البطريرك (118) المنتظر (4)

د. ماجد عزت اسرائيل

بقلم: د. ماجد إسرائيل
الفئات التي يختار منها البطريرك

توالى على كرسي البابوية (117 بابا)، وقد تم اختيار البطريرك من فئات متعددة منها العلمانيين والرهبان ومطارنة الإيبارشيات والأساقفة العامين وهذا ما سوف نوضحه فيما يلي.

3– الأساقفة والمطارنة
- تعريف الأسقف:

الأسقف كلمة محرفة عن اللغة اليونانية EPISCOPUS=BISHOP، وتعني المتعاهد (المسئول)، أو المفتقد (الناظر )، أو الراعي، وربما يقصد بذلك تفقده لأحوال أهالي أسقفيته وتعهده لهم بالرعاية، ويختص بالإشراف على منطقة بعينها وليس كل أهل الطائفة ولذلك قيل عنه "أب شعب واحد".
- المطران:
هو الرتبة التي تلي البطريرك، كما أنه كبير أساقفة، ويقوم بنفس مهام الأسقف.

- الأسباب والدوافع وراء اختيار البطريرك من بين أساقفة ومطارنة الإيبارشيات:
ظهر تيار داخل الكنيسة ينادي بأنه ليس في تاريخ الكنيسة ولا عقيدتها ولا طقوسها ولا قوانينها ما يمنع من اختيار البطاركة من بين أساقفة ومطارنة الإيبارشيات الذين سبق رسامتهم لأقاليم الكرازة، وأنه خير للكرسي البابوي أن يختار له من سبق أن عرفه الشعب عمن لم يعرفه من العلمانيين والرهبان؛ ويأتي ذلك على ضوء ما اكتسبه من خبرات في شئون الإدارة وفن القيادة لرعيته.
ويدلل أصحاب هذا الرأي على ما كان ساريًا حتى عهد البابا "خائيل الأول" البطريرك رقم (46) (743-767م)، الذي ساير الكنيسة الأنطاكية السريانية الأرثوذكسية في اختيار البطاركة من الرهبان، وقد انتخب على هذا الأساس البابا "مينا" البطريرك رقم (47) (767-776) الذي جاء بعده وصارت قاعدة مستقرة.
وشهد القرن العشرين اختيار العديد من بين أساقفة ومطارنة الكنيسة لكرسي البطريركية؛ ومن أمثال هولاء البابا "يوأنس التاسع عشر" البطريرك رقم (113) (1928-1942م)، الذي كان مطرانًا للبحيرة (دمنهور)، والبابا "مكاريوس الثالث" البطريرك رقم ( 114) (1944-1945م) الذي كان مطرانًا "لأسيوط"، والبابا "يوساب الثاني" البطريرك رقم (115) (1946-1956م) الذي كان مطرانًا "لجرجا".

