إسحاق إبراهيم
بقلم: إسحق إبراهيم
فجّر الكاتب الصحفي حمدي رزق بجريدة "المصري اليوم" قضية في غاية الأهمية ترتبط بتمدد الفكر المتطرف وتغلغله في بعض الوظائف الحساسة، وتحديداً بين المرشدين السياحيين، هم يمثلون حلقة الوصل التي ينقل من خلالها ثقافة وقيم الشعب المصري إلى الأجانب، فالمرشد السياحي يلازم السائح ويشرح له تاريخنا والعادات والتقاليد والمعالم السياحية المختلفة، ومن ثم وجب أن تتوفر فيه بعص الصفات من أهمها الإستنارة وعدم التزمّت في الدين.
المظاهر التي أوردها رزق على لسان أهل المهنة تنوعت من قيام بعض المرشدين بتصرفات مسيئة ولا تتفق مع طبيعة مهنتهم، إضافة لتناقض سلوكيات عدد كبير من العاملين في هذا المجال، فهم يُحرّمون الآثار ويرونها أصناماً، ويُكفّرون الأجانب لأنهم ليسو مسلمين، ويُحرمّون طعامهم لكنهم يقبلون فلوسهم ويتفقون مع أصحاب البازارات على سرقتهم، ثم جاءت الطامة الكبرى في قيام نقابة المرشدين السياحيين بتوزيع كتب لأعضاء من المسلمين والمسيحيين تزدري المسيحية وتتحدث عن تحريف الكتاب المقدس وتُكفّر المسيحيين.
هذه المظاهر لم تعد حكراً على نقابة المرشدين السياحيين فقط، لكنها تكررت بأشكال مختلفة في نقابات أخرى مهمة وعريقة، وهو ما يدل على أن تغلغل الفكر المتطرف والمتشدد وصل إلى مهن النخبة المسئولة أو التي تعمل في مجالات لها علاقة بالإستنارة، فقد رفض مجلس نقابة الصحفيين إستضافة مؤتمراً للتمييز الديني في التعليم تنظمه مجموعة "مصريون ضد التمييز الديني" واختلق أعضاء في المجلس رواية أن المؤتمر يناقش البهائية، وراحت معظم الصحف تنشر هذا الكلام دون تدقيق ودون الرجوع إلى القائمين على المؤتمر، هذه النقابة التي يُفترض أنها تدافع عن الرأي والرأي الآخر يقوم مجلس إدارتها باستقصاء الرأي الآخر، وبطرق غير مقبولة. لم يختلف الوضع كثيراً في نقابة الأطباء التي يشجع مجلس نقابتها طرق من العلاج غريبة وشاذة وغير علمية مثل الطب النبوي والحجامة علاوة على قرار النقابة الشهير الذي تراجعت عنه بمنع نقل الأعضاء من مسلمين إلى مسيحيين ومن مسيحيين إلى مسلمين. هذه النقابة يُفترض أنها تقوم بوظيفتين لا ثالث لهما، أن تدافع عن تقاليد المهنة الراسخة وما يتضمنه هذا من عقاب المتجاوزين والمخطئين ثم الدفاع عن حقوق أعضائها لكن نقابة الأطباء اهتمت بأشياء أخرى منها جمع التبرعات لصالح حركة حماس وتنظيم المؤتمرات التي تساند وتدعم الفكر الإخواني الإصولي.
والمدهش أن جميع مجالس هذا النقابات يقولون عكس ما يؤمنون، فالشعار واحد "كله تمام" هذه النقابة مهمة ولا يمكن أن تصلها يد التعصب، فنحن نقابة تؤمن بحقوق المواطنة ولا تفرق بين عضو وآخر فالجميع سواسية كأسنان المشط، هذه الشعارات صنعتها الحكومة وقلدها النقباء في ترديدها، فنقيب المرشدين السياحيين تجاهل الوقائع التي أوردها حمدي رزق ولم ينف وجود مرشدات منقبات أو قيام موظفي النقابة بتوزيع كتب عن تحريف المسيحية وهل قام بعقاب هذا الموظف الذي تجاوز مهام وظيفته وقام بتوزيع كتب تنشر سموم تهدد استقرار الوطن لاسيما أن هذه الكتب والشرائط الدينية لا تخضع لأى رقابة وأهدافها مشبوهة، فهي تدعو للقضاء على الآخر وتبث روح التعصب والفرقة بين النفوس علاوة على أنها ركيكة ومغلوطة وليست صحيحة دينياً.
وأكتفي بالقول "إن الإرشاد السياحى مهنة أمن قومي يمر من خلالها المرشد المرشح للقيد بالنقابة بعدة إختبارات وفحوصات، ثم دورات ذات طبيعة خاصة تجعل من المستحيل أن يكون هناك من يحتقر السياحة، نتحدى أن يكون قد تسرب إلى أي من الزملاء هذا الفيروس المتشدد لأن ذلك سوف ينكشف لا محالة، خاصة أننا لم نتلق شكوى من زميل ضد زميل يعتنق هذا الفكر". وبالمثل يعلن جمال عبد الرحيم عضو مجلس نقابة الصحفيين وقائد عزو النقابة واحتلالها في أبريل 2008 لمنع المشاركين -ومنهم عدد كبير من زملائه الصحفيين- من عقد مؤتمر وطني لمنع ومحاصرة التمييز الدينى. يحلف جمال بأغلظ الإيمان بأنه من أشد المناصرين للمواطنة وحقوق الإنسان!!!
مجالس إدارة النقابات لهم حسبة مختلفة، هم لا يهتمون بالتنوير والثقافة وحرية الرأي وغيرها من القيم النبيلة، هم فقط يسعون إلى المصالح الشخصية والإنتخابية الضيقة جداً، فتذهب المهنة إلى الجحيم وليبقى هم في كراسيهم، أعتقد أن الأقباط والمسلمين المستنرين عليهم واجب وطني لاستقصاء هؤلاء من مناصبهم، فيكون الهدف هو منع هؤلاء المتشددين من النجاح في الإنتخابات القادمة، فهل يتحمل المستنيرون المسئولية أم سنشاهد مزيداً من التراجع تجاه التطرف الفكري والديني؟!!
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=756&I=21