فتي‮ ‬الإعلام المدلل

بقلم: اسامه انور عكاشة

علي الهواء وفي‮ ‬ديكور برنامج‮ "‬البيت بيتك‮" ‬برنامج التليفزيون المدلل الذي‮ ‬بات كأنه قدس الأقداس في‮ ‬المنظومة الإعلامية خرج علينا فتاه الوسيم الذي‮ ‬يختال عجباً‮ ‬وتميس اعطافه نعومة ورقة لينفحنا باحدي نفحاته المباركة إذ انبري كعادته وبوصفه المتحدث الرسمي‮ ‬باسم الشعب المصري‮ ‬مخاطباً‮ ‬الكاتب المصري‮ ‬الكبير محفوظ عبدالرحمن وهو لا‮ ‬يعرف من‮ ‬يكون محفوظ عبد الرحمن هو بالقطع سمع عنه ولكنه في‮ ‬أغلب الظن سأل عنه فضلله واحد من اولاد الحلال واخبره أن الاستاذ محفوظ واحد من آحاد الناس ولعله واحد من كبار المستثمرين ورجال الأعمال بدليل أنه متوجه للعلاج في‮ ‬باريس لذا فقد خاطبه لا فض فوه فماذا قال؟ الأستاذ اللامع ذو البريق تامر أمين وهو‮ ‬ينصحه‮: ‬يا استاذ محفوظ لم لاتعالج في‮ ‬بلدك مثلما‮ ‬يتعالج ملايين المصريين الذين لايملكون المقدرة المادية التي‮ ‬تتيح لهم العلاج في‮ ‬باريس؟ وهو سؤال اذا كان له أي‮ ‬معني‮ ‬فإنما‮ ‬ينم عن معرفة شديدة التواضع بأقدار الناس ومدي أهمية ابداعاتهم بوصفهم مصريين استثنائيين دعنا من الكلمات ذاتها وما تحويه من معني‮ ‬ولنتأمل هيئة الاستاذ أمين وهو‮ ‬يلقي‮ ‬علينا موعظة‮ "‬الجبل‮" ‬وكأنه المسيح عليه السلام‮ ‬يدافع عن الفقراء والعوام‮ "‬طوبي للمساكين‮" ‬مع ان مظهره لا‮ ‬يوحي‮ ‬مطلقاً‮ ‬بأي‮ ‬صلة قربي او حتي تعاطف مع‮ "‬الغلابة‮" ‬وأصحاب السبيل الذين‮ ‬يقاسون من شتي العلل والأمراض ولا‮ ‬يستطيعون السفر علي نفقتهم الخاصة‮..
انظر إليه وهو‮ ‬يعقد ما بين حاجبيه متصنعا الجدية واللوم وكأنه‮ ‬يخاطب تلميذاً‮ ‬في‮ ‬المرحلة الاعدادية ثم انظر اليه ثانيا وهو‮ ‬يضع في‮ ‬صوته كل نبرات الأسف والتأنيب وهو‮ ‬يرد علي زميله في‮ ‬البرنامج الأستاذ خيري‮ ‬رمضان حين حاول أن‮ ‬يخفف من‮ ‬غلوائه ويحاول إفهامه ان كتاب ومبدعي‮ ‬وفناني‮ ‬اي‮ ‬امة من الأمم هم في‮ ‬حقيقتهم بشر استثنائيون لابد من التعامل معهم علي قدر ما‮ ‬يحملونه من رموز وبقدر عطائهم الذي‮ ‬يثري‮ ‬وجدان أمتهم وينير طريق مواطنيهم الي التقدم والرقي‮ ‬لكن لله زمرك‮ ‬يا خيري،‮ ‬فزميلك لا‮ ‬يهمه أن‮ ‬يقتنع بما تقول أو‮ ‬يقنعك بعكسه فهدفه الوحيد من إثارة هذا اللغو هو أن‮ ‬يظهر في‮ ‬صورة المصري‮ ‬الوحيد الذي‮ ‬يهمه أمر وطنه وأنه الحارس الأمين علي مصلحة مصر وشعبها‮.‬
إنها في‮ ‬النهاية مشكلة نفسية بحتة ومنذ أطل علينا الأخ تامر من نافذة البيت بيتك سبقته كاريزميته الخاصة تلك الكاريزما المصطنعة سابقة الاعداد والتجهيز وكانت ادواتها‮ "‬خالف تعرف‮" ‬وادعاء فهم كل شيء دون الآخرين جميعا والتباهي‮ ‬بقربه من مراجع عليا تحمي‮ ‬ظهره وانتمائه الي حزب الأغلبية الساحقة وكادراته الحاكمة والمتحكمة دون أن‮ ‬ينتبه الي مغبة الاعتماد علي هذه الكاريزما الكاذبة ودون أن‮ ‬يعي‮ ‬أن الطموح سقف مفتوح لا حدود للطيران علي قممه ومن حق أي‮ ‬إنسان أن‮ ‬يطير ولا تثريب علي من‮ ‬يحاول إلا إذا جهل أن الطموح إذا كان بلا سقف فهو بلا قاع والفارق بين القفزه لأعلي او القفز إلي أسفل هو مجرد خطوة في‮ ‬الاتجاه الصحيح‮.‬
