هل من حقنا مناقشة أي عقيدة دينية؟

أدولف موسى

بقلم: أدولف موسى
من العجيب أنني عندما فكرت قليلاً وسألت نفسي: هل لي القدرة أن أعمل في كل عمل؟ كذبت على نفسى وقلت نعم استطيع. ولكني بعد تفكير عميق وجدت بالفعل عمل واحد لا يمكنني أن أجد فيه نفسي. إن هذا العمل هو أن أكون قاضيًا أو حكمًا، أن أحكم على شيء ما يمكنني به التأثير على آراء الآخرين وأطلب ممن يسمعه أو يقرأه أن يأخذه على أنه مسلمات.. فأنني لا أستطع هذا.
فإنني عندما أدلو بفكرة ما ليس لي الحق أن أفرضها على من يسمعها أو من يقرأها، لأنني بذلك أسلبه حقه في بناء رأيه الخاص، لذلك عندما أطرح موضوعًا للنقاش لا أريد أن أحكم عليه بل أريد أن أطرح جوانبه فقط وأترك لكل من يقرأه أحقيه الحكم عليه بطريقته الخاصة وبحرية تامة بدون أي مؤثر خارحي... أنا بصراحة لا أصلح للعمل كقاضي أو حكم.

فلنأخذ هذا السؤال المطروح أولاً: هل لنا الأحقيه في مناقشة أي عقيدة حتى وإن كانت دينية؟ ولا بد أن يأتي بعد هذا السؤال سؤالاً إجباريًا آخر: هل لا بد لنا من مناقشة عقيدة دينية ما؟ ولكي نكون أيضًا صرحاء مع أنفسنا لا بد أن نطرح هذا السؤال أيضًا: هل لنا أن نأخذ كل ما نؤمر به من الذين يمتلكون قرارات الحكم كمسلمات ويكون ليس لنا حق في نقاشها حتى وإن كانت هذه المسلمات هي بذاتها عقيدة دينية لا تمت لنا بصلة؟

إن أي عقيدة كانت دينية أو شيئًا آخر حتى وإن كانت غير دينية لا بد أن نقسمها إلى أجزاء مختلفة.
فهناك عقيدة ما يدرسها الإنسان ليتعلم منها وليرى مدى صلاحيتها لحياته، هذا يكون راجع لرغبة الإنسان نفسه وهو غير مُجبر على ذلك وبعدها يقرر بمحض إرادته أيضًا هل هي صالحة لحياته أم لا، ولا بد أن يحدث هذا تحت شرط أساسي أن يكفل للباحث حريته في الاختيار الكلية وبدون نفوذ خارجية يمكنها أن تضغوا على حرية قراره.
وهناك عقيده تُفرض على الإنسان دون أن يكون لهذا الإنسان حتى الرغبة في معرفتها ويطالب من هذا الإنسان بعد ذلك تطبيقها رغم عن اختلافها اختلافًا كليًا عن منطق حياته ورغبته، بمعنى آخر رغمًا عن أنفه، في هذه الحالة لا بد أن يُعطى هذا الإنسان أيضًا الحق في دراستها دراسة عميقة لأنه لا بد أن يفهم ما هو مفروض عليه لكي يستطيع تطبيقها تطبيقًا سليمًا وأيضًا لكي لا يخالفها ويُحاكم على مخالفتها. إن صدر هذا القرار من الحاكم فإنه لا بد أن يعلم أنه بذلك يُجبر المحكوم على دراسة ما فُرض عليه.
ولكن هناك مشكلة كبرى.. ماذا إذا كان لمن فُرض عليه أحكام هذه العقيدة سؤالاً لم يفهمه؟ هل يُعطى حق السؤال أو المناقشه للفهم؟ هل كان الهدف إعطاء المحكوم قرارات ليس من حقه فهمها بل لتطبيقها فقط حتى بدون فهم؟ كأن يرغب الحاكم في أن يعمل من شعبه شعبًا غبيًا ينفذون أوامره بلا تفكير، أم هو أصلح للحاكم أن يفهم المحكومون ما يحاسبون عليه؟ وإن كانت العقيدة المفروضة مجال بحث للفهم.. هل يمكن أيضًا نقدها؟ وإن سُمح بالنقد وطُلبت إجابة من علماء العقيدة وكانت الإجابة غير مُقنعة أو غير معلومة.. هل من حق أي من المحكومين أن يرفضها لعدم اقتناعه بها؟ هل يمكن للإنسان رفض ما هو غير مقتنع به؟ حتى وإن كانت عقيدة غير واضحة حتى لأهل علمائها؟

إن الفرق بين القانون المدني والتشريع الذي يسمونه أيضًا في بعض الأحيان التشريع الإلهي هو أن التشريع المدني قابل للمناقشه والتغير، مناقشه وتغير معناهم التطور مع التطور العقلي ومتطلبات الإنسان في كل عصر لعصره أو مكان، لا يمكن أن يُشرع بشيء ما لا يقبل النقاش ويُقال أنه كقانون صالح لكل زمان ومكان. إن كان هذا التشريع صالحًا من قرون عديدة -وإنني أشك في هذا- فلا نستطيع الآن بعد آلاف السنين أن نقول أنه يناسب عصرنا الحالي.
من أكثر الكلمات التي تثيرني شخصيًا وتثير غضبي هي كلمه "كُتب عليكم"، إن هذه الكلمه تسلب الإنسان حقه في الفهم وتضعه في موضع الحيوان بل أقل من هذا، ليس من حقك أن تشل شعبًا كاملاً وتفرض عليه عدم التقدم أو المشي مع مساراة الحضارة وتفرض عليه تشريع لم يتفق عليه حتى علماءه.
إن كان كما يدعون أنه تشريع إلهي فلا بد أن يكون له معنى وتفسير واحد، أما إذا انقسمت الآراء لفهمه أو لتوصيله إلى عامة الناس لكونه معقد وغير سهل التفسير فهذا لا بد أن يكون أكبر دليل على فشله ولا يمكن تطبيقه، لأن تطبيقه بهذه الطريقة يكون عملاً إجراميًا.