الموائد الرمضانية وأولوية رعاية الفقراء

د. نجيب جبرائيل

بقلم: د. نجيب جبرائيل
تحت هذا العنوان منذ أربعة سنوات تقريبًا كتبت إن الموائد الرمضانية التي تقيمها ويتصارع إليها الأقباط ما بين الإيباراشيات والكهنة ورجال الأعمال الأقباط تنفق سنويًا مما يزيد عن خمسة مليون جنيه، وكان أولىَ بهذا المبلغ أن يوضع في صندوق يُصرف منه على المحتاجين والغلابة وخاصة طالبات الجامعة والذي قد يؤدي بهن الحال إلى الخروج عن هذا الدين لضيق ذات اليد، وكما جاء بالكتاب المقدس أن الديانة النقية عند الله هي افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقاتهم.
وبقدر ما نال هذا المقال آنذاك عند الكثير استحسانًا وقبولاً، لاقىَ في ذات الوقت هجومًا عنيفًا من الكهنة والسلاطين حتى خيل للبعض أن ما كتبته ضد وحدتنا الوطنية، ولكن التجربة أثبتت صدق ما أقول لأن جبال الثلوج بين الأقباط والنظام مازالت كما هي بعد أن تجمدت قممها, فليس ضحكًا على الذقون فلا يمكن أن تخطف فتنة القارئ سواء قبطيًا أو مسلمًا.

فأن الغرض من هذه الموائد وإن كانت بالتأكيد هي نوع من المحبة والمودة والتقارب بين الأقباط والمسلمين وإظهار مشاعر الأقباط تجاه المسلمين لكن هي بالتأكيد في ذات الوقت الغرض والغرض الأساسي فإذا كانت ترمي إلى التقارب فليس التقارب يكون تقاربًا في المشاعر وإنما لابد أن تترجم هذه المشاعر إلى واقع عملي يلمسه الأقباط في حياتهم اليومية وحل مشكلاتهم المزمنة.
ولكن كما قلت الواقع يقول بغير ذلك رغم انتشار الموائد الرمضانية ليس على مستوى الإيباراشيات بل تتبارىَ فيها الكنائس حتى الكنائس التي ترعى شعبًا فقيرًا معوزًا!!
لقد دعيت ذات مرة إلى إحدى هذه الموائد في إحدى الإيباراشيات القريبة من القاهرة وكان من ضمن الهدايا التي وزعت علينا "كرستالة" عليها صورة قبة الصخرة وأخرى عليها صورة المطرانية مصنوعة في الصين لا يقل ثمنها بأي حال من الأحوال عن خمسون جنيهًا وكان ما وُزّع لا يقل عن خمسمائة "كرستالة"، 500×50=25000 جنيه!

هذا ناهيك عن ما قُدّم على تلك المائدة من أشهى المأكولات واللحوم بأنواعها وهذه المنطقة بالذات كانت هي الرائدة في أسلمة واختطاف البنات المسيحيات، وكانت هناك مائدة أخرى في إحدى كنائس مصر الجديدة توزع فيها ساعة حائط فاخرة بنفس أو أكثر فخامة من سابقتها، وكنيسة ثالثة بشبرا وجمعية شهيرة تفترش شارع بأكمله والمدخل الذي يصل بالجمعية ابتداء من شارع الترعة البولاقية بالسجاد وأفخر الزينات والأنوار وأنتم تعلمون ما هي حالة شعب شبرا التعبان الغلبان في الوقت الذي يحتاج فيه إلى شراء منزل مجاور للكنيسة لجعله مبنى خدمات ببضعة آلاف من الجنيهات ولا نجد هذا المبلغ أو شراء احتياجات ومستلزمات المدارس لإخوة المسيح فيصعب توفيرها!!
وهكذا بحسبة بسيطة ومدروسة يتأكد لنا أن هذه الموائد التي نقيمها ويتبارى فيها كهنتنا قبل أساقفتنا تربو عن خمسة ملايين جنيها كان بالأولى أن توزع على فقراء الأقباط وسد احتياجاتهم، وقلت أنه يكفي من هذه الموائد تلك المائدة التي يقيمها فقط رمز ورأس الكنيسة القبطية قداسة البابا شنوده الثالث باعتباره أنه يعبر عن شعور الأقباط جميعهم.
لكن يبدو أن كل كاهن ولو كان صغيرًا يحاول أن يضع رأسه برأس قداسة البابا، والغريب أن مَن يُدعىَ إلى هذه الموائد يا ليتهم الفقراء من الأقباط أو المسلمين -وهذا هدفًا اعتقد أنه جوهر موائد الرحمن كما يسمونها- ولكن مَن يدعىَ إلى هذه الكراسي هم صفوة المجتمع من الأغنياء والأثرياء والقيادات التنفيذية والشعبية وكبار رجال الحزب الحاكم!

وما هي النتيجة كما يتوهمها الأقباط؟ إن خطًا همايونيًا مازال جاثمًا على الصدور، مشروع بناء دور للعبادة، ومشروع القوانين الموحدة للأحوال الشخصية للأقباط حبيسة الأدراج، مزيد من الاحتقان الطائفي بين الأقباط والمسلمين، وأحداث متتالية ودامية حدثت في الثلاث سنوات الماضية، تهجير قسري للأقباط في "فاو" إحدى قرى منيا القمح، ومزيد من اختفاء واختطاف البنات المسيحيات، مزيد من المسلسلات التي لا تحترم عقائد الآخر، ضحالة في حقبة الأقباط في مراحل التعليم الأساسي، قطاعات هامة في الدولة لازالت محظور دخولها على الأقباط، أقسام أمراض النساء في كافة كليات الطب من أقصى الجمهورية إلى أقصاها محظور على الأقباط دخولها، إذًا هذه نتيجة الموائد الرمضانية.
كما كان ومازال يقصدها أصحاب الفخامة والمقام الرفيع من بعض الأساقفة والكهنة والقسوس ورجال الأعمال، لا أقول هذا حتى لا يفهم البعض أن ذلك ضد الوحدة الوطنية أو ضد التقارب بين الأقباط والمسلمين، ولكن التقارب الحقيقي هو شعور كلاً منّا باحتياجات الآخر وقبول الآخر وثقافته، والعمل على إزالة كل ما يسبب الاحتقان الطائفي لأنه ليس بالمظاهر أو الفشخرة أو القنعرة نظهر حبنا ومودتنا لإخوتنا المسلمين وإنما بالعمل المشترك والجاد على تنقية مناهجنا التعليمية وبرامجنا الإعلامية من كل ما يشوب هذه العلاقة لان كما قال السيد المسيح له المجد "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان".

رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان         
المستشار نجيب جبرائيل                               
Nag_ilco@hotmail.com