كيف يتزوج السعوديون؟

بقلم / محمد ناصر الأسمري

الزواج سكن ومودة بين الأزواج، وأرقى ما يوضح هذا الأمر قول الرب جل وعلا (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها...) ومن أصدق من الله قيلا، فالسكن أمان من الخوف، واحتضان للرأفة والحنان، فتتولد المودة من خلال العشرة، والإنجاب، وتبادل الأدوار في التربية والإنفاق حسب الاتفاق، ويغني الله كلاً من سعته.
السعوديون بشر يتزوجون ولكنهم يتعرضون في أفراحهم وما بعدها لبعض التضييق، لكني لا أعرف بلدا في العالم حتى في الأدغال، يتسلط فيه ظلما وقهرا أناس ما لهم من خلاق، على الإنسان مثلما يحصل في بلدنا بكل أسى وأسف، في أدق خصوصياته، في انتهاك صارخ لآدمية الإنسان، التي قال الله عنها "ولقد كرمنا بني آدم..." في وطننا القبلة لأمة الإسلام، وما أعنيه هنا هو ما يحصل من أن يجد إنسان ومعه امرأة هي أم أو أخت أو زوجة أو عمة أو خالة أو أم زوجة، من يستوقفهم في مطعم أو على شاطئ، ليسأل من معك يا رجل؟
لم يقتصر الأمر على ما سبق بل إن التدخل يصل إلى أخص خصوصيات البشر، الزواج، فمظاهر الفرح غيبت وتغيبت خلال العقود الثلاثة الماضية بسبب اختطاف التعليم والوعظ من قبل بعض الغلاة الذين سطروا الخوف، فكان أن توالدت أجيال لا تعرف للفرح لغة أو مجالا.

كان السعوديون يقيمون الأفراح والليالي الملاح ربما عدة أيام، في الأرياف تقام الأفراح بالزواج في أماكن مكشوفة في الركبان / القلبان عادة في النهار، وفي الليل على شب الحطب.
في المدن الحضرية كانت الأفراح تقام على أسطح المنازل على أضواء القناديل، وتطور الأمر إلى أن تسد الشوارع بالأشرعة، وتضاء الأنوار ويحتفل الناس فرحا.
يتبارى الأقارب في اللمة حول "الكوشة" في ليلة "الزفة" في تقديم الهدايا بما فيها الورود الحمراء والملبوسات التي صدرت بشأنها فتاوى بالتحريم دونما سند. كتحريم لبس الشرعة البيضاء، أهل الفرح نساء ورجالا أكثر حرصا على الأعراض والاحتشام، ويودع أقارب المرأة رجالا ونساء في زفافها إلى الرجل الذي يبني بها، ويمضي المعرس لبيته فيجد الأقارب في استقبال بهيج ترحيبا بالعروس وتبدأ الأفراح حتى يقضي كل من العروسين ليلته، ثم تبدأ الصباحية بالغبوق والتسالي النسائية في تفقد العدد من أنامل المجوهرات ومراويد السحاب الممطرة بالكحل وعسل النحل!
ويتوالى الرفد من الأهل والأقارب والأصدقاء مالا وأنعاما ووفاء،
لكن الحال تبدل إلى قتامة وعبوس ومنع ومصادرة لأفراح الناس، بفعل آراء متطرفة وجماعة تطرف وإقصاء من موظفين ومحتسبين ليس لهم ولاية ولا نظام أو قبول اجتماعي، بل يتجاوب الناس حرصا على سلامتهم من الأذى وتحويل الأفراح إلى أتراح لو سايروا السلوك المشين من أهل التوحش والإيذاء.

كنت في قصر أفراح، فهالني ما كان على الجدران من ملصقات فيها من الويل والثبور وعظاءم الأمور ما يقشعر منه البدن والفؤاد. تحريم لبس العروس للأبيض من الثياب والشرعة، تحريم الورود، تحريم لبس النساء لملابس تكشف الصدر والظهر والسيقان، مع أن الكل نساء في نساء، والزينة من متطلبات الفرح، التحذير من الأغاني والرقص، ومنع الطقاقات، ومنع استخدام مكبرات الصوت! وغيرها مما يجفل منه البشر. لا أعلم من كان خلف مثل هذا العبث؟ أرجال أم نساء؟؟ لكن يبدو أن محتسبة كانوا خلف هذا الشأن!
لم أجد أثرا لحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كانت جارية من الأنصار في حجري، فزففتها فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمع غناءً فقال: "يا عائشة ألا تبعثين معها من يغني؛ فإن هذا الحي من الأنصار يحبون الغناء؟
وفي الشرع التفريق بين النكاح والسفاح هو الإعلان بالدف والغناء.
لا يقتصر الحال في مصادرة أفراح الناس على التحريم والملصقات، بل تعدى الأمر إلى الدخول في خصوصيات البشر، فلا بد من ترخيص لأداء العرضة للرجال، ومع وجود الترخيص لدى قصر الاحتفالات أو الفندق، يأتي من يبحث عن الترخيص الصادر من الإمارة، وبعد التأكد يصدر تعليمات بعدم قرع الطبول، أو استخدام المكبرات! ويقول إن هذه تعليمات الآمر المناوب؟؟ وفي العرف الأمني أن الآمر المناوب هو ضابط من ذوي الرتب العالية يداوم ليلا في مقر الإمارة لتلقي بلاغات الوقوعات ليتخذ أمرا في شأنها، أو إبلاغ صانع قرار أعلى بها. ولا أعلم كيف جاء وجود آمر مناوب من الهيئة: أهو تنازع وتدافع اختصاصات أم سلطات، أم تسلط على الناس حتى في أفراحهم؟؟

التدخل في خصوصيات الناس مناقض لكرامة وحرية الإنسان، ولعل الأمر يستدعي طلب تدخل هيئات حقوق الإنسان الحكومية والأهلية لوقف مثل هذا التدخل السافر.
السعوديون حينما يتزوجون، يعرف العاملون في الفنادق اسم العروسين، وكذلك موظفو الهيئة ومن يحتسب لهم من الفارغين، يعرفون ليلة البناء، التي قد يقع فيها الحمل ورقم الغرفة، وكذلك الدفاع المدني والشرطة والمباحث كلها تعلم من خلال التراخيص بزواج فرج من حسينة.
كانت أغاني الفرح تصدح عند النساء: اتمخطري يا عروسة ما شاء الله عليك، و"عروستك الحلوة قمر بيلالي" والله وعرفت تنقي، والله وجبت الأمورة "أو "جوهرتنا ولو قللوا تعدل 400 جوهرة "
رقصت وغنيت مع صحب جميل في زواج ابنة البهي حمزة المزيني الطبيبة الجميلة في ليلة من أجمل الليالي وعزف الموسيقيون وأمام كل واحد منهم نوتة إضافية تحمل صورة من ترخيص الفرح؟
تمايلنا في عنيزة على جمر الغضا: يا شريفة متى ودك تروحي، يم ديرة هلك يا العسوجية؟ وفي المدينة: طق الرقبة يا وليد، جيب العتبة يا وليد؟ وفي كل أرجاء الوطن نغني للفرح، ولا مقام فينا لقتلة الفرح إن شاء الله.
وغنينا في صدر رجال ألمع خطوة بهية طرقنا فيه خطوة خطوة مع عبدالله الشريف أحد الزهور الفياحة في أرض البهاء أبها البهية وكما قال الشاعر:

بالله يا مقدي أم خواتم صفي
هب لنا وعد ونقضي شفي
من شفاه عسلية
ودنا نقطف زهور الوردي
قبل يا تيها المطر والرعدي
وكل براق برق ماء
قصر عالي فوق سطحه نوره
والقمر فوقه يشع بنوره
فاجتمع نور على نور
يا حليل اللي سكن في ديمه
يرتجف قلبه يوم أبصر غيمه
خاف من غدي السطوحي
البنية تشتكي م الوردي
قالت أوراقه تجرح خدي
وأنت ما ترضى ظليمه
قلت سمع وطاعة يالغالي
نحتمل لشواك والغربالي
ثم نعطيك العصارة

نقلاً عن صحيفة "الوطن" السعودية

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع