بقلم: نايل شامة
ضجة سياسية واسعة صاحبت إعلان جماعة الإخوان المسلمين عن مشروعها للنهضة، أعقبها جدال وسجال إعلامى محموم، تخلله تصريح لنائب المرشد العام بأن المشروع ما زال فى طور الأفكار والاقتراحات، ولم يتبلور شكله النهائى بعد، وإن كان التسويق له يرتكز فى مجمله على أنه سيقيل البلاد من عثرتها الاقتصادية الحالية، وسيمهد الطريق إلى المستقبل المشرق المنشود.
لكن النهضة ليست فقط كما هو شائع اقتصاداً ينمو، واستثمارا يتدفق، وأموالاً تضخ، ووظائف تخلق، وإنما هى قبل ذلك كله اهتمام وعناية بالقاعدة الاجتماعية التى ستضطلع بهذه النهضة، وتقيم أسسها، وتدفع كلفتها. فلا تستقيم نهضة دون استقامة القائمين عليها، ودون إقامة العدل وتحقيق المساواة بينهم جميعاً.
وبعيداً عن تفاصيل الخطط الاقتصادية والبرامج التنموية، فإن أحد مآزق النهضة المرجاة يتمثل فى غياب المساواة بين المرأة والرجل عن عقيدة وفكر وممارسة الجماعة السياسية الأكبر والأكثر تنظيماً فى البلاد، والتى أخذت على عاتقها تخطيط وتسويق وتنفيذ مشروع النهضة. فبداية من «مذكرات الدعوة والداعية» للإمام حسن البنا فى الأربعينيات وحتى صياغة المواد الدستورية المتعلقة بالمرأة فى 2012م، تشير أدبيات جماعة الإخوان المسلمين إلى موقف ملتبس من المرأة، يعترف بالمساواة بين الجنسين، لكنه يضع لتلك المساواة فى الأغلب قيوداً وشروطاً وضوابط. كما أن السلوك السياسى العملى للجماعة، وهو فصل الخطاب فى تحليل أداء أى جماعة سياسية، يؤكد تهميشا واضحا للنساء، واستبعادا لهن من سدة القيادة، والاكتفاء بوجودهن فى الصفوف الخلفية، حيث يلعبن أدواراً مهمة فى الحشد والتعبئة والتصويت. أما التخطيط والقيادة واتخاذ القرارات فحكر على الأعضاء الرجال، وهو ما ينبئ بطبيعة الفكر السائد، والتراتبية القائمة فى هيكل الجماعة، وتوزيع العمل المبنى عليها.
فعلى الرغم من أن مشاركة كوادر جماعة الإخوان المسلمين فى الانتخابات البرلمانية بدأت فى عام 1984م، فإن هذه المشاركة اقتصرت على الرجال فقط حتى عام 2000م، حين ترشحت من صفوف الجماعة امرأة واحدة فقط هى السيدة جيهان الحلفاوى، بعد جدال ونقاش محموم بين الإخوان حول الفكرة ومدى شرعيتها وإمكانية تطبيقها. وفى انتخابات 2005م، ترشحت أيضاً امرأة واحدة فقط (هى مكارم الديرى عن دائرة مدينة نصر) من مجموع 161 مرشحاً إخوانياً خاضوا الانتخابات (أى بنسبة تقل عن 1%). وفى انتخابات 2010م، خاضت نساء الإخوان غمار الانتخابات على مقاعد المرأة فقط، ولم ينافسن على بقية المقاعد. أما فى انتخابات 2011م التى أعقبت ثورة الخبز والحرية التى لعبت فيها المرأة المصرية دوراً بارزاً، فاقتصر وجود النساء على قوائم حزب الحرية والعدالة (كما يفرض قانون الانتخابات)، ولم يرشح الحزب أية نساء على المقاعد الفردية. أما عدد النساء المنتخبات عن حزب الحرية والعدالة فى مجلس الشعب فبلغ 4 فقط من بين 216 مقعداً حصل عليها الحزب (أى بنسبة تقل عن 2%).
