صوم القلب أهم من صوم المعدة !!

القس. رفعت فكري

بقلم: القس رفعت فكري
طالعتنا جريدة الأهرام القاهرية في صفحتها الأولى يوم الجمعة 21 أغسطس 2009بخبر عنوانه (المصريون يأكلون بمليار جنيه يومياً في رمضان‏!‏) وكان نص الخبر (هل تعلم أن‏83%‏ من المصريين يغيرون عاداتهم الغذائية في رمضان فيرتفع استهلاكهم من الحلوي بنسبة‏66.5%,‏ بينما يتزايد استهلاكهم من اللحوم والطيور بنحو‏63%,‏ والمكسرات بنسبة‏25%,‏ نتيجة تبادل الزيارات والولائم التي تزيد بنسبة‏23%,‏ مقارنة بباقي شهور السنة؟‏!‏ تلك الأرقام تؤكدها دراسة صادرة عن مركز البحوث الاجتماعية والجنائية‏,‏ وجهاز التعبئة العامة والإحصاء‏,‏ وهي تشير إلي أن المصريين ينفقون على الغذاء سنويا‏200‏ مليار جنيه‏,‏ ليستأثر شهر رمضان وحده بـ‏15%‏ من هذه النسبة بما يعادل‏30‏ مليار جنيه شهرياً بمعدل مليار جنيه يومياً‏.‏ومن جانب آخر يتواصل حديث الأرقام‏,‏ موضحاً أن نسبة الفاقد من الطعام على الموائد المصرية خلال رمضان يصل إلى‏60%‏ ويتجاوز‏75%‏ في المناسبات والولائم‏.أما في الأسبوع الأول من رمضان فإن المصريين يأكلون خلاله‏2.7‏ مليار رغيف‏,‏ و‏10‏آلاف طن فول‏,‏ و‏40‏ مليون دجاجة‏!‏) انتهى الخبر.

وعن الصدق قال الدكتور مصطفى محمود في مقال عنوانه  "ماذا قالت لي الخلوة" نشرته مجلة صباح الخير القاهرية عام 1970 ما نصه " هل أنت صادق ؟ سؤال سوف يجيب عنه الكل بنعم , فكل واحد يتصور أنه صادق وأنه لا يكذب وقد يعترف أحدهم بكذبة أو كذبتين ويعتبر نفسه قد بلغ الغاية من الدقة والصراحة مع النفس وأنه أدلى بالحقيقة بصورة لا تقبل مراجعة . ومع ذلك فدعونا نراجع معاً هذا الادعاء العريض وسوف نكتشف أن الصدق شئ نادر جداً وأن الصادق الحقيقي يكاد يكون غير موجود وأكثرنا في الواقع مغشوش في نفسه حينما يتصور أنه من أهل الصدق , ........... وفي عالم الدين ودنيا العبادات يطل الكذب الخفي من وراء الطقوس والمراسيم شهر الصيام الذي هو امتناع عن الأكل يتحول إلى شهر أكل فتظهر المشهيات والحلويات والمخللات والمتبلات, من كنافة إلى مشمشية إلى قطايف إلى مكسرات, ويرتفع استهلاك اللحم , وبين كل مائة مصل أكثر من تسعين يقفون بين يدي الله وهم شاردون مشغولون بمصالحهم الدنيوية يعبدون الله وهم في الحقيقة يعبدون مصالحهم وأغراضهم ويركعون الركعة لتقضى لهم هذه المصالح والأغراض" انتهى الاقتباس، وصوم الغالبية من المسيحيين لا يختلف كثيراً عن الصور السابقة, فالشكلية والمظهرية ومسايرة الأغلبية أصبحت من الأمور السائدة والغالبة على مجتمعاتنا بصفة عامة, فالصوم هو طقس وواجب يقوم به المتدينون على اختلاف أديانهم دون النظر إلى جوهره ومضمونه وروحانيته,  لذا فإننا نستطيع أن نقول إن الصوم في جوهره وكما قُصد له أن يكون يختلف كلية عما يفعله معظم الصائمين في هذه الأيام, بل إن الأحداث والأرقام تقول إن الصدق حتى في عباداتنا وأصوامنا أصبح غائباً .

من الخطأ الجسيم أن يظن الصائم أن الهدف من الصوم هو فقط الانقطاع التام عن الطعام لفترة من الزمن ثم تحين وقت الإفطار ليلتهم من الطعام مالذ وطاب, ومن الخطأ الفادح أن يصوم المرء عن الطعام دون أن يصوم قلبه عن ارتكاب المعاصي والمآثم فما أكثر الذين يصومون أجسادهم عن الطعام ولكنهم يعيشون بقلوب وألسنة وعيون غير صائمة !! ما أكثر الذين يصومون عن الطعام وفي ذات الوقت تمتلئ قلوبهم بالشر والخطيئة, ما أكثر الذين لا يأكلون طعاماً ولكن ألسنتهم لا تكف عن أكل سمعة الناس ونهش سيرتهم !! أمثل هذا الصوم يمكن أن يقبله الله ؟!! هل يسر سبحانه بصوم المعدة فقط دون صوم القلب واللسان والعين؟!!
إن الله قدوس وطاهر وعيناه أطهرا من أن تنظرا الشر لذلك فإنه يهتم بالقلب النقي الطاهر أكثر من اهتمامه بالجسد الخاوي الجائع !! إن الله سبحانه لا يمكن أن يقبل الصوم من إنسان تخلو معدته من الطعام ولكن عيونه متعالية ولسانه كاذب ويديه سافكة للدماء وقلبه يقطر تعصباً وكراهية لمن ليسوا على شاكلته فينشئ أفكاراً رديئة, وأقدامه سريعة الجريان إلى السوء والاعتداء على الآخرين, ويزرع الخصومات بين الناس  .

إن الصوم الذي يقبله الله جل جلاله هو صوم القلب عن كراهية الآخرين المغايرين دينياً وعرقياً وصوم الشفاه عن التكلم بالغش والمكر وصوم العين عن النظر بغية الشهوة وصوم اليد عن سفك الدماء والسرقة وأخذ الرشوة ونهب المال العام  .
إن نقاء القلب وطهارته لهو أهم كثيراً عند الله من المعدة الخاوية والجسد الجائع, فما أجمل أن يصوم الإنسان عن خطاياه وشروره وما أروع أن يقترن صوم المعدة مع صوم القلب, إن الصوم الحقيقي الذي يرضى به الله هو الذي نخرج فيه عن ذاتيتنا ونتخلى عن أنانيتنا, فنطعم الجائع ونأوي المسكين ونكسو العريان ونحرر الأسير ونهدي الضال ونساند الضعيف ونقف بجوار المظلوم, إن الصوم الذي يقبله الله هو الصوم الذي يدفعنا إلى أن نرسم البسمة على شفاه المتألمين وأن نمسح الدمعة من عيون الباكين , الصوم الحقيقي هو ذلك الصوم الإيجابي الي يدفعنا لأن نزرع بذار المحبة والخير والسلام وننزع البغضة والكراهية والعنف من قلوبنا, فهل لمن يصومون في كل دين أن يعوا الدرس ؟!!!    

راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا
refaatfikry@hotmail.com