الثعلب الباكستاني بيت الله محسود

الأهرام - كتبت : مروة فودة

يقولون إن عمره لم يتخط الأربعين بعد‏,‏ يقولون انه طويل القامة‏,‏ يقولون ان له جاذبية هادئة‏,‏ ويقولون انه يمتلك مقدرة كبيرة علي التركيز والتخطيط هذه الصفات هي التي رسم من خلالها المسئولون في المخابرات الامريكية والباكستانية صورة لزعيم حركة طالبان الباكستانية بيت الله محسود احد اكثر الشخصيات المرهوبة الجانب ليس في باكستان وحدها بل في العالم بأسره الذي بات موته علامة استفهام يبحث الجميع عن اجابة‏,‏ لها

بيت الله محسود يتقدم حراسهففي الوقت الذي يؤكد فيه المسئولون ان محسود لقي مصرعه في هجوم صاروخي امريكي بمنطقة غرب وزيرستان القبلية قرب الحدود الافغانية ينفي اعضاء الحركة هذا الامر مؤكدين ان قائدهم مازال علي قيد الحياة ولكنه مختبئ‏.‏

يعد بيت الله محسود القائد الأعلي لحركة طالبان باكستان ويعتبر في نظر الأمريكيين حليفا أساسيا للقاعدة وتتهمه السي‏.‏آي‏.‏إيه ونظيرتها الباكستانية بالوقوف وراء العديد من الهجمات الارهابية التي من بينها الاعتداء الذي اودي بحياة زعيمة المعارضة الباكستانية بينظير بوتو‏,‏ فدون ان يطلق رصاصة واحدة علي امريكيين ـ حيث لم يشارك في قتل حقيقي بنفسه ـ

تمكن بيت الله محسود من أن يحوز اهتمام المخابرات الامريكية التي كرست جهدها للقبض عليه او قتله وخلال الـ‏18‏ شهرا الماضية وقد اقتربت السي‏.‏آي‏.‏إيه ثلاث مرات من تحقيق غرضها كما رصدت‏5‏ ملايين دولار كمكافأة لمن يقوم بقتله أو أسره‏.‏

ويبدو ان التعاون المخابراتي الامريكي ـ الباكستاني اثمر في نهاية المطاف عندما اطلقت طائرة من دون طيار تابعة للمخابرات الامريكية صاروخا علي شرفة الطابق الثاني بفيلا تقع شمال غرب باكستان حيث كان يحصل محسود ـ الذي يعاني من مرض السكر ـ علي رعاية طبية واتفق المسئولون الباكستانيون والامريكيون علي ان الهجوم قتل الإرهابي الذي يتصدر قائمة المطلوبين لدي باكستان‏.‏

وبيت الله محسود هو ابن داعية سني من اقليم بانو المجاور لجنوب وزيرستان ويعتبر أهم زعيم في قبيلة محسود‏.‏ وأوضح محمود شاه المحلل المتخصص في المناطق القبلية ان محسود يقود جيشا يزيد علي‏20‏ الف مقاتل مدججين بأنواع مختلفة من العتاد وعلي الرغم من ان عمره لم يتعد‏39‏ عاما فإن نفوذه تعدي الحدود الباكستانية ليصل تأثيره الي العاصمة الامريكية والواقع أن أحدا لم يستطع وصف ملامحه فهو لايظهر امام العدسات لأنه يكره الدعاية والاعلام بشكل عام وعلي الاخص التقاط صور له‏.‏

ومع ان بيت الله محسود المولود عام‏1970‏ رجل امي فإنه يتمتع بذكاء وجاذبية هادئة وقدرة علي التركيز وقد قضي محسود الجزء الاخير من ثمانينيات القرن الماضي في محاربة الروس بأفغانستان وبرز إلي الواجهة عام‏2004‏ ليملأ الفراغ الذي تركه زعيم قبلي آخر هو عبدالله محسود الذي قتل في اثناء هجوم شنه الجيش الباكستاني في بلوشستان جنوب غرب باكستان‏.‏ ورغم انه لم يكن معروفا في تلك الاونة فقد وجد بيت الله محسود مكانه بسرعة‏.‏

ويعود بزوغ نجم محسود الي نتاج وافكار واحداث عديدة كما ان صغر سنه مكنه من التواصل مع شباب معظمهم ينحدر من عائلات فقيرة والذين باتوا وقود حركته‏.‏ ومن ابرز انجازات محسود انه اعاد للشبكة الجهادية عنفوانها وجمع امراء الحرب من قبائل البشتون والمجاهدين من اقليم البنجاب وفلول تنظيم القاعدة في ارجاء العالم الاسلامي تحت راية واحدة‏.‏

وقد منحه هذا المزج بين العناصر الجهادية المدربة إضافة إلي المال والمهارات التخطيطية القدرة علي توجيه ضربات في أي مكان بباكستان وقد نسبت الحكومة الي حركة طالبان باكستان‏80%‏ من الهجمات الارهابية التي وقعت خلال العامين الماضيين وهو الامر الذي اعترفت به الحركة‏,‏ معلنة تبنيها للعديد من اعنف تلك الاعتداءات‏.‏

وتعد طالبان والقاعدة وطالبان باكستان ثلاث منظمات مختلفة يتعامل معها رجل الشارع علي انها كيان واحد برغم الاختلافات التي تفصل بين الجماعات الثلاث في ظروف النشأة والزعامات وبعض الاختلافات الايديولوجية فحركة طالبان التي يقودها الملا عمر مجال عملها الاساسي هو افغانستان وتحمل ظروف نشأتها سببا كافيا لحدود نشاطها الجغرافي فقد نشأت كحركة مسلحة محلية في عام‏1994‏ ضمن عشرات الحركات المسلحة التي ازدحم بها المشهد الافغاني في فترة التسعينيات عقب الانسحاب السوفيتي‏.‏

وكانت السمة المميزة لحركة طالبان وقت انشائها انها حركة بشتونية من الناحية الأثنية علي الاقل حيث كان معظم اعضائها من قبائلالبشتون الذين يشكلون نحو‏40%‏ من سكان افغانستان واستفادت الحركة من دعم البشتون لتخوض معارك طاحنة ضد الجماعات الافغانية الاخري وتستولي علي كابول ومعظم اقاليم افغانستان عام‏1996.‏

أما تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن فأهم مايميزه أن مجاله الجغرافي غير محدود‏,‏ فهو يعتبر العالم كله مجالا لنشاطه‏.‏ كما أن هناك اختلاف في طريقة تفكير القاعدة وطالبان‏,‏ فبينما اعتمدت القاعدة علي سلاح الانتحاريين‏,‏ كان الإطار الفكري لطالبان حتي ماقبل عام‏2001‏ يرفض هذا الاتجاه‏.‏

أما طالبان باكستان فهي أحدث هذه التنظيمات وهي هجين بين القاعدة وطالبان‏,‏ حيث تتشابه مع شقيقتها الأفغانية في أن نشأتها محلية ترتبط بباكستان‏,‏ كما تتشابه معها في اعتمادها علي القومية البشتونية‏,‏ ولكن الحركة الوليدة تتقاطع أيضا مع تنظيم القاعدة حيث توفر ملاذا آمنا لعناصره‏,‏ كما أن بيت الله محسود حاول في بعض الأحيان أن يوسع من نشاط حركته ويسبغ عليها طابعا دوليا عندما هدد بضرب أهداف في أمريكا‏.‏

وينظر محللون باكستانيون وامريكيون الي الغارة الجوية التي قتلت محسود ـ في حالة نجاحها بالفعل ـ حيث يقول مسئولون امريكيون انه ربما يتعذرالحصول علي دليل قاطع ما لم تتم استعادة الجثة علي انها انتكاسة قوية لتحالف يضم‏13‏ فصيلا تابعة لطالبان باكستان كان يديرهم محسود وأوضح خبراء في مكافحة الارهاب لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن مقتل الثعلب الباكستاني سوف يؤدي الي ارتباك في عمليات حركة طالبان داخل باكستان‏.‏

وقد اكد مسئولون باكستانيون وامريكيون ان الهجوم الصاروخي كان سببا في صراع من اجل الخلافة بين فصائل طالبان الباكستانية واعضاء طالبان ويقول جون ماك لولين نائب المدير السابق للمخابرات الامريكية إنه علي الرغم من ان أي نائب لمحسود يمكنه ان يشغل الفراغ فإنه يحتمل ان يؤدي مقتله الي حالة من الخوف والشكوك بين اتباعه‏,‏ مع الشعور بالقلق من أن شخصا ما في الداخل ربما يكون قد خانهم‏.‏

‏fouda.marwa@yahoo.com