القس. سامي بشاره
بقلم: القس/ سامى بشارة جيد
اعنقد البشر لعقود كثيرة ان الارض مركز الكون حتى جاء كوبرنيكوس واثبت ان الشمس هى مركز الكون وكل الكواكب تدور حولها, وتتردد فى الاونة الاخيرة نغمة يعلو صداها ويدوى مداها حتى بنى عليها لاهوت وفكر وعملت تطبيقات تمس جوانب حية وحيوية زمنية بل تمتد لتحدد مصير حياة الانسان الابدية, ومن باب العزف على حرية الانسان ومن منطلق الضغط على نغمة شجية تطرب الانسان وتدغدغ احاسيسه الانسانية الا وهو مركزية الانسان فهو مركز الكون وهو من اوجدت الوصية لاجله وهو من خلقت الطبيعة لاجله وهو من مات المسيح لاجله وهو من كسرت الوصية من قبل المسيح لاجله وعلشان خاطر عيونه فلتدمر الخليقة ولتتقطع الطبيعة ولتذبح الحيوانات ولتحرق الوصية وليذهب كل شىء الى الجحيم فى سبيل بقاء الانسان وراحة الانسان ورفاهية الانسان وحرية الانسان حتى وان كان كبش الفداء هو كلمة الله وفكره ووصيته وكتابه المقدس.
وبالرجوع الى سفر البدايات نجد ان حرية الانسان وسعادته ورفاهيته فى الجنة بل وعلاقاته على مستويات مختلفة ومتنوعة بالحيوانات وعلاقة الانسان بالانسان وحتى علاقته بالله نفسه مرتبطة بشىء واحد وضعه الله وهو طاعته بالوصية او العيش فى حدود واطر محدده تضمن الولا واخيرا صالح الانسان نفسه ففى الاصحاحات الاولى من سفر التكوين نجد ان فى المركز فى عدن شجرة الحياة وليس الانسان وايضا نجد فى الوسط شجرة معرفة الخير والشر وليس الانسان (تك 2: 9 ) لذا فان حرية الانسان قد حدها نهى واحد (تك 2: 17 ), الامر الذى يذكر الانسان –كما يذكر ديفيد اتكنسون- ان حرية حياته ومن ثم ظروف حياته, يدبرها الله نفسه وضمنت هذه الحياة فى النهى الوحيد, فالحياة والحرية لا يمكن ان يوجدا الا فى اطار شريعة الله الكريمة.
وفى عالم ما بعد التنوير والحداثة وفى زخم ثقافة الكوكبية يتم الفصل بين ما يسمى بالحقائق التجريبية نتيجة الثورة العلمية والتكنولوجية عن القيم الادبية فاصبح كل شىء نسبى فلا توجد حقائق مطلقة بل كل شىء يعود اولا واخيرا الى الشخص نفسه حتى ادق العلاقات بين الانسان والانسان وبالاخص علاقة الرجل بالمراة الذى هو النموذج الاساسى والاصيل الذى تتحقق فيه صورة الله كما يراها كارل بارت فصورة الله هى فى انه خلقهما من البدء "ذكرا وانثى, على صورة الله خلقهما" ومن منطلق مركزية الانسان التى يمكن ان اجعل من مصطلح "انانية الانسان" او "نرجسيته" مرادفا صحيحا بل كتابيا ايضا حتى ندعى ان المسيح فى كمال تعاليمه وصدق حياته وانضباط سلوكه قد تجرأ وكسر الوصية الالهية لكى يشفى فى السبت مع ان التوراة كانت توصى بقتل من يذدرى بالسبت فهنا نجعل من المسيح "كاسرا للوصية" وبحسب يعقوب 2: 10 "فمن حفظ كل الناموس وانما عثر فى واحدة فقد صار مجرما فى الكل" فكيف لكاسر وصية وغير حافظ للناموس ان يكون بلا خطية وكيف لفادى ليس بلا خطية ان يوفى مطاليب العدالة الالهية وهو صورة الله غير المنظور (كو 1 :15 )؟! وهو من قال (ما جئت لانقض بل لاكمل). وكيف نتبع شخص لا يقدر الوصية؟
فيجب ان نعيد التفكير فيما نقول او نعلم او نبنى لئلا نقدم تعاليم غير مدروسة لكى نثبت فكرنا او ندعم وجهة نظرنا فى امر ما. فيجب ان نفرق بين ما هو الهى وما هو انسانى لئلا تاخذنا افكار الحركة الانسانية Humanism ولنتذكر ان الاصلاح الذى نحمل لوائه ونتبنى مبادئه وافكاره ارسى مبدأ مهما واساسيا وان كان فى شكله موقفا اصوليا لكنه هام وحيوى فى مواجهة حمى حركة اللبرله Liberalism : مفهوم العودة الى النص "النص الدينى وحده" و"سمو سلطان الكتاب المقدس" والدور النبوى للكنيسة ان تعلن الحق الكتابى وترسى المبادىء الكتابية وعلى المؤمن ان يخضع ظروفه المتغيره لكلمة الله الثابتة وليس العكس وبالتالى فان مشاكل الواقع المتغير لا تشكل فكر الله الثابت وفى نفس الوقت يجب ان نفكر فى حلول داخل اطار محدد ونسق ثابت والا سنقع فى الغواية كما حدث مع ابوينا الاولين وتصير الحرية فرصة للجسد.