إن الاستاذ تامر أمين‮ ‬يحظي بصحبة اثنين‮ ‬يتميز كل منهما بكل صفات الاعلامي‮ ‬الناجح فمحمود سعد قد اثبت استاذيته وتفوقه معتمدا علي التلقائية وتلمس مشاعر المصري‮ ‬الحقيقي‮ ‬الذي‮ ‬يأبي‮ ‬أن‮ ‬يتعالي عليه أي‮ ‬شخص حتي ولو كان نجماً‮ ‬مدعوماً‮.‬
أما صاحبه الآخر فيتمتع بكاريزما طبيعية حققها في‮ ‬سنوات قلائل منذ عمل مع عمرو أديب في‮ ‬برنامج‮ "‬القاهرة اليوم‮" ‬وبعد أن انتقل ليصبح في‮ ‬زمن قياسي‮ ‬أحد أعمدة البيت بيتك وبالاضافة الي‮ ‬بشاشة الوجه ولباقة اللسان وخلفية ثرية من الثقافة الشخصية فهناك أسلوب خيري‮ ‬المميز الذي‮ ‬يتسم بمراعاة الادب الجم واحترام الشخصية التي‮ ‬يحاورها او‮ ‬يتحدث عنها وليت الاخ تامر وهو ابن اعلامي‮ ‬رفيع الشأن وواحد من أهم رواد الاعلام في‮ ‬الوطن العربي‮ ‬أن‮ ‬يتبع خطي والده او‮ ‬يحاكي‮ ‬صاحبيه ومما لا شك فيه انه‮ ‬يملك صفات الاعلامي‮ ‬الناجح إلا أنه لا‮ ‬يستعملها وهو‮ ‬يقفز فوق اعتبارات اساسية‮ ‬يمكن أن نسميها ادبيات وتقاليد المهنة لكن الناس الذي‮ ‬يملأون الشوارع والأحياء والمدن لا‮ ‬يهمهم التحليل المهني‮ ‬لأسلوب كل من‮ ‬يحدثهم هم فقط‮ ‬يريدون شخصاً‮ ‬يدخل عقولهم قبل قلوبهم ولا أدري‮ ‬في‮ ‬الواقع كيف تقبل الملايين من الجالسين حول الشاشة اسلوب تامر أمين وهو‮ ‬يخاطب واحداً‮ ‬من أهم مبدعي‮ ‬مصر ليقول له‮: ‬خليك اتعالج في‮ ‬بلدك وكن مثل المصريين الذين لا‮ ‬يملكون حق العلاج في‮ ‬باريس وكأن محفوظ‮ ‬يذهب الي باريس في‮ ‬نزهة أو في‮ ‬رحلة سياحية علاجية لكن الرجل الذي‮ ‬اكتشف اطباؤه انه ضحية فيروس مجهول صعب عليهم تشخيصه‮.. ‬كأنه لا‮ ‬يستحق من وطنه ان‮ ‬يبحث له عن فرصة شفاء ولو كانت في‮ ‬بلاد الواق الواق‮.‬
اعتقد ان تعليقهم الوحيد للأستاذ تامر سيكون كلمة واحدة‮ "‬إخص‮"!‬ ذلك أنهم جميعا‮ ‬يعلمون من هو محفوظ عبد الرحمن وقد وجب الآن علي فتي البيت بيتك المدلل أن‮ ‬يبحث في‮ ‬مكتبات الصحف وفي‮ ‬أرشيف التليفزيون ليعرف ما هي‮ ‬الإبداعات التي‮ ‬قدمها محفوظ للشاشة المصرية سيعثر مثلاً‮ ‬علي باقة الاعمال التاريخية الكبري والتي‮ ‬اقتدي بها الآخرون ويحاولون تقليدها‮: "‬محمد الفاتح‮ - ‬الكتابة علي لحم‮ ‬يحترق‮ - ‬ليلة سقوط‮ ‬غرناطة‮ - ‬الكبرياء‮ ‬يليق بالفرسان‮ - ‬بوابة الحلواني‮" ‬وغيرها كثير ولكن من‮ ‬يقرأ ومن‮ ‬يسمع‮!!‬
نقلا عن جريدة الوفد

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع