المرأة التي‮ ‬لا نعرفها

بقلم: ابراهيم عبدالمجيد

  من العلامات الكبري‮ ‬في‮ ‬تاريخ مصر في‮ ‬العصر الوسيط الكوارث والأوبئة التي‮ ‬جعلت الشعب المصري‮ ‬يكاد‮ ‬ينقرض،‮ ‬وتستطيع أن تتصور ذلك إذا عرفت أن مصر التي‮ ‬زاد عددها علي‮ ‬العشرة ملايين في‮ ‬العصر اليوناني‮ ‬والروماني‮ ‬أو العصر الهليني‮ ‬الذي‮ ‬شهت القرون الثلاثة الأولي‮ ‬منه تعذيب وفتكا بالمصريين الذين آمنوا بالمسيحية لم‮ ‬يتدن عدد سكانها وظل كذلك ويزداد بعد الاعتراف بالمسيحية حتي‮ ‬دخول الإسلام،‮ ‬

وحين دب الضعف في‮ ‬الخلافة الإسلامية توالت علي‮ ‬مصر دول متعاقبة كان المصريون هم آخر من‮ ‬يهتم به الحكام حتي‮ ‬صار الطاعون مرضا لا‮ ‬يبعد عن مصر وهكذا راحت أعداد المصريين تتناقض في‮ ‬ظل الفقر والقهر والفساد ونهب ثروات الوطن وتوالت كذلك المجاعات التي‮ ‬تجد أخبارها عند المقريزي‮ ‬وابن اياس وغيرهما من المؤرخين حتي‮ ‬صارت الناس تأكل أولادها بعد أن عزت القطط والكلاب،‮ ‬ذلك كله معروف لا‮ ‬يضيرنا أن نعيده ولا نخيف به أحدا وانتهي‮ ‬الأمر حين دخل نابليون مصر عام‮ ‬1798‮ ‬بمصر وقد صار تعداد سكانها مليونين لا أكثر من الفقراء أو الشيوخ والأعيان والتجار فقط مليونين ولا تذهل إذا قلت لك إن مدينة مثل الإسكندرية كان عدد سكانها في‮ ‬العصر اليوناني‮ ‬أو المقدوني‮ ‬إذا احببت ثلاثمائة ألف حر ولا شك تستطيع أن تضيف ربعهم أو نصفهم من العبيد وحين جاء نابليون كان تعداد الإسكندرية ثمانية آلاف نسمة،‮ ‬

انظر ماذا فعل الفساد والاستبداد والأوبئة والمجاعات في‮ ‬البلاد،‮ ‬لقد كان ما فعله نابليون بونابرت بسيطًا جدًا إذ أدرك علي‮ ‬الفور ما نسيه الحكام المصريون أن الأوبئة تأتي‮ ‬من القذارة ومن ثم بدأت علي‮ ‬الفور حركة لتنظيف الشوارع واضائتها بالغاز وتم تعيين المرأة لكل شارع لها مهمة واحدة هي‮ ‬اجبار النساء علي‮ ‬تعريض المراتب والمفروشات في‮ ‬الشمس كل‮ ‬يوم جمعة،‮ ‬وتم نقل المقابر خارج القاهرة وهكذا اختفت الأوبئة وبدأت أعداد المصريين في‮ ‬التكاثر وفي‮ ‬عصر محمد علي‮ ‬بدأت نهضة كبري‮ ‬كان من أهم أسسها حرية العبادات فأخذ المسيحيون مكانهم مع المسلمين وكذلك فعل اليهود وانطلقت مصر في‮ ‬نهضة كبري‮ ‬يطول الكلام فيها ويكفي‮ ‬أن مصر البلد الموبوء من قبل صار‮ ‬يهدد أوروبا بأساطيله ويهدد الامبراطورية العثمانية نفسها مما جعل أوروبا بزعامة إنجلترا تتآمر علي‮ ‬محمد علي‮ ‬وتحدد له عدد الجيش بثمانية عشر ألف جندي‮ ‬فقط وأن‮ ‬يفتح البلاد لرأس المال الأجنبي،‮ ‬أو ما سمي‮ ‬بسياسة الباب المفتوح لكن مصر رغم ذلك لم تعد للأوبئة والمجاعات،‮ ‬صارت النظافة عنوانا للبلاد،‮ ‬وبعيدا عن تاريخ مصر السياسي‮ ‬والاقتصادي‮ ‬صارت مصر من أجمل بلاد العالم،‮ ‬مدنها الكبري‮ ‬بالذات،‮ ‬وكان‮ ‬يقال إن لندن وباريس مدينتان نظيفتان مثل القاهرة،‮ ‬

نسي‮ ‬الناس بداية النظافة ونسي‮ ‬الناس المرأة التي‮ ‬عينتها حكومة الاحتلال الفرنسي‮ ‬تعاقب النساء إذا لم‮ ‬يخرجن مفروشات البيوت في‮ ‬الشمس والتي‮ ‬أتذكرها الآن كلما مشيت في‮ ‬شوارع الجيزة الكبري‮ ‬والصغري‮ ‬وكذلك القاهرة إما إذا زرت الريف فحدث ولا حرج عن أكوام الزبالة والجثث النافقة في‮ ‬الطرقات والنفايات التي‮ ‬يلقي‮ ‬بها في‮ ‬النيل وفي‮ ‬الترع والمصارف وغير ذلك مما هو‮ ‬غير خفي‮ ‬علي‮ ‬الشعب كله والحكومة طبعا،‮ ‬يحدث ذلك في‮ ‬وقت فيه حكومة مركزية أقوي‮ ‬من حكومة محمد علي‮ ‬ومحافظون لكل مدينة أقوي‮ ‬من حكام الاقاليم ذلك الوقت وإدارة محلية في‮ ‬كل مدينة أو محافظة ووزارات للصحة والإسكان والسكان وما شئت فما الذي‮ ‬أوصلنا إلي‮ ‬هذا الحال،‮ ‬ولماذا لا‮ ‬يخاف أحد من عودة الأوبئة مرة أخري‮ ‬إلي‮ ‬مصر؟ ما هذه الثقة في‮ ‬أن مصر بخير ونحن نري‮ ‬حولنا إنفلونزا الطيور وقد توطنت في‮ ‬البلاد وأنفلونزا الخنازير التي‮ ‬فيما‮ ‬يبدو سوف تتوطن وطاعونًا‮ ‬يقال إنه قادم من الحدود الغربية وتيفويدًا‮ ‬يفتك بالفقراء في‮ ‬الريف وطبعا لن أحدثك عن فيروس سي‮ ‬ولا فيروس بي‮ ‬ولا البلهارسيا ولا السل الذي‮ ‬كان قد اختفي‮ ‬من البلاد لأنه مرض‮ ‬يرتبط بالفقر لكنه عاد‮. ‬نحن في‮ ‬حاجة شديدة إلي‮ ‬تعيين امرأة علي‮ ‬رأس كل شارع لكن لكي‮ ‬تضرب النساء أو تعبطهن كما كان‮ ‬يحدث ولكن لكي‮ ‬تأتي‮ ‬مرة علي‮ ‬الأقل كل أسبوع بمسئول الحي‮ ‬أو مسئول النظافة في‮ ‬الحي‮ ‬وتربطه إلي‮ ‬أي‮ ‬عمود نور وتطلب من الرجال والشباب وأطفال الحي‮ ‬أن‮ ‬يقوموا بعبطه وضربه بالعصي‮ ‬والخيزران حيث‮ ‬يكره،‮ ‬

لم‮ ‬يعد أمامنا إلا هذا الأسلوب القديم ولكن هل سوف تسمح الحكومة بذلك وهي‮ ‬التي‮ ‬قامت بتعيين هؤلاء المسئولين واعطائهم الرواتب الكبيرة من ضرائب الشعب؟ الحكومة لن تفعل ذلك،‮ ‬إذن ليس أمامنا ألا عبط هذه الحكومة لكن هذا أيضا لا نستطيعه لأن الحكومة وأكبر القوي‮ ‬السياسية كما‮ ‬يقال متفقتان علي‮ ‬ما نحن فيه فالإخوان المسلمون وكل الجماعات الدينية وكل المشايخ في‮ ‬الصحف والفضائيات‮ ‬يتحدثون في‮ ‬كل شيء وأكثر ما‮ ‬يتحدثون فيه كلام فارغ‮ ‬لكنهم ابدا لا‮ ‬يقولون لأحد إن النظافة من الإيمان،‮ ‬وكذلك الدولة ورجالها لا‮ ‬يرون الشوارع التي‮ ‬نراها ولا‮ ‬يريدون بل لا‮ ‬يريدون لأحد أن‮ ‬يذكرهم بشيء كان جميلا في‮ ‬بلادنا وأعني‮ ‬به النظافة كما لا‮ ‬يريدون لأحد أن‮ ‬يذكرهم بالليبرالية وحقوق الإنسان وحرية العبادات ولا انتخابات للمحافظين ورؤساء الأحياء وغير ذلك مما‮ ‬يطول فيه الكلام هل تختلف هذه الحكومات عن حكام مصر في‮ ‬عصور الانحطاط والأوبئة؟ لا أظن‭!‬‮ ‬كلهم لا‮ ‬يهتمون وكلهم استباجوا ثروات البلاد،‮ ‬طيب لماذا‮ ‬يزداد السكان رغم ذلك؟ هذه قصة أخري‮ ‬بطلها الفكر السلفي‮ ‬الذي‮ ‬يرفع شعار تناكحوا تناسلوا فإني‮ ‬مباه بكم الأمم دون أن‮ ‬يفكر أحد كيف تكون المباهاة بشعب أكثر من نصف سكانه مرضي‮ ‬وأمراضه عضال؟

*نقلاً عن الوفد

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع