حامد الحمداني
المدرسة كما هو معروف هي تلك البيئة الصناعية التي أوجدها التطور الاجتماعي لكي تكمل الدور الذي مارسته الأسرة في تربية وإعداد أبنائها، ومدهم بالخبرات اللازمة لدخولهم معترك الحياة فيما بعد، فهي لذلك تعتبر الحلقة الوسطى والمهمة التي يمر بها الأطفال خلال مراحل نموهم ونضوجهم لكي يكونوا جاهزين للقيام بمسؤولياتهم في المجتمع مستعينين بما اكتسبوه من المهارات المختلفة والضرورية لتكيفهم السليم مع البيئة الاجتماعية الكبرى، ذلك لأن المدرسة ليست سوى مجتمع مصغر، ومنزه، وخالي من جميع الشوائب التي تتعلق بالمجتمع الكبير ،لكي يتمرن فيها الأطفال على الحياة الفضلى، وعلى التعاون الاجتماعي ، والإخلاص للجماعة وللوطن .
ولقد أصاب المفكر والمربي الكبير [ جون ديوي ] كبد الحقيقة عندما عرّف المدرسة بأنها [ الحياة] أو أنها [ النمو ] أو أنها [ التوجيه الاجتماعي ] ورأى أن عملية التربية والتعليم ليست أعداد للمستقبل، بل إنها عملية الحياة نفسها، ودعا المربين إلى الاهتمام بثلاثة أمور هامة لتربية النشء حددها بما يلي:
1 ـ تعاون البيت والمدرسة على التربية والتوجيه .
2 ـ التوفيق بين أعمال الطفل الاجتماعية وبين أعمال المدرسة .
3 ـ وجوب إحكام الرابطة بين المدرسة والأعمال الإنتاجية في البيئة .
ولقد أكد [ديوي] وجوب دراسة الطفل وميوله ورغباته، وضرورة جعلها أساساً في التعليم، كما أكد على التوجيه غير المباشر وغير الشخصي عن طريق الوسط الاجتماعي، وشدد على أهمية التفكير والتحليل ، وفهم معنى الأشياء في حياة الطفل، وإتاحة الفرصة للأطفال لكي يجمعوا الحقائق ويرتبوها، ويستنبطون منها النتائج، ثم يمحصونها ويعرضونها على محك الاختبار حتى تنجلي وتظهر حقيقتها.
فالطفل لا يستطيع أن يكتسب عادات اجتماعية بغير الاشتغال في الأعمال الاجتماعية، والتربية في حقيقة الأمر هي عملية تكوين النزعات الأساسية الفكرية والعاطفية .
لقد قلب التطور الكبير لمفاهيم التربية والتعليم في عصرنا الحالي المفاهيم التي كانت سائدة فيما مضى رأساً على عقب، وبما يشبه الثورة في المفاهيم التربوية فبعد أن كانت المدرسة القديمة لا تهتم إلا بالدراسة النظرية، وحشو أدمغة التلاميذ بما تتضمنه المناهج والكتب الدراسية لكي يؤدوا الامتحانات بها، والتي لا تلبث أن تتبخر من ذاكرتهم، أصبحت التربية الحديثة ترتكز على اعتبار الطفل هو الذي تدور حول محوره نظم التعليم، وأصبح النظام في المدرسة يمثل الحياة الاجتماعية والتي تتطلب الاشتغال في الأعمال الاجتماعية، في الإنسان تلقاء الطبيعة، و تلقاء أخيه الإنسان .
ولقد صار لزاماً على المدرسة أن تشبع حاجة التلاميذ للأمن، وتعطيهم الفرصة لفهم أسرار العالم المادي، والعالم الاجتماعي، وتهيئة فرصة التعبير الحر عن نزعاتهم المختلفة، التي تمكنهم من كسب المهارات العقلية، واللغوية،والاجتماعية.
ولكي تؤدي المدرسة مهامها التربوية على وجه صحيح كان لابد من ربطها بالمجتمع، وهو ما أخذت به المدرسة الحديثة، حيث أصبحت جزءً لا يتجزأ منه، لا تختلف عنه في شيء سوى كونها مجتمع مصغر و مشذب خالي من الشوائب التي نجدها في المجتمع الكبير، وأصبح النظر إلى دور المدرسة في المجتمع هو النظر إلى الثقافة بمعناها الواسع، أي بآدابها وعلومها وفنونها وعاداتها وتقاليدها ،ونواحيها المادية والتكنيكية، وقد تطلّبَ ذلك إعادة بناء المدرسة بحيث تلعب دورين أساسيين في خدمة المجتمع الذي تنشأ فيه وهما:
1 ـ نقل التراث بعد تخليصه من الشوائب .
2 ـ إضافة ما ينبغي إضافته لكي يحافظ المجتمع على حياته، أي بمعنى آخر تجديد المجتمع وتغييره وتطويره بشكل مستمر بما يحقق الخير والسعادة لبني الإنسان.
ولكي تستطيع المدرسة في العالم العربي القيام بواجبها تجاه أجيالنا الصاعدة فإنها بحاجة ماسة وعاجلة إلى ثورة تربوية ديمقراطية ، تتناول كافة المجالات المتعلقة بالعملية التربوية، طلاباً وإدارة ومعلمين ومناهج تربوية وإشراف تربوي، وهذا يتطلب إعادة النظر بإدارات المدارس وإزاحة العناصر الخاملة والمتخلفة عن روح العصر، وتلك التي كان همها الوحيد غسل أدمغة التلاميذ والتمجيد بالرئيس لدكتاتور، وإعادة النظر في المناهج الدراسية، وأخص منها بالذكر المناهج الاجتماعية، وكتب المطالعة العربية، وحذف كل ما يشير إلى الفكر الفاشي الشمولي، والتأكيد على مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في المناهج الجديدة، والتأكيد على بث روح المحبة والتسامح داخل المجتمع، وتقبل الرأي الآخر، ورفض العدوانية والتعصب بكل أشكاله وصوره، وبشكل خاص التعصب الديني والطائفي والقومي .
أما ما يخص المعلمين الذين يمثلون شريحة كبيرة في المجتمع، وذات التأثير البالغ في العملية التربوية، فإن من الضروري القيام بحملة تثقيفية على شكل دورات صيفية تتناول ديمقرطة التربية، وتخليصها من الفكر الفاشي ، وتطهير هذا الجهاز الخطير من العناصر التي تمارس دوراً مخابراتياً وتجسسياً على الطلاب وزملائهم المعلمين ، وتسبب لهم السجن والتعذيب والقتل على أيدي جلاوزة الأنظمة الدكتاتورية ، فمثل هؤلاء لا يستحقون البقاء في سلك التعليم بل ويشكلون خطراً جسيماً على العملية التربوية.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=69&I=2