عندما تصبح الكنيسة مادة إعلامية للإثارة «2»

يوسف سيدهم

بقلم: يوسف سيدهم
يتواصل لقاؤنا مع قضية الأسبوع الماضي وهي: ما موقف الكنيسة من الهجمات الإعلامية التي تتعرض لها؟ فبعد انفتاحها علي المجتمع وتطورها من مجرد مؤسسة دينية شبه مغلقة إلي مؤسسة وطنية فاعلة علي جميع الأصعدة، أصبحت الكنيسة قبلة الإعلام بمختلف تياراته وتوجهاته،وانفتحت شهية الإعلام لتغطية نشاطها تلبية لحاجة القراء لمعرفة أخبارها.. وهنا يجب أن ندرك حقيقة متصلة بالواقع الإعلامي حتي لو لم نرض عنها، وهي أن الإعلام الذي يلهث وراء مادة خبرية أو صحفية يقدمها لقرائه،إذا ضاقت في وجهه مصادر المعلومات وباتت عزيزة بعيدة المنال لن يترد في أن يصنع بنفسه تلك المادة، وسوف يساعده في ذلك الفراغ الناشئ عن ندرة المعلومة والذي يعد بدوره أرضاً خصبة تنمو وتمرح فيها الشائعات.
وهنا تبرز حتمية تسلح الكنيسة بآلية عصرية للتواصل مع الإعلام عن طريق تأسيس مركز إعلامي متخصص يرصد ما ينشره الإعلام سواء منه ما يتصل بأمور الكنيسة مباشرة أو حول ما يجب أن تعني به الكنيسة من شئون الوطن ويحرص المجتمع علي معرفة موقفها منه، ذلك الرصد اليومي الدءوب يصب في دوائر متخصصة لدراسته وتحليله ورفع توصياتها بشأنه للمعنيين بصناعة الرأي والقرار في الكنيسة حيث تتم بلورة رد فعل الكنيسة إزاء ما ينشر ليتولي المتحدث الصحفي باسم الكنيسة نقله إلي الإعلاميين من خلال اللقاءات الدورية المنتظمة والمؤتمرات الصحفية التي تعقد في هذا الإطار.

هذا التوجه ليس خضوعاً من الكنيسة لضغوط الإعلام ولا يمكن أن يُنظر إليه علي أنه ضعف من الكنيسة، بل هو تطور حضاري يعبر عن احترام الكنيسة لحق الرأي العام في أن يعرف وحرصها علي أن تبلغه الحقيقة أولاً بأول، ذلك يؤدي حتماً إلي وأد الشائعات في مهدها ويغرس الثقة لدي الجميع في أن سبيل معرفة الحقيقة متاح.لقد عهدنا في ظروف سابقة علي إثر انفجار الأحداث الطائفية أو إبان اندلاع المظاهرات الغاضبة للأقباط أو تزامناً مع مؤتمرات أقباط المهجر أو العلمانيين، أن بادرت الكنيسة بإصدار تصريح رسمي علي لسان أحد أصحاب النيافة الأساقفة،كما تردد علي فترات متقطعة أن أسقفاً محدداً هو المتحدث الرسمي عن الكنيسة أو أن أسقفاً آخر هو المتحدث باسم قداسة البابا شنودة،لكن ذلك الوضع لم يستمر ولم ينتظم ولم ينجح الإعلام في الحصول منه علي ضالته المنشودة من أخبار أو تصريحات أو تعقيبات بسهولة وشفافية، فكانت النتيجة الحتمية أن البعض آثر الابتعاد لأنه لم يجد مادة مدققة مؤكدة يقدمها لقرائه، بينما صال البعض الآخر وجال في التقاط الهمهمات وصناعة الشائعات تحت مسمي «السبق الصحفي» و«أسرار الكنيسة»!!

ويقول قائل:لا يمكن أن تتوقف الكنيسة عن مباشرة أعمالها ومسئولياتها الجسيمة لتستنزف جهودها في الرد علي كل ما تدعيه الصحافة، كما لا يستقيم أن تستدرج الكنيسة كل يوم في معارك كلامية لا طائل من ورائها.. هذا الكلام ظاهره طيب لكن حقيقته خطيرة لأنه يحصر رد فعل الكنيسة إزاء ما تنشره الصحافة في الإطار الضيق لمعركة بينها وبين الصحفي الذي نشر خبراً مغلوطاً أو الكاتب الذي نشر فكراً مارقاً، وهنا من حق الكنيسة أن تختار ألا تستدرج في معارك كلامية مع بعض الموتورين أو الذين يبغون الظهور علي حساب الكنيسة.لكن الواقع غير ذلك تماماً،لأن ضحايا المادة المنشورة والمضللين من جراء الأخبار المغلوطة هم القراء ومن بعدهم الرأي العام الذي لا تملك الكنيسة خيار تركه دون التدخل السريع لوضع الأمور في نصابها الصحيح ونفي الشائعات قبل استفحالها وقطع الطريق علي من تسول لهم أنفسهم العبث بأمور الكنيسة قبل أن يمضوا في استثمار الشائعات والبناء عليها.

ويقول قائل:المتحدث الصحفي باسم الكنيسة سوف يكون عرضة لمؤامرات ومكائد الإعلام وما قد ينصبه له بعض الصحفيين في المؤتمرات الصحفية من شباك للإيقاع به أو لإحراجه أو لاستدراجه للإدلاء بتصريحات قد تضر بالكنيسة،إذن من الأفضل للكنيسة أن تؤثر الصمت ويكون كلامها ما قل ودل تلافياً للمشاكل...وأعود وأقول إن هذا الحرص المبالغ فيه لم يعد يستقيم مع انفتاح الكنيسة الذي لا رجوع عنه،وكلنا يعرف الأدوات المتاحة لدي المتحدث الصحفي المتمرس الذي يمتلك خبرة التعامل مع الإعلام،فهو لا يعبر عن رأيه بل يتحدث باسم المؤسسة التي يمثلها وينحصر كلامه في الوقائع والمعلومات المتاح له التصريح بها،كما يمتلك مرونة الإجابة عن الأسئلة غير المتوقعة بأنه لا يعرف وأنه سوف يرجع إلي المؤسسة التي يمثلها قبل الإجابة عن السؤال.وفوق هذا وذاك يوجد لدي الكنيسة دائما خط الرجعة المعترف به لتصحيح أي تصريح جانبه الصواب صدر عن متحدثها الصحفي بأن يتولي هو نفسه تدارك تصريحه هذا والعدول عنه دون تكبيل الكنيسة بتبعاته.

إن المخاوف الكثيرة التي تعطل الكنيسة عن تأسيس مركز إعلامي وتعيين متحدث صحفي باسمها يخاطب الإعلام بآلية منتظمة منضبطة آن أوان التخلي عنها...والفراغ الخطير الذي تتركه الكنيسة بصمتها وإحجامها عن التواصل مع الرأي العام آن أوان المبادرة بملئه حتي يتبدد الضباب الذي يكتنفه ويهرب الصغار الذين يمرحون فيه.