ان حركة التاريخ لا تصنع لاهوت الكنيسة -وان تضمن اللاهوت حقائق تاريخية -ولا تحدد ما يجب ان يطاع او ما يجب ان يعمل او يعاش ولكن علينا نقرا التاريخ على انه عمل الله فى التاريخ من خلال يسوع المسيح فالتاريخ History على انه تاريخه His او قصته Story فقد اعاد المسيح صياغه التاريخ الانسانى والذى تلوثت طبيعته الانسانية بعد السقوط بسبب الرغبة فى الحرية المطلقة والحياة غير الملتزمة باى اوامر او نواهى وكما حدثت مع ادم الاول كقصة تاريخية قبل الميلاد وايضا كما يحكيها الكتاب المقدس فى ادم الاخير بعد الميلاد. فحركة التاريخ لم تكن هى الحاكمة فى تشكيل السلوك المسيحى بل معرفة وصايا الله كما هى جديدة فى وجه يسوع الذى تجسد وصلب ومات وقام وصعد الى السماء وسياتى فى مجده تانية ليدين الاحياء والاموات وقد فعل السيد المسيح ذلك بان اعاد حركة التاريخ الى نقطة البداية وكان ما فعل موسى حين اوصى بان يعطى كتاب طلاق-هو خروج عن نموذج اصيل- خارج حركة التاريخ, اما قراتم ان الذى خلق من البدء خلقهما ذكرا وانثى (مت 19: 1-15 ), فهنا المسيح لم يكسر الوصية فى سبيل القساوة بل على العكس لقد عالج القساوة بالعودة الى الوصية الاصيلة وعلى نفس المنوال تدخل الاصلاح ليقوم اعوجاج حركة التاريخ عندما عاد الى النص الكتابى ولمعه واوصى به وبهذا اعيد صياغة تاريخ جديد ورسمت بداية جديدة للانسانية كلها.
ومن المثير للجدل على ما آل اليه حال الفكر المسيحى من فقر وفقد لابسط بديهيات الموضوعية ان نقول الشىء وعكسه او ننادى بمبادىء ونطالب الكل ان يطبقها ولا نطبقها نحن اولا تماما كما فعل ويفعل السوفسطائيون فنحن كنيسة انجيلية والتاب المقدس هو الدستور المعصوم للايمان والاعمال وما يميز المسيحية هو الزواج, فكثيرا ما ننادى بالمواطنة وقبول الاخر واحترام حرية الانسان ولكن اذا وصل الامر الذى فيه يكون الحل لانهاء علاقة بين رجل وامراة هو تغيير الدين هنا تختفى كل دعاوى قبول الاخر والعتراف به على اساس ان لا احد يمتلك الحق المطلق وان كل الاديان تمتلك جزء من الحقيقة, نجد ان كل ذلك يتبخر ويضيع ويكون الانفصال والطلاق اهون من تغيير الدين, اليس هذا تناقضا وان كان باطنيا وغبر معلن وبينى وبينك وفى نفس الوقت يكون هذا الفعل وهذا الفكر نكوص الى فكر الاغلبية وتبنى فقه دخيل على الفكر الكتابى الاصيل فى ان الضرورات يبحن المحظورات وعلى الانسان ان يختار اهون الشرين وفى ذلك اعتراف بان كلا الامرين شر سواء الطلاق او تغيير الدين مع بقاء دعاوى القبول والاعتراف المشترك امرا ظاهريا فقط وفى ذلك تناقض بين ما نظهر ومل نبطن وفى المقابل نجد انفسنا نندافع عن علاقة لا تفرق بين كسر الوصية فى احدى المفردات او ترك الدين فى مجمله فالامر كله لا يذيد عن البحث عن مبررات والخطاب فى شكاه وفى مضمونه لا يتعدى كونه خطابا تبريريا وان احلل لنفسى ما احرمه على غيرى فانا اريد ان يتحول الاخر لى وارفض ان يتحول احد اتباعى الى الاخر وان كان خلاصا من مشكله.
اخيرا فان امر الرجل والمراة لا يتعلق برجل وامراة بل بمفهوم الاسرة والاسرة اساس المجتمع فهى نواة المجتمع وهناك عنصر اخر غائب لا يفكر فيه الاباء والامهات ولا حتى المنظريين انفسهم وهو الابناء فهل الطلاق فى صالح الاسرة والاولاد وفى صالح المجتمع وهل المجتمعات التى تسمح بالطلاق وتصفه وتوصفه بانه "ابغض الحلاح"فى الغرب والشرق حلت كل مشاكلها التى تتعلق بالجنس والاسرة والمجتمع؟ لا اعتقد ذلك! ان الزواج ببساطة وكما علم المسيح مشبها علاقته بالكنيسه جسده وعامود الحق وقاعدته وهى علاقة العهد بعلاقة الرجل والمراة فان سمحنا لعلاقه الرجل والمراة ان تنتهى بغير الموت هل نفكر بامكانية ان تنفصم العلاقة بين المسيح والكنيسة لاى سبب؟ مثلا زنى الكنيسة الروحى بعيدا عن تعاليم المسيح؟ وان كانت علاقة المسيح بالكنيسة قابلة لانفصال او الانفصام فاين الضمان الابدى الذى هو واحد من اهم مبادىء الكالفينية المشيخية؟
تلك نقطة هامة ربما تكون نفقطة انطلاق لمذيد من البحث والتفكير واعادة الامور الى نصابها فى ان نعيش فقط كما يحق لانجيل المسيح فكما ان الوصية فى خدمة الانسان ففى المقابل حياة الانسان لا تستقيم حياته او ابديته بدون الوصية والا تحولت الحرية الى فوضى والانفتاح الى عزلة والشركة الى صراع والجنة الى غابة والوحدة الى انفصال وهذه مفردات الانسان عندما يعيش لذاته وعندما يتحرر بعيدا عن الله يصبح سجينا لذاته فاذا فقدت مبدأ سمو سلطان الكتاب المقدس فافعل ما شئت.
القس: سامى بشارة جيد
ماجستير فى الاداب
Samy6868@yahoo.com
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=6351&I=173