آخر إصدار من سلسلة ثقافة الحذاء

أحمد أبو مطر

المطلوب عمر البشير " كل أعضاء المحكمة ومدعيها العام تحت حذائي "
بقلم / د.أحمد أبو مطر
من يتخيل أن هذا هو مستوى رئيس دولة اسمها السودان تعداد سكانها لا يقل عن أربعين مليونا، مستوى لا يليق بأي شخص فما بالك إذا كان في موقع رئيس جمهورية . ففي زيارة استعراضية مفاجئة لولاية شمال دارفور يوم الأحد الثامن من مارس الحالي ، قام بها المطلوب جنائيا دوليا عمر حسن البشير الذي يحمل صفة ( الرئيس السوداني ) ألقى خطابا فيه من العنتريات ما يكفي لتحرير كل الأراضي العربية المحتلة ، ولكن لا يحقق المساواة والعدالة لكافة أبناء الشعب السوداني ، رغم ألاف خرجوا لاستقباله مما يذكرنا بالعديد من أمثاله من الديكتاتوريين العرب الذين يعرفون أن هذه الجماهير يتم حشدها عنوة من قبل أجهزة المخابرات ، ولا يستطيع أي مواطن أن يتخلف أو يقول لا. في هذا الخطاب المليء بالأكاذيب ، أصدر الرئيس عمر حسن البشير آخر إصدار عربي من ثقافة الحذاء العربية ، عندما قال : ( إن قضاة المحكمة الدولية ومدعيها العام تحت حذائي هذا)، ولم يقل الرئيس المطلوب دوليا كم مقاس حذائه الذي يدوس به الشعب السوداني وقياداته الدينية خاصة منذ انقلابه العسكري في الثلاثين من يونيو عام 1989 على حكومة الصادق المهدي المنتخبة انتخابا شعبيا حرا ،

ومن ذلك اليوم الأسود في تاريخ الشعب السوداني عاث فسادا وقمعا ضد كل معارضيه إلى حد أن الدكتور حسن الترابي الذي دعم انقلابه وأعطاه المسحة الإيمانية الإسلامية المزيفة ، لم يسلم من سجونه فقد تم منذ عام الانقلاب إلى اليوم سجنه واعتقاله وفرض الإقامة الجبرية عليه عدة مرات كان آخرها في منتصف يناير الماضي ،  لأنه تجرا على تقديم نصيحة له مفادها ( أن يسلم نفسه لمدعي عام المحكمة الجنائية الدولية حفظا للبلاد وأمنا للعباد وتحمل المسؤولية السياسية ). وقد أعدم الذي يقول أنه يحكم باسم الإسلام في مايو عام 1990 بشكل علني وشنقا 28 ضابطا سودانيا بحجة تخطيطهم لانقلاب عسكري عليه، وهذا في عرفه الإسلامي  البعيد عن كل تعاليم الإسلام أن انقلابه عام 1989 ضد حكومة الصادق المهدي المنتخبة شعبيا حلال بينما محاولة انقلاب هؤلاء الضباط عليه وحكومته العسكرية غير الشرعية حرام .
ولم يعد سرا أن سجل حقوق الإنسان السوداني من قبل حكومة البشير العسكرية من أسوأ السجلات في العالم . ويكفي التذكير أن الجرائم التي ارتكبتها عصابات ومجرمي ( الجنجويد ) المدعومة والمدربة والمسلحة من عمر البشير شخصيا، ارتكبت في إقليم دارفور بحق المواطنين السودانيين من أصول أفريقية من جرائم القتل والاغتصاب والتدمير والترحيل، ما لا يشرف أي عربي يملك ضميرا أن يدافع عن هذه الجرائم ومرتكبيها. في حين أن عمر البشير دعم هذه الجرائم علنا وبدون خجل من خلال العديد من الأعمال التي منها تعيينه لأحد مجرمي الجنجويد المدعو موسى هلال مستشارا له بدون خجل وحياء من ما لا يقل عن مائتي ألف مواطن سودني قتلتهم هذه العصابات، وتم نزوح وهروب حوالي مليونين ونصف سوداني من منازلهم ، وجرائم الاغتصاب التي طالت عشرات ألاف الفتيات والنساء السودانيات .