- أسباب الهجوم على اختيار البطريرك من أساقفة ومطارنة الإيبارشيات:
1- كانت حجة المنادين لهذا الرأي هو الخبرة السابقة التي اكتسابها أثناء ولايته في الإيبارشية فهو أمر يصعب قبوله من الناحية الروحية، فالروح القدس الذي حل عليه حين تم اختياره أسقفًا هو نفسه الذي يحل على العلماني أو الراهب إذا اختير للكرسي البطريركي، ومن ثم فلا يمتاز هذا عن ذالك في هذا المضمار.
2- ترشيح أساقفة ومطارنة الإيبارشيات للكرسي البطريركي يجعل المرشح هدفًا للقذف العلني من فوق المنابر في النشرات الإعلامية.
3- ما يتعرض له بعض المرشحين لنقد من البعض الآخر أمام مؤيديهم يتنافى مع مبادئ المحبة المسيحية، مما يؤدي إلى انقسام الشعب لأحزاب كل منهما يؤيد مرشح ضد الآخرين.
4- قيام المرشح من جذب أصوات الناخبين لعمل دعاية إعلامية مقابل أجور مالية أو وعود مفرضة (ترضية) أو لتأييد مفاهيم معينة كلها أمور لا يقبلها الضمير.
5- انقسام مجمع المطارنة والأساقفة بتأييد مرشح دون آخر يعرض الكنيسة لهزّات هي في غنى عنها.
6- المطران أو الأسقف الذي يترك ايبارشيته سعيًا وراء المنصب البطريركي هو يبرهن على عدم صلاحيته، لتخليه عن شعبه وتركه له واحتقاره للوظيفة التي منحها له الله، فهو ليس براعي صالح إذا لم يكن أمينًا.
7- المطران أو الأسقف لا يحل له أن يترك إبيارشيته التي رُسم لها ويسعى وراء المنصب البطريركي، بل يعتبر مقطوعًا طبقًا لما ورد بالقانون رقم (13) من قوانين الرسل الذي ينص على: "أيما أسقف ترك كرسيه وعمله وإيبارشيته وتدبير شعبه ومضى إلى غير بلده حتى ولو كان محتاجًا أو مضطرًا فليُنف ويُلقى من رتبته إلا أن يسأل من الأساقفة من يقيم عندهم إلى أن تنقضي حوائجه"، وهو ما ينص عليه أيضًا كل من القوانين رقم (15) مجمع أنطا كية وقانون رقم (1) و(3) من قوانين مجمع سرديكيا سنة (347م)، وقرار البابا "خائيل الأول" البطريرك رقم (46) (743-767م)، وقرار مجمع الأساقفة عام (1865م ) فكل هذه القوانين تمنع انتقال الأسقف أو المطران من إيبارشيته إلى غيرها طوال حياته.
8- فتح باب الترشيح أمام مطارنة وأساقفة الإيبارشيات للكرسي البابوي قد يكون سببًا في تجميع الأموال وعدم القيام بمشروعات إصلاحية ورعوية، ترقبًا لليوم الذي يخلو فيه المنصب لإنفاق هذه الأموال على الحملة الإنتخابية، وضياع الفرصة على إيبارشيته في مجال الإصلاح سواء كان في السعي وراء إنشاء أو ترميم كنيسة أو قاعات مناسبات اجتماعية أو أخوة الرب (الفقراء) من أجل المصلحة الشخصية.
9- ونظرًا لأن البابا ليس رئيسًا إداريًا للكنيسة بدرجة رئيس أساقفة بل هو أسقف بين أخوته الأساقفة ومتساوين في الرتبة، كما أن السلطة العليا في الكنيسة ليست له بل لمجمع المطارنة والأساقفة فإن قوانين الكنيسة تحرّم على أسقف الإسكندرية أن ينتقل إلى كرسي آخر، كما أن انتقاله إلى كرسي البطريركية يعتبر ترقية له، لذا يبقى كرسي أسقفية الإسكندرية شاغرًا طوال حياته وإن كان من الممكن أن يكون له وكيلاً (نائبُا) مساويًا لوكيل بطريركية القاهرة، ولوكيل القاهرة والإسكندرية حق التمتع بعضوية مجمع المطارنة والأساقفة.

وأن كان ذلك يتعارض مع القوانين الآتية:
1- القانون رقم (14) من قوانين الرسل ونصه: "ليس مسموحًا لأسقف أو مطران أن يترك إيبارشيته لغيرها، ولا أن يجمع بين إيبارشيتين لأنه زوج لإيباشيته وأب لشعبها، فكما تحرم كنيستنا العريقة على المدني أن يترك زوجته أو أن يجمع بين امرأتين فهكذا تحرم على الأسقف أو المطران أن يجمع بين إيبارشيتين أو أن يترك كرسيه الأسقفي ليعتلي العرش البابوي".
2- القانون رقم (15) من قوانين مجمع نيقية المسكوني ونصه: "إنه بسبب ما ينشأ من الخلاف والتشويش البالغين قد استحسنا منع العادة التي شاعت في بعض ألاماكن المخالفة للقانون الرسولي، فلا يسمح بعد الآن لأسقف أو قس أو شماس أن ينتقل من مدينة إلى أخرى، وإذا أصر على المخالفة فكل ما يقوم به يعد لغوًا باطلاً، وأما هو فيجب أن يعود إلى الكنيسة التي اختير لخدمتها أسقفًا كان أو قسًا".
3- القانون رقم (21) من قوانين مجمع أنطاكية ونصه: "لا يجوز لأسقف أن ينتقل من إيبارشيته إلى أخرى أو أن يدخل معتديًا برضاه أو بإرغام الشعب أو بإلزام من الأساقفة بل يجب أن يبقى في كنيسته التي دعاه الله إلى رعايتها أولاً ولا يجوز أن ينتقل منها تقيدًا بما سبق وضعه من شرائع".
4- القانون رقم (1) من قوانين مجمع سرديكيا ونصه: "إن هذا الشر الممتد والفساد الخبيث يجب أن يقلع من جذوره فلا يسمح بعد لأسقف أن ينتقل من مدينة صغيرة إلى مدينة كبيرة لأن في هذه المحاولة ظاهرة، فإننا لم نسمع قط بأن الغاية من الانتقال من مدينة كبيرة إلى أصغر، ولا يخفى أن أمثال هولاء تدفعهم شهوة جامحة وهم لا يخدمون إلا طموحهم إلى سلطة أعظم فإن مثل هذا الذنب العظيم يجب أن يعاقب بشدة".
5- وعلى نفس النمط السالف الذكر حينما يتم اختيار مطران أو أسقف إيبارشية يظل المنصب شاغرًا مع تعيين وكيل للمطرانية، ومثال ذلك عندما تم اختيار الأنبا "يوأنس" مطران (البحيرة والمنوفية) سنة (1928م) والأنبا "مكاريوس" مطران أسيوط سنة (1944م) والأنبا "يوساب" مطران (جرجا) سنة (1946م)؛ فقد عانت الإيبارشيات متاعب كثيرة ومعها الكنيسة لمدة ثلاثين عامًا تقريبًا.
6- أن المطران أو الأسقف في إيبارشيته لا يختلف عن البطريرك في شيء، ويمكن لكل أسقف أو مطران أن يمضي في رعاية شعبه دون أن يتأثر بشخص البطريرك.
7- كذلك تمنع قوانين الكنيسة وضع اليد للدرجة الكهنوتية الواحدة مرتين.
8- أن رسامة مطران أو أسقف إيه إيبارشية بطريركًا أو أسقفًا لمدينة الإسكندرية هو تكرار لبدعة "ميليتوس" أسقف ليكوبولس "أسيوط " في أوائل القرن الرابع والتي شجبها مجمع نقية الأول الأمر الذي تستنكره الكنيسة وتعتبره شرير يجب مقاومتها.

على أية حال، جميع الباباوات السابقين على مدى (1734) سنة كانوا يستعينون بالرهبان كمساعدين لهم دون ترقيتهم إلى رتبة الأسقفية، وقد ظل (107) بطريرك يسيرون على هذا النظام؛ حتى قام البابا "مرقس الثامن" البطريرك رقم (108) (1796-1809م) برسامة مساعده الراهب (أسقفًا)؛ وأنه لما كانت كنيستنا القبطية لا تؤمن بعصمة أحد فإن شعبنا قرر أن هذا البطريرك أخطأ، وبذلك يجب ألا نكرره.

- والجدول التالي يوضح أسماء بعض البطاركة الذين تم اختيارهم من بين الأساقفة أو المطارنة

م  اسم البطريرك  رقم البطريرك  فترة رئاسته الفئة النوعية المختار منها
1  بطرس السابع 109  1809-1852م من المطارنة والأساقفة
2  كيرلس الرابع 110  1854-1861م من المطارنة والأساقفة
3  يوأنس التاسع عشر 113  1928-1942م من المطارنة والأساقفة
4  مكاريوس الثالث 114  1944-11945م من المطارنة والأساقفة
5  يوساب الثاني 115  1946-1956م من المطارنة والأساقفة
6 البابا شنودة الثالث (أدام الله حياته ) 117  1971-  من المطارنة والأساقفة ومديري مدرسة الإسكندرية (أسقف عام التعليم والتربية الكنسية والاكليريكية والمعاهد الدينية)


maged_israel@yahoo.com