشيوعي البلغاري، وذلك حتى عام 1976، حيث تمت تنحيته بسبب خلافه مع القيادة الشيوعية، واضطر إلى التقاعد وهو في الثالثة والخمسين من العمر. أما أنا، وبفضل دراسة العلوم السياسية التي استكملتها في موسكو، فقد أتيحت لي فرصة الذهاب إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراستي مرتين: المرة الأولى، في عام 1989، حيث ذهبت إلى جامعة ميريلاند. والمرة الثانية حينما توجهت للدراسة في جامعة هارفارد.

* هل انتميت للحزب الشيوعي البلغاري؟
ـ نعم، بطبيعة الحال فقد كان الانتماء إليه ممرا إلزاميا للجميع. لكن من حسن حظي، أنني انتميت إلى وزارة الخارجية، التي كانت الوزارة الأكثر ليبرالية في بلغاريا. نحن تأثرنا كثيرا بفترة الرئيس غورباتشوف وبمحاولته إدخال تعديلات على النظام السوفياتي. والحزب الشيوعي عندنا كانت تعتمل في داخله تيارات متعددة. وكان التيار الإصلاحي قويا، ذلك أن الإصلاحيين كانوا داخل الحزب وليس خارجه. كما أن أول رئيس بلغاري انتخب ديمقراطيا كان عضوا في الحزب الشيوعي. إن الانتقال من النظام الشيوعي إلى النظام الليبرالي لم يتم بسهولة وما كان ينقصنا هو النظرة للتغيير على المستوى الاقتصادي، والخطأ الأكبر الذي ارتكب عندنا هو اعتبار كل ما كان موجودا في السابق سيئا، من غير أن نعرف ما إذا كانت البدائل الموجودة أفضل.

* ما هي المراكز التي شغلتها؟
ـ البداية كانت في وزارة الخارجية. ثم أصبحت عضوا في البرلمان البلغاري ثم عينت أول وزيرة دولة للشؤون الأوروبية. وفي هذا المنصب، كانت لي بدايات التواصل مع الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية. ولفترة قصيرة، شغلت منصب وزيرة الخارجية عقب استقالة الوزير عام 1996، ثم ترشحت لمنصب نائبة رئيس الجمهورية. قبل أن أقرر ترك السياسة لفترة، وأنشأت مع بعض الأصدقاء «المنتدى السياسي الأوروبي». وفي هذا الإطار، قمنا بأعمال مفيدة منها تنظيم المحاضرات والندوات ونشر الكتب. وقبل خمس سنوات، عينت سفيرة لبلادي في فرنسا، ومندوبة لها لدى المنظمة الدولية.

* أنت، كما يبدو لي بالغة الطموح. أليس كذلك؟
ـ الأمور مرتبطة في غالب الأحيان بالظروف.

* ومتى رأيت أن لك رغبة وفرصة في الوصول إلى منصب مدير عام اليونسكو؟
ـ أعتقد أنه بدأت هذه الإمكانية في الظهور قبل عام. ودرسنا المسألة في إطار وزارة الخارجية البلغارية، وتحدثت مع رئيس الجمهورية بشأنها، فشجعني ودعمني، مثلما دعمتني وشجعتني حكومتان بلغاريتان متعاقبتان.

* ماذا عن إيرينا بوكوفا ربة المنزل وسيدة العائلة؟
ـ عائلتنا موزعة، وأنا سعيدة لأنني أصبحت جدة. ابني وابنتي متزوجان. صهرنا سويدي، وهو يقيم مع ابنتي في الولايات المتحدة. زوجة ابني بلغارية. وزوجي يعمل في مصرف «بيرد» وهو البنك الأوروبي لإعادة البناء والاستثمار، ويعمل بالتالي في لندن منذ ست سنوات، حيث يرأس القسم الخاص ببلغاريا. أما أخي فهو سفير في سلوفانيا، وكان عضوا في البرلمان.

* ما هي هواياتك؟
ـ أهوى الموسيقى الكلاسيكية والجاز. والموسيقى عندي هي الفن المفضل وخصوصا البيانو. وقد نظمت العشرات من الحفلات الموسيقية هنا في السفارة البلغارية، وفي اليونسكو. وأحب القراءة والمطالعة وأنا منغمسة هذه الأيام في قراءة الكتب التاريخية. أما اكتشافي اللذيذ فهو الكاتب اللبناني باللغة الفرنسية أمين معلوف. أجده استثنائيا ذا نظرة متجددة. إلى جانب ذلك، أنا بالغة التواصل، وأحب السفر، وزرت العديد من الدول العربية: مصر، الكويت، السعودية، المغرب، تونس وغيرها. ومع زوجي أقمنا لائحة للبلدان والمواقع التي ننوي زيارتها وهي باختصار المواقع التي اختارتها اليونسكو ووضعتها على لائحة التراث الإنساني العالمي.