جرائم مثبتة دوليا من خلال لجان محايدة
هذه الجرائم بحق مواطنين سودانيين بدأتها عصابات ومجرمو الجنجويد منذ ما لا يقل عن خمسة سنوات ، وبدأت معلومات هذه الجرائم تتأكد للمجتمع الدولي من خلال لجان وجمعيات ومواطنين سودانيين أولا، وكان تحرك المجتمع الدولي مبكرا في رصد هذه الجرائم وتوثيقها ميدانيا على أرض إقليم دارفور من خلال لجان دولية ، كانت إحداها في منتصف عام 2007 ضمت 18 خبيرا دوليا محايدا ، وأثبتت أن طائرات النظام العسكرية الرسمية في العديد من الحالات تقوم بمطاردة الهاربين من جرائم عصابات الجنجويد وقصفهم لدرجة الإبادة.
وأيضا حليفه السابق ، الدكتور حسن الترابي الذي أفرج عنه من السجن قبل أيام قليلة، ما زال على رأيه في ضرورة أن يسلم  عمر حسن البشير نفسه للمحكمة الجنائية الدولية ، وقد صرّح للصحافة من منزله في ضاحية المنشية في العاصمة الخرطوم : " أنا رجل قانوني وأؤمن بالعدالة الدولية ، أنا أوافق على العدالة الدولية بغض النظر كانت معنا أو ضدنا " ، وكرّر الترابي تأكيده " أنه على البشير أن يتحمل المسؤولية السياسية عما جرى في دارفور من تقتيل وعمليات القتل التي جرت بصورة واسعة، ومن حرق للقرى والاغتصابات ". ...فهل الدكتور حسن الترابي عميل للغرب كي يستمر في إصراره على ضرورة تقديم  عمر البشير للعدالة الدولية؟ طبعا دون أن ننسى التلون السياسي للترابي ودعمه في مراحل سابقة للمطلوب جنائيا عمر البشير والتنظير الديني لمواقفه ، وهو بالتالي ينطبق عليه في شهادته الآن ضد البشير ( وشهد شاهد من أهلها ).

وكذلك هو موقف الشاعر، والروائي المسرحي الأفريقي ( وول سوينكا ) الفائز بجائزة نوبل العالمية للآداب ، فقد أعلن يوم الأحد التاسع من مارس العالي في مؤتمر صحفي عقده في دبي تأييده لحكم محكمة العدل الدولية لتجريم واعتقال عمر البشير ، وقال صراحة كما نقل مراسل إيلاف من دبي ( إنني ألوم كلا من اتحاد الدول الأفريقية وجامعة الدول العربية لأنهما لم يحركا ساكنا أمام المجازر والمذابح والاغتصابات التي ارتكبت بحق النساء والأطفال والشيوخ من أبناء الشعب السوداني المنتمي إلى القارة الأفريقية . إن السودان ينتمي إلى عائلتين الأولى الاتحاد الأفريقي والثانية جامعة الدول العربية ، ولأننا نعرف أن كلا العائلتين شاهدتا ما حدث من مجازر ومذابح واغتصابات بحق المواطنين القاطنين بالجانب الأفريقي من السودان وأنهما لم تتحركا لمواجهة ذلك ، لم تتحركا لحماية وإنقاذ ونجدة ما يزيد عن مليونين ونصف المليون لاجىء ولم تقوما بأي فعل بصدده، قامت محكمة العدل الدولية وتحملت المسئولية واتخذت قرارها بتجريم عمر البشير....من يكون عمر البشير بالمقارنة مع هؤلاء النساء اللواتي اغتصبن والأطفال والشيوخ الذين أبيدوا وغيرهم ممن جردوا من كافة الحقوق الإنسانية؟ ) .

والسؤال المنطقي للمدافعين:
عن عمر حسن البشير مستعملين ذريعة أنه لا توجد عدالة دولية مطلقة، وأن هناك مجرمون آخرون يستحقون التقديم للمحكمة الجنائية الدولية، نقول لهم هذه أمور منطقية ونؤيدكم فيها تماما، أي أن كل من ارتكب جرائم بحق أي شعب من الشعوب يجب أن يقدم للمحكمة الدولية، وإذا كنا لا نستطيع تطبيق هذا الآن ، فهل هذا مبرر لإفلات من نستطيع تقديمه لهذه المحكمة من المجرمين بحق شعوبهم ؟. هل وجود لصوص ومجرمون يبرر ظهور مجرمين آخرين؟. هل يستطيع قاتل أن يقول للمحكمة: أنا لست وحدي القاتل فهناك قتلة آخرون؟. إن جرائم عمر حسن البشير ليست بحق شعب أجنبي بل هي جرائم بحق شعبه السوداني متنوع الديانات والأعراق، وهو العسكري الذي اغتصب السلطة من حكومة منتخبة شعبيا ، وحاول طوال السنوات الماضية الكذب على الشعب تحت ستار تطبيق الشريعة الإسلامية، وهل سأل نفسه إن كانت هذه الشريعة تبيح له هذا القتل والتهجير والاغتصاب الجماعي؟. أليست هذه الشريعة هي التي ورد في قرآنها الكريم : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والسن بالسن والجروح قصاص )؟. و أليست هذه الشريعة هي التي قال رسولها محمد صلى الله عليه وسلم : ( والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها )؟. إذن لماذا التستر من قبل البعض على جرائم النظام الذي يقوده عمر حسن البشير ومحاولة الدفاع عنها بحجج واهية لا تصمد أمام منطق الشريعة الإسلامية ذاتها؟. هذا رغم أن حكومة المطلوب جنائيا اعترفت على لسانه شخصيا في خطاب له في مايو 2007 أن هناك مبالغات في عدد القتلى في إقليم درافور ، وأن عدد هؤلاء القتلى لا يتعدى تسعة ألاف شخص!!. تخيلوا قاتل تسعة ألاف شخص باعترافه  ألا يستحق الجلب للمحكمة الجنائية الدولية؟ خاصة أنه منذ أكثر من سنتين يرفض تسليم متهمين آخرين مثل الوزير أحمد هارون الموثقة مشاركته في هذه الجرائم. وفي مجال الإعدامات الرسمية لنظام البشير التي تمت علنا ، من ينسى العشرات من ضباطه ومعارضيه الذين أعدمهم شنقا وعلنا في الساحات العامة، وغيرهم ألاف حالات الشنق والسحل والجلد العلني أمام كاميرات التلفزيون ، وهي بحق كل من اعتقد البشير أنه يخطط ضد نظامه اللاشرعي الذي جاء على ظهور الدبابات.

