كمال زاخر موسى
بقلم: كمال زاخر موسى
ضبطت قلمى متلبساً بتكرار المطالبة بترجمة النص الدستورى الذى جاء بالمادة الأولى من الدستور المصرى " مصر دولة تقوم على المواطنة " إلى حزمة من القوانين المتفاعلة مع الشارع وطموحاته واحتياجاته، فى أكثر من مقال رغم اختلاف الموضوعات التى تناولتها تلك المقالات، حتى ليخال لى أنه هاجس يسكننى، ولم تكن الدوافع مجرد سعى لحل اشكاليات الأقليات الدينية أو العرقية أو إيجاد مخرجاً لها، لأن فى هذا تضييق مخل لمفهوم "المواطنة".
وعندما عدت إلى الدراسات التى تناولت مفهوم المواطنة تأكد لى أنها الأرضية اللازمة بل والحتمية لحل كل معضلات حياتنا اليومية والتى تواكبت وربما نتجت من التحولات المحلية والإقليمية والدولية فى حقبة العولمة الآنية، لأنها الرابطة التى تربط المواطن بالوطن، وفيها تبرز العلاقة بينهما فى تجاوز لإنتماءات المواطن الأخرى العرقية والدينية والفئوية وما إلى ذلك .
وهى تتأسس على التساوى المطلق بين الأفراد فى الحقوق والواجبات ومن ثم تتأكد فيها الشعور الشخصى ـ والجمعى ـ بالإنتماء للوطن فى اطار الموروث التاريخى المشترك والمصالح الكلية المشتركة وكذا المسئولية عن حماية سلامة أرض وكيان ومصالح ومستقبل هذا الوطن. وفى هذا المعنى نجد أن حقوق المواطنة فى مفهوم الدولة الحديثة لا تتضمن فقط حقوق الإنسان بل وتتجاوزها الى ما هو أعمق من خلال الرابطة العضوية بين المواطن والوطن.
لكن هذا كله يبقى تنظيراً مريحاً للنخبة المثقفة ونظيرتها السياسية، ويعانى من الإنفصال عن الواقع طالما لم تتحرك وتسعى المؤسسات السياسية الفاعلة فى المجتمع إلى خلق آليات تعيد الحياة الى المشاركة الشعبية فى الفعل السياسى، والتى ضمرت بفعل الاستبعاد المتواتر لها منذ 52 عندما تبنت حكومات الثورة المتعاقبة النهج الأبوى فى ادارتها للوطن، وقد يفسر هذا شعور اليتم الذى لف الشارع المصرى لحظة رحيل الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.
وهو ما انتج فى مرحلة لاحقة الارتماء فى حضن التوجه الدينى للإحتماء به من حالة الفراغ التى آل اليها الشارع المصرى وقتها والذى تحول الى حالة من التطرف بفعل غياب العمل السياسى القادر على تفعيل المشاركة الشعبية السوية والفاعلة، حتى قيل أن اكبر حزبين هما حزبا الجمعة والأحد فى اشارة إلى قدرة المنابر الدينية على توجيه الشارع والتأثير فيه، وفشل المنابر السياسية فى هذا.
ولعل البداية تنطلق من التأكيد على الخيار الديمقراطى ليس فقط فى حقل حرية التعبير والذى يراهن عليه كثيرون ويكتفون بمظاهره الهشة، ولكن فى شيوع ثقافة الديمقراطية فى العلاقات بين الناس وبعضهم فى المعاملات اليومية والمؤسسة على احترام القانون، وهو أمر يتطلب مقاومة التمايز العملى ـ وليس النصى ـ أمام القانون من خلال المراقبة الجادة، والمحاسبة الحاسمة للمؤسسات ذات الصلة، خاصة السلطة التنفيذية وربما بأكثر تحديداً منظومة الإدارة المحلية بدءاً من الحى وصولاً للمحافظة، ومنظومة الأمن بدءاً من فرد الحراسة ومروراً على نقاط التفتيش بمختلف نوعياتها إلى قسم الشرطة ومدريات الأمن، وتفعيل المبادئ الإدارية الأولية المتمثلة فى المتابعة والتقييم والقياس على المستهدف ومن ثم التقويم. الأمر الذى سيؤدى إلى شيوع ثقافة المساواة المدعومة بقيم العدالة لدى المواطن البسيط فيبدأ مشوار الإنتماء الذى يجُب كل صور اللامبالاة والسلبية تباعاً.
ولا يمكن تصور قيام ديمقراطية حقيقية بغير وجود أحزاب حقيقية تولد من رحم الشارع وهو أمر يتطلب اعادة النظر فى القواعد المنظمة لقيام وتكوين الأحزاب حتى تكون معبرة عن توجهات الكتل الشعبية بشكل حقيقى يقترب من الواقع، وعندها تصبح الخيارات لعضوية المجالس النيابية والشعبية معبرة بصدق عن التيارات السياسية ذات المرجعية الشعبية، وتختفى معها الصورة النمطية لضعف الإقبال على المشاركة فى الإنتخابات، ونتخلص بالنبعية من الصور الكريهة التى كادت تفسد الحياة السياسية سواء بالفساد المالى أو البلطجة، ونسد الثغرات التى تقول بتزوير الإنتخابات وتسديد خانات الناخبين فى غيابهم.
وفى نفس المجال لابد من إعادة النظر فى نظام الإنتخاب الفردى والإنتقال الى الإنتخاب بالقائمة النسبية حتى نقلل من ضغط الإنتماءات العصبية والدينية والطائفية لحساب البرامج الحزبية، ونقلل من سيطرة رأس المال على توجيه اصوات الناخبين، الأمر الذى يفسح المجال لتواجد شخوص أكثر قدرة على التمثيل الحقيقى والواعى للناخبين لم تكن الانتخابات الفردية تتيح لهم فرصة التواصل مع القاعدة الانتخابي .
ولا يمكن تصور أن هذا يمكن أن يتحقق بقرارات فوقية آمرة، لكنه يحتاج إلى فعل مجتمعى عبر آليات الإعلام والتعليم والثقافة ومنظمات المجتمع المدنى التى عليها أن تتوجه لرجل الشارع تعيد ترتيب منظومة قيمه التى اختلت لأسباب متعددة سواء عبر تراكم سياسات الإستبعاد خاصة فى حقبة التوجه الشمولى، أو بفعل الإختراق الثقافى والفكرى المتصحر والبدوى، أو بفعل موجات الإفساد التى صاحبت التحول الإنفتاحى العشوائى، وخضوع آليات تكوين الوجدان والفكر الجمعى ـ إعلام وتعليم وثقافة ـ لضغوط وابتزاز كل هذه الفعاليات المتتالية حتى اصبحت اخطر ادوات شيوع السلبية واللامبالاة بل واللاإنتماء .
وحتى يمكن ترجمة المواطنة الى فعل يومى وحياتى أرى أن يتحمل المجلس القومى لحقوق الإنسان باعتباره يجمع بين الصفة الرسمية والصفة الشعبية ويضم نخبة من علماء الإجتماع والسياسة والإقتصاد فضلاً عن الحقوقيين بالدعوة الى مؤتمر قومى يضم كل الأطياف الفكرية والسياسية والحزبية، فضلاً عن اساتذة الجامعات والباحثين فى المركز القومى للبحوث الإجتماعية والوزارات ذات الصلة ـ التعليم والإعلام والثقافة ـ يضع رؤى علمية عملية بصدد كيفية تفعيل فكر وثقافة المواطنة مجتمعياً، عبر مشروع متدرج ومحدد الخطوات ، ترفع للسيد رئيس الجمهورية وفقاً لصلاحياته الدستورية ليترجمها الى قرارات أو قوانين يحيلها للبرلمان لإقرارها، أو لتعديل ما هو قائم من قرارات وقوانين لتتسق مع ما انتهى اليه مؤتمر المواطنة،
من هنا نبدأ .
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=6652&I=180