عماد توماس
**كتب: عماد توماس - خاص الأقباط متحدون
قال الناشط الحقوقي والمتخصص في أبحاث الإسلام السياسي الأستاذ "إسماعيل حسني" في حديث خاص لـ "الأقباط متحدون" عن أزمة الحركة الليبرالية العربية: أننا لا نستطيع اليوم الحديث عن تيار ليبرالي له وجود حقيقي وفعّال في عالمنا العربي، ولكن يمكننا الحديث عن إرهاصات ليبرالية من المحيط إلى الخليج، لم تستطع حتى الآن بلورة اتجاهاتها وأهدافها.
وأضاف حسني أنه على الرغم من تحقيق الفكر الليبرالي لبعض النجاحات تمثلت أساسًا في فرض المفردات الليبرالية على القاموس السياسي لكافة الاتجاهات السياسية في المنطقة حتى أصبح قادة وممثلي الأنظمة السياسية المستبدة بل والجماعات الدينية المتطرفة يتباهون بتزيين خطابهم السياسي بمفردات الخطاب الليبرالي مثل الدولة المدنية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان والمواطنة وغيرها.
بالإضافة إلى تحقيق بعض الاختراقات التشريعية الهامة في مجالات حقوق الإنسان ومناهضة التمييز الديني، إلا أن الحركة الليبرالية لا تزال غير قادرة على حشد الجماهير خلف شعاراتها أو إفراز قيادات شعبية تستطيع النزول إلى الشارع والالتحام بالناس، ولا تزال القاعدة الجماهيرية العريضة تستقبل التوجهات الليبرالية بالكثير من الحذر والتوجس.
هذا النكوص الجماهيري في رأي الناشط الحقوقي "إسماعيل حسني" يرجع إلى أسباب كثيرة، بعضها أسباب تتعلق بالمناخ الفكري والسياسي العام، وأخرى أسباب بنيوية تتعلق بالمنطلقات الفكرية للتجمعات والشخصيات الليبرالية النشطة.
وأشار حسني: إلى أنه على الرغم من أن الفكر الليبرالي له جذوره الوطنية الممتدة في منطقتنا بحكم قيادته للنهضة العربية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، إلا أنه قد تعرض منذ منتصف القرن العشرين لهجمة شرسة من الأنظمة العسكرية الحاكمة التي تناقضت طموحاتها الاستبدادية مع مبادئ الحرية والديمقراطية والمساواة التي يدعو إليها هذا الفكر، ثم جاء تحالف هذه الأنظمة مع جماعات التطرف الديني، ليؤدي إلى انحسار شبه كامل لمنظومة القيم الليبرالية ومبادئها من وعي المواطن العربي.
ومن ناحية أخرى، يضيف حسني: أن الإرهاصات الليبرالية المعاصرة كان لها دورها الكبير في تعميق الهوة بينها وبين الجماهير، فالعديد منها يتخذ من الانسحاق الكامل أمام الهجمة الاستعمارية منهجًا للخروج من مأزق التخلف الراهن.
داعيًا للتماهي مع أهداف هذه الهجمة ومتطلباتها بما يشمل التطبيع مع العدو الإسرائيلي، على أساس أن تحقيق مصلحة الإنسان يجب أن يتجاوز الاعتبارات الوطنية الضيقة. وتتناسى هذه الأصوات أن العامل الوطني سيظل له الأولوية المطلقة طالما استمر قانون ندرة الموارد الاقتصادية والتنافس حولها يحكم الكرة الأرضية.
ويشير حسني: إلى إرهاصات ليبرالية أخرى ظهرت كرد فعل لحركات التطرف الديني فأخذت تهاجم الدين وتدعو إلى الإلحاد، متناسية أن الدين كظاهرة قد ظهرت لتبقى، وأن اختفاء الدين من حياة البشر هو فلسفيًا ضرب من الخيال، وأن العلمانية وهي جوهر الفكر الليبرالي لا تتصادم مع الأديان كقضية وجودية وإنما تدعو فقط لاستقلال المؤسسة الدينية عن بقية مؤسسات الدولة.
والمؤسف أن الآلة الإعلامية للأنظمة السياسية وحلفائها من جماعات التطرف الديني تسلط الأضواء على هذين الاتجاهين السابقين لوصم الحركة الليبرالية ككل بمختلف تهم العمالة والخيانة والكفر والإلحاد.
واختتم إسماعيل حسني حديثه بأننا لازلنا نتطلع إلى بلورة اتجاهًا ليبراليًا، يرتبط في جذوره بحركة الإحياء الليبرالية الوطنية التي قادت منطقتنا إلى مشارف القرن العشرين، وفتحت قلوبنا وعقولنا أمام كل علم ومصلحة نافعين، وأغلقت حدودنا أمام الغزاة والطامعين.
http://www.copts-united.com/article.php?A=6709&I=182