القس. أيمن لويس
بقلم: القس أيمن لويس
يعجبني وغيري مما لهم غيرة على الإيمان المسيحي هؤلاء المتخصصين الذين لا يسكتون على أي نقد أو إساءة أو طعن يقدم للرسالة المسيحية أو للوحي، وسبب الإعجاب أسلوبهم العلمي المتحضر الذي يتبعونه بالبحث والدراسة، أنهم ينهشون الكتب والمراجع ليقدموا الأسانيد العلمية ويفندون النظريات التي يدعيها البعض مقدمين إجابات تحترم عقل الإنسان الراقي وحديثهم موضوعي لا تمل من الاستماع إليه، هؤلاء الدارسون للأفكار النقدية والشبهات لا يفعلون هذا بدافع التعصب والنزعة القبلية التي يعانى منها مجتمعنا لمجرد إثبات صحة أرائهم حتى ولو كان بالباطل بل هم يفعلون هذا بأمانة وإخلاص بحثًا عن الحقيقة
وحبًا في المعرفة لذلك لا يتكلمون إلا بما يجدون من أسانيد وبراهين.
ولكن لا يعجبني كثير من شبابنا لأنهم عندما يُسئلون أسئلة نقدية في عقيدتهم يعجزون عن الإجابة، ليس بسبب نقاط ضعف في الأيمان ولكن بسبب جهلهم في كلمة الله وانشغالهم بعيدًا عن الاهتمامات الروحية والثقافة الدينية. فمن المؤسف حقًا أنه ليس الشباب فقط بل كثير من المسيحيين لا يقرئون كتابهم المقدس رغم اعتزازهم به!!
لا.. ليس الصمت دائمًا حكمة فالصمت أحيانًا إعلان عن العجز والإفلاس عن الإتيان بالحجة، أنني أتذكر أيام الدراسة عندما كان يَسأل المُعلم كيف كان بعض من الطلبة النابهين يصيحون بالإجابة رغم تحذير الأستاذ لهم من الاندفاع بالإجابة حتى يكون هناك فرصة للآخرين ليعلنوا عن مدى معرفتهم، لكن هيهات فمن يملك الإجابة تستفزه الأسئلة، ومن لديه يقين المعرفة من الصعب عليه أن يصمت عندما يدعى المتربصين بالباطل. فمن نتاج عصر العولمة الانفلات الإعلامي بسبب السماء المفتوحة، فقد أصبح كل من يملك ثمن شراء مساحة من الهواء أن يقدم ما يريد ويقول ما يعجبه.
مما لاشك فيه أن الفكر الديني بكل تنوعاته وجد في هذه الفرصة غنيمته المشتهاة ولأن المسافات بين الأديان تبدو قريبة والخيوط قد تختلط متشابكة فهذا في طريق دعوته يرى أنه يستلزم الأمر التعرض لمعتقد الآخرين وذاك في طريق رسالته التبشيرية يحتاج أن يدافع عن عقيدته الإيمانية.
والعجيب في الأمر أن مجتمعاتنا العربية لم يكن لديهم توقع بطبيعة وأسلوب هذا الانفتاح! لذا لم يكن هناك إستراتيجية للتعامل مع المستجدات، ففي هذا الانفلات والكرنفال كان من المتوقع أن نجد حديثًا متشدد أكثر من المعتدل وليس من المستغرب أن نجد المتطرف والمتطاول، وقد اغتنمت الدعوة الإسلامية الفرصة واشترت ما استطاعت من مساحات هوائية في الأقمار العربية والأجنبية إلا أن المستغرب هو رفض مقتضيات النزول لسوق الهواء!
فكما أن لك الحق أن تشترى وتعرض فللآخر فرصة أن يفعل هذا. إلا أن المزاج الإسلامي أصابه حالة من الكدر والغضب بسبب ما تتعرض له عقيدته ونصوصه من نقد وتحليل، فمن الطبيعي أن تتوقع وأنت تقدم دعوتك وفكرك أن تجد تساؤلات وأن تكون مستعد لتقديم الإجابات وأن تكون الإجابات مقنعة، ولكي تكون مقنعة لابد من الاستدلال من مصادر علمية موثقة.
ولابد أن يكون أحيانًا صدام فكري، فهناك اختلافات عقائدية جوهرية ونتوقع أن هناك مَن سوف يتجرأ على القراءة النقدية للنصوص الدينية عند الآخرين، وفي مجتمعنا يفعلون ذلك للديانات الأخرى، لكنهم في ذات الوقت لا يقبلون أي نقد في النص الديني الذي يخصهم!؟ ولأن مجتمعنا لم يؤهل ثقافيًا لمستوى التفكير النقدي العلمي فما بالك بالديني؟
فبالتالي ليس لدينا علم أو معرفة بقواعد وأصول وأخلاقيات وطرق ممارسة النقد.. وهناك فرق بين النقد العلمي وبين التجريح والطعن والتطاول والازدراء، وأيضًا ليس أي نقد هو طعن وازدراء، وليس كل من لديه فكرة نقدية لابد أن يكون عدوًا، فمن حق الإنسان أن يسأل ومن حقه أن يسعى ليجد إجابات على أسئلته فحسب عقيدتي المسيحية من حقي أن أسال حتى الله تبارك أسمه.
ومنذ أكثر من ربع قرن تقريبًا كتب المفكر والكاتب المبدع الراحل "توفيق الحكيم" سلسلة مقالات في جريدة الأهرام بعنوان (حديث مع الله) أثارت سخط الشارع واستنكار رجال الدين الإسلامي حيث أن العنوان يتعارض مع العقيدة مما أضطر الكاتب لتغييره إلى (حديث إلى الله).
وبالنسبة لي كمسيحي لا يمثل العنوان الأول أي مشكلة فنحن نؤمن بأن الإنسان يستطيع أن يتكلم مع وإلى الله.. تسألني كيف! موضوع يطول شرحه ولسنا بصدده الآن المهم أعلم أنني من حقي أن أسأل الله في أي شيء وفي كل شيء، فالله في عظمته قادر أن يجيب تساؤلات الإنسان. وقادر أن يحاورني ويكفي الآن الاستشهاد بهذان الشاهدان من الوحي المقدس "هلم نتحاجج يقول الرب" (أش1 : 18)، "قد أقنعتني يا رب فاقتنعت وألححت عليَّ فغلبت" (أر20 : 7) .
http://www.copts-united.com/article.php?A=8087&I=218