حنا حنا المحامي
بقلم: حنا حنا
عزيزى الاستاذ جمال مبارك
فى أول صدام مع الاقباط – وأرجو أن يكون الاخير - هاجمت فكرة أو اقتراح تخصيص كوتا للاقباط, وقد وصمت أصحاب هذا الرأى بأنهم يعملون على تقسيم الوطن وتفتيت الوحده الوطنيه.
ولما كنت من أصحاب هذا الرأى يكون من حقى الرد على هذا الهجوم خاصة أن الرد يتمثل فى شرح وجهة النظر مدعمه بالحقائق والوقائع.
وبادئ ذى بدء أنوه الى عبارة "تقسيم الوطن". هذه العباره تفترض أن الوطن متماسك وأن أى إجراء يخل بهذا التماسك يكون اجراء مرفوضا شكلا وموضوعا.
فهل صحيح أن الوطن متماسك وليس به انقسامات أم أن به انقسسمات وانقسامات خطيره تقتضى العلاج الفورى والسريح قبل أن يزيد استفحال الصدع؟
فى أول معركه انتخابيه تمكنت من متابعتها من الوطن الجديد: الولايات المتحده كانت منذ حوالى خمسة عشر عاما. قرأت فى احدى الجرائد ما صرعنى. كان من وسائل الدعايه "لا تنتخبوا المجوسى, لا نتنخبوا الكافر" أصابنى هلع ولم أتمكن من التعليق على هذه الدعايه المروعه من فرط الانغماس لمصالح موكلىّ فى المكتب.
انتظرت أن يحاكم صاحب تلك الدعايه الشائنه ولكن لشد ما كانت دهشتى أن ذلك المرشح قد نجح فى الانتخابات علما بأن كلمه واحده من الكلام الذى تقيأ به كانت كفيله بأن تلقى به الى غياهب السجون. ولا شك بصفتك قد أقمت مددا طويله فى الخارج تدرك تماما هذه الحقيقه.
ما معنى هذا؟ معناه أن النظام قد أباح وسمح بالتفرقه بين عناصر الوطن الواحد. كانت هذه الواقعه بمثابة باب فتح على مصراعيه للطريق الى الظلمه والظلم. ولم تكن هذه هى الواقعه الوحيده بل تكررت كثيرا حتى أنه ترسخ فى أذهان الكافه وعلى رأسهم المسئولين أن كرامة الاقباط ودماء الاقباط أصبحت حقا مباحا للكافه.
فى الانتخابات التاليه حدث ما هو أبشع إذ كان الكاهن سليب متى ساويرس مرشحا نفسه فى مجلس الشعب فأتى خصمه بحمار ووضع على رأسه عمامه الكهنوت ليشير أن هذه الحمار هو المرشح. وفعلا سقط القمص صليب متى ساويرس. وليس ذلك لأن الناخبين اختاروا المرشح الآخر لأنه أكفا مثلا بل لأن ساويرس قس تمثل بحمار. هذا الاسلوب فى الدعايه فى أى دوله متقدمه أو ديمقراطيه يلقى بصاحب تلك المهزله الى السجن لأنه يستهزئ برمز دينى. ولكن النظام سمح بهذا الاستهزاء وتلك السخريه . وهنا يثور التساؤل هل لو كانت مثل تلك السخريه ضد رمز اسلامى يكون للدوله نفس الموقف السلبى؟ بالقطع لا. لأن الفعل الشائن يشكل تعديا على قيم الوحده الموطنيه. هذه هو المنطق السليم.
بتكرار تلك السلوكيات والتعديات المشينه والتى لا توصف الا بأنها اجراميه حدثت مجزره الكشح. ذلك أنه كان قد ترسخ فى اذهان الكافه أن أى اعتداء على الاقباط اعتداء مباح ويتم فى أمان الدوله الكامل لأن أمن الدوله لا ينسحب على الاقباط بل أمن الدوله ضد الاقباط. وفعلا تحققت حسابات من أجرموا فى حق الوطن والمواطنين وتم ذبح وقتل احدى وعشرين شخصا. وتمت أكبر جريمه عرفها العالم فى القرن الحالى. ولم تكن الجريمه ضد الافراد والضحايا فحسب بل تم ذبح وقتل العداله إذ قدمت الجريمه للعداله واذا بالاوراق كانت خلوا من أى دليل يدين الجناه. فلم تجد المحكمه بدا من الحكم بالبراءه.
لم تسائل العداله ضابطا واحدا أو شرطيا واحدا على هذا العمل الاجرامى. كانت النتيجه أن ازدادت الاعتداءات على حقوق الاقباط وكنائس الاقباط.
وهكذا تسمم المناخ الوطنى وتهتكت أواصر كل الروابط الطيبه فلم يعد هناك من يخشى عقاب أو حتى عتاب اذا ما اعتدى أحد على الاقباط.
على سبيل المثال لا الحصر حاول المسيحييون الصلاه فى قرية بمها فى العياط لأن لا كنيسة لهم. حسب معلوماتى إن جريمة الصلاه ليس منصوصا عليها فى قانون العقوبات. مع ذلك جمعوا وتجمع الرعاع وهاجموا بيوت المسيحيين وحرقوا ما حرقوا ودمروا ما دمروا وأصابوا ما أصابوا وتمت لهم السلامه بطبيعة الحال ولم يحاسب واحد بل أجبر الكاهن على الصلح الزائف الذى يشجع على العدوان أكثر مما يكبح جماح أى عدوان. ونجح الرعاع فى أن يحصنوا أنفسهم من صلاة المسيحيين. هذا الاجرام الذى لم تعرفه مصر قد تم والنظام والسلطات فى سبات عميق. وطبعا وافق الاقباط على عدم رفع الصليب ذلك أن الصليب عند الهالكين جهاله أما عندنا نحن المخلصون فهو قوة الله حسبما جاء فى كتابنا المقدس. وقد انتهت الاساءه أو المهزله دون أن يحاكم معتد واحد. فازداد ترسخ الاعتقاد أن دم الاقباط مباح , حقوقوهم مستباحه, دور عبادتهم حرام ومستباحه. وما السبب؟ السبب الرئيسى هو تقاعس الدوله وتقاعس الامن التابع للدوله بل تحيز الامن للغالبيه المسلمه لتفعل ما تراه فى الاقليه المسيحيه.
لم يقتصر الامر على الجهله أو أنصاف المتعلمين بل تعداه الى القضاء. وكما نعرّف القضاء بنبراس العداله, كذلك العداله عمياء لا تعرف الفارق بين مسيحى ومسلم, بهائى وسنى, رجل أو امرأه. ولكن يا سيدى قد وصل التعصب الى محراب القضاء.
حرّم القضاء الزوجه المسيحيه من نفقة زوجها الذى أسلم لأنها تمسكت بعقيدتها التى ولدت عليها. كما أن القضاء خفض نفقة الاولاد الملزم بها الأب لأنهم تمسكوا بديانتهم المسيحيه. علما بأن القانون خلو من تلك الاسانيد التى استند عليها ذلك القضاء. وبذلك منى القضاء بروح التعصب فى ظل حماية الدوله وقبولها.
فى الانتخابات الاخيره لم ينجح مسيحى واحد. وأنا أعنى لم ينجح مسيحى واحد علما بأن الاقباط شريحه لا يستهان بها من الشعب المصرى.
أما عن الاعلام فتحدث يا سيدى ولا حرج. إن الاعلام المملوك للدوله يقوم بعملية تعتيم على ما يحدث من جرائم ضد الاقباط. لا شك أنكم علمتم أن مجلس العموم البرايطانى قد انزعج من مذبحة الكشح. أما صحافتنا فكانت فى سبات عميق. الصحافه التى تملكها الدوله تهاجم أى انسان فى الخارج يكشف تلك الحقائق علما بأن هذه هى رسالتها الاولى. كما أنها تتهم أى انسان يتحدث عن تلك الحقائق بالخيانه والعماله واستعداء دول أجنبيه الى أخر تلك الملحمه المستهجنه التى تصيب الانسان أو القارئ بالدوار. وأكرر أن هذه الصحافه مملوكه للدوله.
من الوقائع المزريه التى لا تقع تحت حصر, واقعه الدكتور هانى بشرى. ذلك الشاب النابغه الذى عين معيدا فى كلية طب الاسكندريه قسم التخدير. وحين عاد رئيس القسم من السعوديه مشحونا بالتعاليم السلفيه بعد عامين ووجد ذلك الشاب النابغه انزعج وقال له "على جثتى أن تستمر فى هذا القسم". وفعلا دبرت لهذا الشاب المكائد الى أن اضطر الى الاستقاله. هذا الشاب أرسل رساله الكترونيه الى كل المسئولين فى الدوله ولا حياة لمن تنادى ولم يتحرك مسئول واحد لحمايته. وفقدت مصر أحد نوابغها. حقيقة إنهم لا يقعوا تحت حصر هؤلاء النوابغ الذين فقدتهم مصر ولكن تلك الخساره تقترن بالاضطهاد المباشر والذى لم يحرك له النظام أى ساكن.
تتوالى الاعتداءات على الاقباط فى ظل مباركة النظام بل وحمايته. يقوم المتطرفون بالاعتداء على الديانه المسييحيه فى كل وسائل الاعلام المملوكه للدوله من تليفاز وجرائد وإذاعه, ولا يملك الاقباط حق الدفاع عن مقدساتهم. ما هذا يا سيدى؟ أى دوله على خريطة الكره الارضيه يوجد بها هذه الممارسات البربريه ضد الاقليات؟ علما بأنك عشت فى الخارج.
آخر هؤلاء المعتدين شخص يدعى السيسى وهذا هو اسمه وليس صفته. وجاءت هجماته خلوا من أى موضوعيه. لم يذكر واقعه واحده ليرد عليها بالمثل ويرد على أخطاء تلك الواقعه, ولكن كان حديثه المسموم عباره عن شتم وسب لا أكثر ولا أقل. وكأن كل من يسعى الى الشهره والثروه ما عليه الا الهجوم على المسيحيه والمسيحيين.
يا سيدى ..... القائمه طويله..... طويله, مريره..... مريره. فقد أصبحت المقدسات المسيحيه هدفا مباحا لكل من يسعى الى الثروه الرخيصه أو الشهره الزائفه.
سيدى..... ماذا فعل النظام لكل هؤلاء المعتدين؟ ظل النظام صامتا صمتا يعبر عن الرضا.
لم يكتف النظام بالسلبيه إزاء الاعتداء على دير أبو فانا والرهبان بل راح الامن يعتقل اثنين من الابرياء لاكراه الكنيسه على الصلح والتنازل عن حقوقها حماية للمعتدين.
سيدى......... إن ما سيق بيانه جزء من كل. وهذا جميعه حدث فى ظل النظام القائم. ولا نحتاج الى تكذيب أو تخفيف لهذه الوقائع أو لأثرها على الكافه. لا خلاف أو نقاش أن أى منصف يقول "إن النظام هو المسئول. ذلك أن النظام مسئول أولا وقبل كل شئ عن القيم الاخلاقيه التى تحكم العلاقات بين الافراد والجماعات والمنظمات والهيئات, كما أن النظام مسئول عن العداله, مسئول عن الامن. ولكن للأسف الشديد وبنظره للحقيقه والواقع فقد تمت هذه التجاوزات كلها تحت ناظرى النظام مما رسخ فى ذهن الكافه أن دم الاقباط مباح. كما ترسخ فى ذهن الرعاع أن الاقباط كفار, ولا حاجة بنا الى التفاصيل.
فهل تتصور يا سيدى أنه فى ذلك المناخ المسموم ممكن أن ينجح مسيحى واحد فى انتخابات مجلس الشعب؟ اننا لا نحتاج الى كبير عناء لنقول "بالقطع لا".
وبعد ..... النظام مشكورا يريد أن يعمل على رأب الصدع الخطير وهذا أقل ما يقوم به النظام ليس من أجل الاقباط فقط, وليس من أجل مصر فحسب, ولكن من أجل النظام نفسه الذى شوهوا صورته بتلك الانتهاكات.
وإذا ما وصلنا الى هذه النتيجه, فيتعين أن يكون العلاج ناجعا وصادقا. ولما كان تمثيل الاقباط بواسطة الانتخاب المباشر أمرا غير واقعى أو عملى فمن ثم يتعين ايجاد آليه أخرى
لقد هاجمتم فكرة الكوتا. وكان يمكن أو أؤيدك لولا أن الوضع قد تردى الى ما وصل اليه, وفى ظل النظام القائم. ومن ثم يلتزم النظام برأب الصدع الغائر. وأصبح لا بد من اجراء عمليه جراحيه, أو أى عمل غير عادى وذلك حتى يترسخ فى ذهن الكافه أن المسيحيين جزء لا يتجزا من الوطن (الغالى) وأن التمثيل السياسى يتعين أن يمثل كل فئات الشعب, وأن المواطنين جميعهم أمام القانون سواء لا فرق بين مسلم ومسيحى. حينئذ وحينئذ فقط يمكن أن نقطع نظام الكوتا ثم تعود الامور الى مكانها الطبيعى.
على أى حال إذا كانت ألية الكوتا غير مناسبه أو غير ملائمه من وجهة نظركم, فيتعين أيجداد آليه أخرى مثل التمثيل بالقائمه.
وآنى لست بصدد المفاضله بين نظام وأخر, ولكنى بصدد مبدا لا يختلف فيه مخلصان وهو أن الاقباط مواطنون ويتعين تمثيلهم فى مجلس الشعب.
وأود أن أذكر حقيقه قائمه فى المنطقه التى نعيش فيها ألا وهى اسرائيل. إن اسرائيل تلك الدوله العنصريه ينص دستورها على أن 80% من المقاعد فى الكظنيست لليهود, وعشره فى المائه للمسلمين, وخمسه فى المائه للمسيحيين, والباقى للدروز والملل الاخرى. علما بأن اسرائيل وان كانت دوله عنصريه الا أن دستورها لا ينص على أن دينها اليهوديه.
معنى ذلك أن ما نطالب به ليس شاذا ولكن تكمن المشكله فى نقطه واحده: وهى صدق النوايا.
وختاما يا سيدى أرفع أكف الضراعه الى الله عز وجل أن يوفقكم ويسدد خطاكم من أجل مصرنا الغليه, والغاليه جدا.
وتفضلوا بقبول فائق التحيه والاحترام.
طظ ..... وكوسه
تتردد كثيرا هاتان الكلمتان, الا أن الغالبيه العظمى لا يعرفون ما هو أساس استعمالهما وما معناهما الحقيقى.
طظ: كلمه تركيه بمعنى ملح. ففى العصر التركى كان جامعو الضرائب الاتراك واسمهم "عاشور" يمرون على التجار فى الاسواق ليجبوا منهم ضرائب على كل ما يحملونه أو يعرضونه للبيع. وكانت السلعه الوحيده المعفاه من هذه الضرائب هى "الملح" أى "الطظ". على ذلك حين يقترب "عاشور" من البائع الذى يبيع ملح يقول له البائع "طظ يا عاشور". وعلى ذلك يتركه عاشور "جامع الضرائب" ويذهب الى تاجر آخر.
على ذلك أصبحت كلمة "طظ يا عاشور" تعنى أنه لا شئ لديه يمكن أن يحصل منه على أى ضرائب أو منفعه. وهكذا صارت كلمة "طظ" تعنى أن الجهد صار هباء والنتيجه صفر. الا أن هذه الكلمه صارت تستعمل بمعنى التحقير على نحو ما استعملها مرشد الاخوان عن مصر.
كوسه:
كان صغار التجار يذهبون الى الاسواق لتسويق بضائعهم. وكانوا يقفون فى طابور لسداد الرسوم المستحقه عليهم قبل الدخول. وكان يستثنى من هذا الطابور تجار الكوسه على أساس أنها سريعه الذبول فكان بائعو الكوسه لهم الاولويه فى الدخول فى غير الطابور الذى يلزم كل تاجر أن ينتظر دوره.
ومن هنا صارت مثلا على أن الكوسه هى التى تبيح الافضليه والتميز.
حكمة اليوم:
الحكيم هو من نظر الى عيوب غيره فاتعظ منها, والجاهل هو من ينظر الى عيوب غيره فينتقده عليها.
حنا حنا المحامى
( سبتمبر 2009)
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=7688&I=208