وتشكيل الهياكل الرئيسية لجماعة الإخوان المسلمين يؤكد إقصاء واضحا للكوادر النسائية. فمنذ إنشاء الجماعة منذ نيف وثمانين عاماً، لم تصل أى امرأة قط إلى عضوية مكتب الإرشاد، وهو المماثل فى التراتبية والأهمية لمجلس الوزراء فى الدولة المصرية. وهيمنة الرجال واضحة فى مجلس شورى الجماعة، وهو بمثابة برلمان الجماعة، وفى مكاتب الجماعة الإدارية بالمحافظات المختلفة. وبالتأكيد لا داعى للتذكير بأن منصب المرشد العام ظل منذ إنشاء الجماعة مقصوراً على الرجال فقط.
ولئن كان لأعضاء الجماعة وقياداتها مطلق الحرية فى إدارة أوضاعها الداخلية كما يحلو لهم، فإن تصاعد نفوذها السياسى عقب الثورة قد جلب معه تأثيرات واسعة إلى الفضاء العام، ما يجعل من مناقشة شئون الجماعة بالضرورة مناقشة لشئون الوطن برمته. فعلى سبيل المثال، بلغت نسبة النساء فى التشكيل الأول للجمعية التأسيسية للدستور 6% فقط، زادت قليلاً إلى 7% فى التشكيل الثانى، أما تمثيل النساء فى أول مجلس للوزراء فى عهد الرئيس محمد مرسى فيقتصر على وزيرتين فقط (بنسبة 5% من مجموع عدد الوزراء). وتثير المواد المتعلقة بالمرأة فى مسودة الدستور الجديد القلق والأسى والغضب فى آن واحد، ما حدا بإحدى الناشطات فى مجال حقوق المرأة إلى اعتباره «دستوراً للرجال فقط».
لا يزال البون شاسعاً بيننا وبين دول العالم كما كان دائماً فيما يتعلق بحقوق المرأة. فبحلول العقد الأخير من القرن التاسع عشر، زاد عدد النساء العاملات فى المصانع اليابانية على عدد الرجال، فى الوقت الذى كانت فيه المرأة المصرية لا تزال تكافح من أجل منحها حق العمل والتعليم. واليوم لا يزال الجدل محتدماً حول جواز تولى المرأة رئاسة الجمهورية، بعد أن وصلت المرأة بالفعل إلى موقع القيادة فى عشرات الدول، بما فيها دول إسلامية كباكستان وبنجلاديش. وفى ظل تصاعد تأثير جماعات الإسلام السياسى، فإن تهميش المرأة مرشح مستقبلاً لمزيد من التكريس، بل وربما تتم مأسسة ودسترة هذا التهميش.
لقد فطنت ثورة يوليو منذ ستين عاماً إلى أهمية قيام التنمية على أكتاف الرجال والنساء معاً، فتوسعت فى بناء مدارس البنات، وفى تعيين النساء فى المصانع والمصالح الحكومية، ومنحتهن حق التصويت، وتولت المرأة للمرة الأولى منصب الوزارة. بينما يظل مستقبل المرأة بعد ثورة يناير غير واضح، فسفينتها تتأرجح بين تعنت بعض أهل الدين وتجاهل أكثر أهل السياسة، والتشريعات الخاصة بها تبقى رهناً للمواءمات السياسية والمصالح الانتخابية الضيقة، ومستقبلها صار فريسة لأفكار وموروثات عفا عليها الزمن، ولكنها تنمو وتزدهر باتساع الوطن وعلى ضفاف النيل الحزين.
لقد تجرعت مصر مرارة كئوس التجارب الفاشلة مراراً، ولم يعد بها طاقة لتحمل المزيد من الانكسار والإحباط وخيبة الأمل. وأى مشروع نهضوى لا يرتكز على عمودية الاقتصادى والاجتماعى سيفشل قبل أن يبدأ. وعليه، فإن أرادت جماعة الإخوان المسلمين حقاً أن تقنع المتشككين، وتشجع المترددين، وتستنفر طاقات الجميع حول مشروعها، فعليها أن تضرب المثل، وتقدم القدوة، وتلهم الباقين بالسلوك والعمل.
نقلاً عن الشروق
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=74978&I=1342