بقلم - عايدة رزق
.. وأنت تهرول كالمطارد من مكان لمكان للحاق بموعد مهم.. أو لاستكمال بيانات أوراق رسمية.. أو وأنت محاصر كالأسير داخل سيارتك في شارع مزدحم في ساعات الفوضي المرورية.. أو وأنت تجلس كالمنبوذ في عيادة طبيب تأخر ساعتين عن الميعاد.. أو وأنت محشور- كمشاغب بمظاهرة- في طابور طويل أمام أحد مكاتب الخدمات.. تذكر هذه المقولة البديعة لرالف والدو اميرسون هدئ من روعك فسوف تتساوي كل الأشياء بعد مائة عام من الآن.. إذا لم تنفعك هذه المقولة لانها تحتاج لعقلية زاهد.. فذكر نفسك بالمثل الالماني مهما طال أي شيء فلن يستمر للأبد.. وإذا سألتني: لماذا أذهب بعيدا لألمانيا ولدي المثل المصري الصبر مفتاح الفرج؟.. سيكون جوابي ان المصريين في العقود الأخيرة باتوا يعتقدون ان الفرج لن يأتي عن طريق الصبر.. وهكذا اكتسبوا صفة لم تكن من سماتهم وهي نفاد الصبر.. ومن هنا يمكن تفسير ظواهر عديدة انتشرت اخيرا في المجتمع المصري مثل عدم القدرة علي اتقان العمل.. وكثرة حوادث السيارات.. وسرعة اندلاع المشاجرات.. كما يمكن تفسير ظواهر أخري تبدو للوهلة الأولي ان لا علاقة لها بالصبر.. مثل قلة المواهب وندوة العباقرة..
فلو كان تواس اديسون الذي اخترع المصباح الكهربائي قد نفد صبره بعد ان فشلت سبعمائة محاولة اجراها.. لكان ليل البشرية مازال يضاء بالشموع والنجوم.. كذلك ما كان يمكن لمايكل انجلو ان يدخل التاريخ بوصفه احد اعظم الفنانين في تاريخ الانسانية.. لو لم يتحل بالصبر الجميل الذي مكنه من رسم سقف كنيسة سيستيين شابيل وهو معلق علي ظهره ساعات طويلة لمدة أربع سنوات كاملة.. لذلك لم يخطئ الفرنسيون حين قالوا ان العبقرية ليست سوي قدرة عظيمة علي الصبر.. أيضا لم يخطئ الامريكيون عندما اشاروا إلي ان الموهبة هي صبر طويل.. فوالت ديزني الذي يعد احد أهم الشخصيات في القرن العشرين كان يمكن ان ينضم إلي فئة المجهولين لو كان صبره نفد بعد ان تم رفض تمويل مشروعه302 مرة.. كما ان عدم القدرة علي الصبر كانت وراء معظم الحوادث المروعة.. كالحادث الذي وقع في شيكاغو وراح ضحيته عشرة مواطنين.. وبدأ حين انحرفت شاحنة عن الطريق وقتلت ثلاثة من المارة فسارع سبعة اشخاص كانوا في المكان إلي اخراج السائق ومن معه من السيارة وانهالوا عليهم بالضرب حتي فارقوا الحياة..
هذا الحادث دفع إم جيه رايان إلي تأليف كتاب اطلقت عليه اسم قوة الصبر قالت فيه ان مري حياة هؤلاء الاشخاص- وكثيرون امثالهم- قد تغير في اللحظة التي فقدوا فيها صبرهم.. ولم يتركوا العدالة تأخذ مجراها.. اما ديفيد هاردن مؤلف كتاب تعلم كيف تصبر, فهو يري اننا نعيش في عصر تسود فيه ثقافة ضد الصبر.. فالناس أصبحوا يعتقدون ان الانتظار يدل علي وجود خلل ما في المجتمع.. متجاهلين ان الإنسان كان وسيظل مضطرا إلي الانتظار, وبالتالي مضطر إلي الصبر.. ففي الماضي كان ينتظر عودة الأحباب من الصيد.. وينتظر الطقس المناسب للزراعة.. وينتظر انحسار الاوبئة.. اما الآن فقد تغيرت الاشياء التي يتعين علي الانسان انتظارها.. فهو ينتظر الاشارة الخضراء للانطلاق.. وينتظر اصلاح عطل الطائرة.. وينتظر استجابة جهاز الكمبيوتر.. اما المعلومات التي لا يعرفها المؤلف فهي ان الناس في العالم الثالث ينتظرون اعواما للبت في دعاوي رفعوها ضد خصومهم.. وينتظرون سنويا علاوة تصلح حالهم.. وينتظرون أياما في طابور للحصول علي رعيف العيش.. بالاضافة إلي ان هناك بشرا يتطلب التعامل معهم استدعاء صفة الصبر,
وهؤلاء اشار إليهم مؤلف كتاب سحر البر حين قال انك لكي تمارس الصبر تحتاج إلي اوغاد, اما الذين يتسمون بالدماثة فالتعامل معهم لا يتطلب صبرا.. وفورا سأنهي هذا المقال قبل ان ينفد صبري علي الكتابة.. وينفد صبرك علي القراءة.
نقلا عن الاهرام
http://www.copts-united.com/article.php?A=751&I=21