إن لغة الحذاء الوضيعة الموجهة من رئيس دولة لمنظمات دولية ورؤسائها الحقوقيين المعروفين بنزاهتهم وبعدهم عن اللعبة السياسية الدولية ، لا تكسب العربي والمسلم أي احترام وتعاطف ، وهي لا تصدر إلا عن متهم لا يستطيع الدفاع عن براءته ، لأن البريء فعلا يذهب بجرأة لأي محفل عربي أو دولي ليدحض الاتهامات الموجهة له بحقائق مناقضة ، أما لغة الحذاء هذه فهي لا تليق حتى بأبناء الشوارع بل بالمتهمين فعلا الذين يجب أن يساقوا للعدالة عربية أم دولية . إن المصفقين والمدافعين عن هؤلاء الديكتاتوريين الانقلابيين المستبدين لا يملكون أية حجة قوية، ولو كانوا من ضحايا مجازر دارفور لعرفوا حجم الألم والحزن الذي عاشه ويعيشه الشعب السوداني في ذلك الإقليم فقط لأنه من أصول أفريقية...إذا لم يجتمع رأي العرب على رفض لغة الحذاء هذه وأصحابها ، فإن هذا من شأنه أن يعني أننا نستحق هؤلاء الطغاة المجرمين لأنهم من صناعتنا ، صناعة بالروح بالدم نفديك يا....هذا علنا في مواجهته ، وسرا نلعن الساعة التي جاءت به حاكما علينا...فمتى نجرؤ كشعوب ومنظمات وأحزاب عربية على أن نقول علنا ما نعيده ونكرره سرا؟؟.

إضافات مفيدة
من بين التفسيرات لكلمة الجنجويد أنها تعني ( جن على جواد ) كونها تضم عصابات القبائل من أصول عربية مسلمة ، تواجه القبائل من أصول أفريقية غير مسلمة، وغالبية هذه القبائل العربية تمارس الرعي والتنقل حيث المرعى والكلأ ، وغالبية القبائل الأفريقية تمارس الزراعة مما يعني الاستقرار، لذلك تمارس عصابات الجنجويد الهجوم عليهم لتصفيتهم والاستيلاء على مقدراتهم الحياتية. وهناك تفسير آخر للاسم يرى أنه نسبة إلى المدعو ( حامد جنجويت ) أول سوداني من أصول عربية بدأ بتشكيل العصابات المسلحة لمحاربة القبائل السودانية من أصول أفريقية قبل ما لا يقل عن ثلاثين عاما . أما أحد أهم مسؤولي عصابات الجنجويد الآن فهو المطلوب دوليا أيضا  زعيم إحدى القبائل العربية المدعو موسى هلال كان قد قال حرفيا  أنه ( لم يفعل سوى ما طلبته منه الحكومة ) وأضاف ( إن حكومة الخرطوم طلبت من زعماء القبائل تجنيد شبان للانضمام للميليشيات في دارفور، وأن الحرب في دارفور لم تكن أمرا يقرره زعماء القبائل ولكن قرار شنّ الحرب كانت تتخذه سلطات أعلى بالدولة . إنّ زعماء القبائل العربية وغيرها عملوا بتكليف من الحكومة للمشاركة في جهود التجنيد الإجباري ولم يكن أمامهم سوى تنفيذ الأوامر ). نقلت تصريحاته هذه علنا وصراحة من الخرطوم وكالة رويترز ، وأعاد نشرها موقع فضائية العربية يوم العشرين من فبراير عام 2005 .

والملاحظة التي  تستحق التفكير وتدين عمر البشير مباشرة: لماذا تسكت حكومة رسمية مسؤولة عن أمن وسلامة شعب بكامل أصوله وأطيافه على ممارسات عصابات الجنجويد طوال ما لا يقل عن ستة سنوات ؟ ألا تستطيع هذه الحكومة وقف العصابات وردعها لتوقف جرائمها ضد قبائل من الشعب السوداني ؟ كيف تقبل حكومة أن تمارس عصابات هذه الجرائم على أرضها ؟. إن هذه الأسئلة تثبت صحة كلام المطلوب دوليا موسى هلال ، من أن كافة تحركات وجرائم عصابات الجنجويد تتم بأمر حكومة البشير وتخطيطها ودعمها ، لذلك فهو يستحق هذه المحاكمة الدولية ليكون عبرة لغيره من الطغاة والمستبدين.

ahmad64@hotmail.com 
www.dr-abumatar.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع