محمود الزهيري
بقلم: محمود الزهيري
من جملة الأزمات المتوالدة في المجتمع المصري أن يكون هناك دورًا للعبادة تشرف عليها الدولة وترعاها وتخصص لها قطع من الأراضي بالمجان في المجتمعات العمرانية الجديدة وكأن الدولة المصرية خصصت دورًا للحياة الدنيا بالتوازي مع دور تصل بالمؤمنين بالأديان إلى حيث تكون جنات الخلد والنعيم الأبدية!
كنت أتمنى أن تكون هناك مساكن لجميع المواطنين المصريين وألا يكون هناك سكان للمقابر وسكان تحت الكباري والعشوائيات, وكنت أتمنى أن تزول أزمة السكن اللا آدمي والتي يسكن في المسكن الواحد منها أسرة بكاملها قد يزيد عدد أفرادها على الخمسة أفراد في حجرة واحدة ومطبخ ملتصق بدورة المياه أو بدورة المياه التي قد يكون مكانها النهائي البلكونة أو مسقط النور أو بئر السلم.
أزمة السكن والعشوائيات وتكدس الأسر كبيرة العدد في مساحة صغيرة, والفقر والجهل والمرض, هي من ضمن جملة أسباب لقانون دور العبادة الموحد, حال كون هذه الأزمات التي تعتبر بمثابة مصانع منتجة بوفرة للتطرف والعنصرية والإرهاب وهي التي تشير إلى أسباب الفرز الطائفي / العنصري, فالبحث عن حل أزمة الإسكان الذي هو الدور المنوط بالدولة في توزيعاتها للثروة القومية والدخل القومي لعلاج أزمات التكدس السكاني والعشوائيات وسكان المقابر وتحت الكباري هو الدور المنوط بأجهزة الدولة وصولاً لعمارة الدنيا, قبل أن تبحث عن عمارة الآخرة لأن عمارة الآخرة ليس من شأن الدولة بهيئاتها ومؤسساتها وأجهزتها.
كان من المتوجب على المجتمع المصري بمسيحييه ومسلميه وكافة طوائفه الدينية أن يبحث عن الحلول التي تؤدي في نهاية الأمر لعمارة الدنيا والوصول إلي حدود معقولة من الرفاهية, أما عمارة الآخرة والوصول للطرق المؤدية إليها فشأن فردي يختص به كل إنسان حسب مجهوداته الفردية في الطاعة والعبادة وحسب ما تيسر له من جهد لأن الجنة في المفهوم الديني درجات, والنار في نفس المفهوم درجات ولا يمكن أن يتساوى الناس في درجات النعيم الآخروي ولا هم من الممكن أن يتساووا في درجات العذاب ذاته وليس من شئون الدولة رعاية إيمان الناس وقياس نسبته.
ولو أن هناك حريات فردية واجتماعية يصونها دستور وقانون مدني في ظل منظومة ديمقراطية ترعى الحقوق والواجبات في ظل دولة مدنية تغل فيها يد الدولة عن مراقبة ضمائر الناس وتوجيه مشاعرهم الدينية والوطنية حسب إرادة النظام الحاكم ووفقًا لهواه ما كانت هناك أزمة في بناء دور العبادة الدينية السماوية أو حتى دور العبادة الوثنية الأرضية لأن المجتمع هو الذي سينتج مؤسساته ودور عبادته التي تراعي في إنشائها الدستور والقانون المنظم لإنشاء أي مبنى.
أما ووضعية المجتمع المصري مأزومة بتراث من المفاهيم الدينية التي يريد كل تيار سرقة مشاعر المجتمع وتوجيه أحاسيسه حسب مصالحه بداية من النظام الحاكم بمؤسساته الدينية الرسمية وأجنحته الدينية الغير رسمية والموظفة لمصلحته في البقاء والاستمرار في السلطة, وكذا زعماء الطوائف والفرق الدينية في المجتمع المصري المأزوم بالمتدينين والبالغ نسبة تدينه مائة في المائة, أي لدرجة الكمال في التدين الظاهري والمهترئ في تدنيه الجوهري بدلالة الجرائم الأخلاقية وأحداث التحرش الجنسي واستخدام كم هائل من الألفاظ البذيئة والقذرة لدرجة استخدام الألفاظ الجنسية الموظفة للأعضاء التناسلية في تغليظ السباب والشتائم, ولدرجة وصل معها سب الأديان لحالة مذرية وحقيرة, ناهيك عن جرائم الدعارة والسرقات والرشوة والتربح واستغلال النفوذ.
وأعتقد أن قانون دور العبادة الموحد والذي يسعى النشطاء لإقراره بمجلس الشعب ونشره بالجريدة الرسمية لتفعيله ما هو إلا تكريس لدور الدولة في توظيف الأجنحة الدينية لصالح النظام الحاكم فقط, وإعطاء بعض الحقوق المهدرة للمسيحيين علي زعم اعتبارهم أقلية دينية مهدرة حقوقهم بالتوازي مع دور العبادة للمسلمين والتي يكاد لا يخلو شارع أو حارة أو هيئة أو مؤسسة حكومية أو حتى وزارة من وجود مسجد بها أو زاوية أو مصلى لأداة صلاة واحدة فقط في يوم العمل تشغل أحد أماكن العمل أو الدراسة من أجل صلاة واحدة, ويا ليت المصلين قاموا بتفعيل صلاتهم من أجل العمل والتخديم على مصالح المواطنين ولكن يد تمسك بالمسبحة وأخرى تتناول الرشوة.
وهذه أمور ضاغطة علي الدولة قد تجعلها في مرحلة تاريخية يسعى لاقترابها الجماعات الدينية لتعطيل العمل كليًا وقت الصلاة الوسطي (صلاة الظهر) ثم يتم فرض شروط الجماعات الدينية الأخرى على المجتمع في نهاية الأمر ليكونوا بديلاً للدولة لأن سلطة الأمر والنهي ستنسحب من الدولة لتكون لهذه الجماعات التي ستتناحر فيما بينها حول المفاهيم الدينية الصحيحة حسب مرادات الله ورسله, ولن يكون المضار الوحيد في هذه الحالة إلا المجتمع والمضار الوحيد هم المسيحيين وباقي الأقليات الدينية سيكون مصيرهم هو والمجهول سواء بسواء!!
قانون دور العبادة الموحد يبرز فيه تخصيص مساحات في المدن الجديدة بالمجان وسيكون التمييز واضح في هذه الحالة حيث ستخصص مساحات مناسبة من الأراضي في المجتمعات العمرانية والمدن الجديدة لبناء دور العبادة وكلمة مناسبة ترجع في نهاية المطاف للدولة, حال كونها كلمة عشوائية غير محددة وغير مراعية لأعداد السكان من المواطنين وهذه محل بحث ومراجعة.
وكذا الرجوع إلى الجهات الأمنية لتكون لها الكلمة الفصل في إنشاء دار العبادة من عدمه, وكذا معاملة القائمين على إنشاء دور العبادة معاملة الأشخاص العاديين في تطبيقات القوانين التي تعاقب بالحبس والغرامة والإزالة بالقانون 106 لسنة 1976.
أعتقد أننا مع المطالبة بإقرار قانون دور العبادة الموحد والذي يطالب به المسيحيين من أجل إصلاح دورة مياه أو ترميم حائط أو بناء دارًا للعيادة لهم, حال كونهم هم المأزومين ومعهم الأقليات الأخرى من مواطني الدولة المصرية, ولكن قبل ذلك يتوجب مراجعة القانون مرة أخرى للتدقيق في نصوص مواده لتكون السيادة للدستور والقانون فقط بعيدًا عن أهواء الجهات الأمنية والإدارية الموظفة لصالح النظام الحاكم.
والنضال الوطني الحقيقي هو من أجل بسط سيطرة الدولة بتفعيل الدستور والقانون وتهميش دور المؤسسات الدينية من جهات الإنفاق عليها ورعايتها, فكما تم خصخصة الاقتصاد يتوجب المطالبة بغل يد الدولة عن الهيئات والمؤسسات الدينية, وكذا وسائل الإعلام حال كون المؤسسة الدينية ومعها المؤسسة الإعلامية هما الخادمتين للنظام الحاكم ليصبح الحزب الحاكم له مؤسساته الإعلامية بالتوازي والتساوي مع باقي الأحزاب السياسية الأخرى وهذه هي أولى خطوات الدولة المدنية.
وهنا لن يحتاج أبناء المجتمع لوصاية من فرد أو جماعة أو هيئة أو مؤسسة حتى دور الدولة سينعدم ليكون رقابي في تنفيذ القانون فقط والإشراف على تطبيقه أما بخلاف ذلك فإن علامات الاستفهام والتعجب ستزداد ويكبر حجمها بحجم مشاكل وأزمات المجتمع والتي من ضمنها أزمة دور العبادة خاصة للأقليات الدينية حسب التعريف بدلالته الأمنية؟!
أما احتكار الدين ومؤسساته وهيئاته حينما يكون تحت سلطة الدولة فهذا ضد مفاهيم الدولة المدنية الحديثة وفي هذا الوقت لن نحتاج لقانون دور العبادة الموحد لأن أي مبنى ديني أو مدني سيخضع لسلطان القانون فقط, حال كون الدولة في هذه الحالة ستكون محايدة وتراقب أداء سلطاتها.
http://www.copts-united.com/article.php?A=6666&I=181